| 29 مارس 2024 م

أراء و أفكار

أحمد الصاوى .. يكتب: سفينة "الطيب".. التى طعموا أمنها وقت المحن ويحاولون إغراقها فى "الزمان الحسن"

  • | السبت, 12 يناير, 2019
أحمد الصاوى .. يكتب: سفينة "الطيب".. التى طعموا أمنها وقت المحن ويحاولون إغراقها فى "الزمان الحسن"
أحمد الصاوي .. رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر

هى لحظة فخر يستعيد فيها الوطن روحه الأصيلة، وواحد من أبرز مشاهده التاريخية حين وقف المصريون جميعاً رافضين أى تقسيم دينى فى مواجة الاستعمار، وخطب القمص سرجيوس  - خطيب ثورة 1919 - من على منبر الجامع الأزهر، وبعد مائة عام يصل الرئيس السيسى مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر والبابا تواضروس بابا الكنيسة القبطية التاريخ، وهذه المرة ضد الإرهاب والتطرف الأخطر من الاستعمار، فيما دولة المواطنة تستكمل مشروعها الوطنى مرتكزة على إرادة سياسية مختلفة، وعلى محبة قبطية متواصلة، وعلى موقف أزهرى متجدد بفهم واعٍ لمقاصد الإسلام انعكس على مناهج الأزهر التى يتربى عليها النشء من مرحلة رياض الأطفال على الانفتاح على الآخر «زميلاً وصديقاً وشريكاً وجاراً»، وعلى وثائق الأزهر التى أصلت للمواطنة ووضعتها فى مكانها الصحيح فى قلب الإسلام وتاريخه، وحتى منهج الإمام الطيب الذى لم يحد يوماً عن الأخوة الإنسانية بكل ما تترجمه هذه الأخوة من حقوق وواجبات بين أبناء الوطن الواحد والناس كافة.

تلك اللحظة التى تنسجم مع مثيلتها التى كانت عقب ثورة 25 يناير حين فتح الأزهر وإمامه أذرعته كلها للمفزوعين من الزلزال الكبير، والذين هرعوا إلى الأزهر وتدثروا بغطائه من برد التحولات وتوحش التطرف، فأمنهم الأزهر وإمامه بعد خوف، ووقف معهم يحارب ذات المعركة من أجل مصر غير مختطفة فى دينها ولا هويتها، فسارت بهم سفينة الطيب وسط أمواج متلاطمة، هدأت الروع، وأكدت الفهم الوسطى للدين، وواجهت التشدد، وانحازت لمصر - وطناً وشعباً وتاريخاً - حتى انزاح الخطر.. لكن لا لحظة اليوم ولا لحظة الأمس كانتا كافيتين ليبصر من فى قلبه مرض، حتى لو كانوا من أولئك الذين طعموا أمن سفينة الطيب وقت المحن، لكنهم وكما وصفهم الشاعر الكبير أمل دنقل، وبمجرد أن جاء «الزمن الحسن» الذى اطمئنوا فيه بعد خوف، حتى عمدوا وبإصرار كبير على محاولة إغراق سفينة كانوا يحتمون بها ويكيلون لها المديح المستحق، ويتدثرون بعباءتها المتسعة المتسامحة.

هذا نوع من المثقفين معروف تناقضاته، ربما يراهن على ضعف ذاكرة الناس فى زمن الإنترنت واليوتيوب، لكن المدهش أن تسمع من كنت تراه قبل سنوات محدودة جداً يبدو كإصلاحى يناظر المتشددين دينيا،ً ويصرخ فى وجوههم «إسلامى هو إسلام الأزهر»، وعندما يختفى المتشدد من الكادر التليفزيونى، يتشدد من كان يواجه التشدد ويهاجم إسلام الأزهر، ويلصق به كل تحجر وتشدد وظلامية، وكأن البعض لا يعرف قيمة الأزهر الحقيقية إلا فى وقت محنة وفقط.

هؤلاء الذين سجلت أقلامهم عشرات المقالات عن الإمام الأكبر «المستنير الوسطى»، وعن التحصن بالأزهر، والتشبث به وبمنهجه، جرؤت ألسنتهم وأقلامهم اليوم على الطعن فى منهجه الذى كان فى الصفحات السابقة ملاذاً وحلاً.. لا يحزن شيخ الأزهر من تحولات الأرجح أنه يعرفها لدى هؤلاء واختبرها من قبل، ويدرك أنهم خانوا كلماتهم قبل أن يخونوا عهدهم معه، ولمَ لا وهم الذين هاجموا الطغاة بعد سقوطهم، وتذكروا الخطايا بعد ذهاب أصحابها، وزعموا لأنفسهم الشجاعة بأثر رجعى، واستأثروا بذهب الاستبداد وتنصلوا من أخطائه، ويواصلون اليوم الطعن فى المصريين وحقهم حتى فى التحية، والهجوم على الأزهر بشعبوية لا تليق بمثقف من المفترض أن يقرأ ويعرف قبل أن يتحدث، ويواصلون البحث عن أى دور للبقاء فى كادر اختبرهم لعقود ولم يجد لهم أثراً يبقى، وإلا لو كان لهم أى أثر يُرتجى لما دخلت البلاد والعباد فى دوامة العقود الأخيرة.

لا تكشف هذه الموجة من الهجوم الممنهج على الأزهر أكثر من كون التطرف عملة واحدة، والأزهر اليوم عدو المتطرفين من الجانبين، سواء أولئك المتشددين دينياً الذين يكفرونه ويخطئون منهجه، أو أولئك المتطرفين على الضفة الأخرى الذين يرون الأزهر ظلامًا وجمودًا، وهؤلاء وهؤلاء يخدم بعضهم بعضاً، لأنهم يعلمون تماماً أن خطاب كل منهما مرهون بوجود خطاب الآخر، لذا فكليهما حريص على وجود الآخر، لكن الأزهر ومنهجه المتنوع المتعدد الذى يجمع بين النقل والعقل ويتخذ طوال الوقت مساراً وسطاً بين نقيضين وينبذ الصراع، باقٍ ومستمر ومتفاعل ومتجدد من قبل هؤلاء وهؤلاء ومن بعدهم إن شاء الله.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
5.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg