| 27 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

هيثم أبوزيد .. يكتب: "نقد التلاوة".. ضرورة دينية وذوقية

  • | السبت, 10 نوفمبر, 2018
هيثم أبوزيد .. يكتب: "نقد التلاوة".. ضرورة دينية وذوقية
هيثم أبوزيد

منذ بداية عصر التسجيلات، وتبلور معالم المدرسة المصرية الكبرى فى تلاوة القرآن، ثم بلوغ هذه المدرسة ذروتها مع عصر الإذاعة، وظهور عدد من القراء من أصحاب الأصوات العبقرية، والأداء الفذ، ثم مع انحسار «المد العبقرى» أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، ثم بدايات مرحلة التراجع أوائل السبعينات، ووصولا إلى الأزمة الكبيرة التى تعيشها تلاوة القرآن الاحترافية اليوم.. افتقد فن التلاوة دائما لأى شكل من أشكال النقد العلمى، وبينما وجدت فنونا أخرى كالشعر والأدب والرواية والغناء والتلحين عملية نقدية مجاورة، فإن فن تلاوة القرآن فى مصر لم يعرف يوما أى عملية نقدية علمية، مما كان له أثر بالغ فى حالة التردى التى هوى إليها هذا الفن الشريف. 

ربما كان وجود عدد من أعظم أعلام هذا الفن فى وقت متقارب من أسباب الغفلة عن أهمية النقد، فحين تكون الأصوات المسيطرة على الساحة هى من طبقة محمد رفعت وعبدالفتاح الشعشاعى ومصطفى إسماعيل وأبوالعينين شعيشع وطه الفشنى ومحمد صديق المنشاوى وعبدالباسط عبدالصمد ومحمود على البنا ومحمود خليل الحصرى، فإن الكتابة والتناول سيغلب عليهما الطابع المناقبى المديحى، فهذه الأصوات وغيرها من أعلام عصرهم بلغت ذروة عليا فى روعة الأداء وجمال التلاوة، حتى اعتبر كثيرون أن المقامات الشرقية، والأداء الكلاسيكى، سيظل محفوظا طالما بقى فن تلاوة القرآن بهذا المستوى من القوة والازدهار، فالتلاوة عبر أصوات هؤلاء محفوظة ومصانة مما طرأ على الغناء العربى من تراجع بدخول العناصر الأجنبية، وهيمنة الموسيقى الهجين، التى لم ترق أبدا لا إلى الكلاسيكيات الأصيلة التى سادت فيما يعرف بالحقبة الحمولية، واستمرت حتى أواخر ثلاثينيات القرن الماضى، ولا إلى الكلاسيكيات الغربية، التى خلفها أعلام الموسيقيين الأوروبيين. 

ومما ساهم أيضاً فى انعدام النقد تجاه فن التلاوة، أن الأخطاء فى تلاوات الأعلام الكبار كانت محدودة جدا، ومطموسة فى جلال الأداء وعظمة الصوت.. فمن سيقرر - حينها- أن ينظر بعين النقد إلى تلاوة الشيخ محمد رفعت، أو مصطفى إسماعيل، أو المنشاوى، ربما لن يجد مادة كافية ليكتب مقالا كاملا، لأن الالتزام بأحكام التلاوة، ومراعاة ما يعرف فى كتب التجويد برونق القراءة، كان السمت المهيمن على أداء هؤلاء الأعلام. 

لكن الأيام أثبتت أن النقد فى غاية الأهمية، بل هو ضرورة لأزمة، فالسكوت عن الأخطاء المحدودة فى تلاوات الأعلام، نقل هذه الأخطاء فى تلاوات الجدد من الهامش إلى القلب، ومن الاستثناء العارض، إلى الأصل الدائم.  خذ مثلا.. خطأ تكرار نفس الكلمة فى نفس واحد، سواء بقراءة أخرى أو بنفس القراءة.. هذا خطأ لا شك فيه، ولا صلة بينه وبين ما يسمى بـ«جمع القراءات»، وقد وقع فيه أكثر من مرة كل من المشايخ محمد رفعت ومصطفى إسماعيل والمنشاوى وعبدالباسط وغيرهم من هذا الجيل الفذ الذى لا يُعوض.. فلما وجد القراء الجدد أن الكبار قد فعلوها، وأنها مرت دون نقد أو لوم، جعلوها ميدانا للتفاخر، وسبيلا لإظهار الدراية بالقراءات المختلفة، أو حتى لإظهار طول النفس عند القارئ.  وفى السبعينات ظهر عنتر مسلم، يقرأ سورة التكوير بهذه الكيفية (إذا الشمس كورت كورت) بترقيق الراء فى الثانية) وإذا النجوم انكدرت- وإذا الجبال سيرت سيرت (بترقيق الراء فى الثانية) وإذا العشار عطلت- وإذا الوحوش حشرت حشرت حشرت- (بترقيق الراء فى الثانية وتشديد الشين فى الثالثة- وإذا البحار سجرت سجرت سجرت (بترقيق الراء فى الثانية وتخفيف الجيم فى الثالثة... إلخ). 

ثم انفتح المزاد.. فجاء من يقرأ «أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها» فيستوفى ما فى لفظة «السماء» من قراءات، بل ومن أوجه للمد، يكرر الكلمة وحدها منفردة، كأنها لفظة «ياليل» فى موال بلدى.. ثم جاء من يكرر «ولله الحمد» 16 مرة فى نفس واحد. 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg