| 28 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

د. إيمان رجب.. تكتب: سياسة الكارتون

  • | الأربعاء, 28 نوفمبر, 2018
د. إيمان رجب.. تكتب: سياسة الكارتون
د/ إيمان رجب

تتضح أهمية شخصيات الكرتون حين يبدأ البالغون باسترجاع ذكريات الماضى، من خلال تذكر أسماء أشهر شخصيات الكرتون التى تأثروا بها أو عاصروها. فمن ولدوا فى مطلع القرن العشرين مثلاً يتحدثون عن فانتازماجورى Fantasmagorie الذى كان أول فيلم كرتون متحرك فى العالم، ومن ولدوا فى الثمانينيات، ومنهم كاتبة المقال، أكثر تعلقا بـ«توم وجيرى» و«كابتن ماجد» و«ليون كينج» و«تيمون وبومبة»، ممن ولدوا فى مطلع القرن الحادى والعشرين، والذين هم مرتبطون بـ«المحقق كونان» و«سونيك» مثلا.

بعبارة أخرى، لكل جيل شخصيات الكرتون المرتبط بها.

ويمكن القول إنه فى أحيان كثيرة تعكس نوعية أفلام الكرتون المعروضة فى الدولة توجها سياسيا ما. وأتذكر بهذه المناسبة أنه فى أول يوم دراسى لى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة كانت أفلام الكرتون هى الموضوع الذى تجاذبنا كطلبة أطرافه فى إطار تعرفنا إلى بعضنا.

كان من بين زملائى فى الدفعة من أتوا من إحدى دول المشرق العربى، وكانت تحكى كيف أن أفلام الكرتون التى كانت تعرض فى دولتها مدبلجة للغة العربية الفصحى وباللهجة العراقية، ولم تكن بلهجة الدولة التى تعيش فيها. وكان هذا هو وضع كثير من زملائى المصريين الذين قضوا فترة الثانوية العامة فى دول الخليج، حيث لم يكن هناك حينها أى أفلام كرتون مدبلجة باللهجة الخليجية على عكس الوضع هناك حاليا.

فى المقابل، كان الأصدقاء الذين تخرجوا فى المدارس المصرية من المصريين والعرب الذين كانوا يقيمون هنا لفترة طويلة أكثر تأثرا ببرامج الأطفال مثل «عروستى» و«بوجى وطمطم» وبأفلام الكرتون مثل «توم وجيرى» و«ميكى ومينى» والتى دبلج بعضها مؤخرا للهجة المصرية.

ومن المهم أن أوضح أن الاختلافات بيننا كدفعة واحدة لم تتوقف عند اختلاف لغة أفلام الكرتون التى كنا نشاهدها، ونحن أطفال أو التى كنا لا نزال نشاهدها ونحن طلبة جامعيون، ولكن ارتبطت بحكايات الكرتون أيضاً، ففى الوقت الذى تحدث فيه من نشأ فى مصر عن قصص «توم وجيرى» و«ميكى ماوس» و«عم بطوط» و«كابتن ماجد» كان زملاؤنا من الدول الأخرى يروون قصص «توم سوير» و«عدنان ولينا» و«أوسكار» و«أليس فى بلاد العجائب» و«السنافر» و«جودى أبوت» وغيرها، وهى قصص كانت تعكس عمقاً فى الحبكة القصصية للكرتون، وكذلك كانت مليئة بأبعاد إنسانية تفتقدها أفلام ديزنى الأكثر شهرة.

لقد كان سبب تأثرنا بهذه الشخصيات ومعرفتنا بالقصص التى تضمنتها أفلام الكرتون عن ظهر قلب ببساطة أنها أفلام كرتون، لا أكثر ولا أقل، ولا ينفى ذلك أن كثيرا من تلك الأفلام تضمن معلومات حقيقية عن وقائع تاريخية، مثل «عدنان ولينا» الذى كان يحكى قصة أسرة يابانية تأثرت بالحرب العالمية الثانية، أو معلومات تعليمية مثل «كابتن ماجد» الذى علم أجيالا قواعد لعبة كرة القدم.

والطبيعة الكرتونية لهذه الأفلام هى التى جعلت كرتون «بكار»- والذى يحكى قصة كرتون مصرية بامتياز- عندما عرض فى عام 2000 يتعلق به من كانوا حينها أطفالا، ولا يزالون يذكرون حتى اليوم شخصية بكار ورشيدة.

إذن أفلام الكرتون ليست مادة ترفيهية فقط، بل هى إحدى الأدوات الأكثر تأثيرا فى تشكيل شخصية الأطفال، فكما أن هناك سياسة تحرك الشركات التى تصنع أفلام الكرتون، فهناك سياسة تحرك تفضيلات الدول المستهلكة واختيارها لأفلام كرتون دون غيرها، وما نحتاجه فى بلدنا هو سياسة تنظم هذا النوع من الأفلام.. وتدعم التجارب الناجحة ومنها تجربة الأزهر الشريف فى إنتاج مسلسل كارتون معرفى جميل يحكى تاريخ الأزهر عبر العصور بالاشتراك مع أكاديمية البحث العلمى، وهو عمل مهم ويقدر للأزهر استغلاله لهذا الوسيط المحبب للاجيال الناشئة فى بناء ثقافتها وربطها بماضيها العريق.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg