| 19 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

المطران كيرلّس سليم بسترس.. يكتب: وثيقة الأخوّة الإنسانيّة

  • | السبت, 16 فبراير, 2019
المطران كيرلّس سليم بسترس.. يكتب: وثيقة الأخوّة الإنسانيّة

فى الرابع من هذا الشهر تمّ فى أبوظبى التوقيع على وثيقة مشترَكة بين شيخ الأزهر الشريف الإمام الدكتور أحمد الطيّب وقداسة البابا فرنسيس، بعنوان «وثيقة الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالميّ والعيش المشترَك». من ميّزات هذه الوثيقة أنّها تنطلق من الإيمان بالله كأساس للأخوّة الإنسانيّة. تقول الوثيقة فى المقدّمة: «يحملُ الإيمانُ المؤمنَ على أن يَرَى فى الآخَر أخاً له، عليه أن يُؤازرَه ويُحبَّه. وانطلاقاً من الإيمان بالله الذى خَلَقَ الناسَ جميعاً وخَلَقَ الكونَ والخلائقَ وساوَى بينَهم برحمتِه، فإنَّ المؤمنَ مَدعُوٌّ للتعبيرِ عن هذه الأُخوَّةِ الإنسانيَّةِ بالاعتناءِ بالخَلِيقةِ وبالكَوْنِ كُلِّه، وبتقديمِ العَوْنِ لكُلِّ إنسان، لا سيَّما الضُّعفاءِ منهم والأشخاصِ الأكثر حاجَةً وعَوَزاً».

هذه الدعوة إلى الأخوّة الإنسانيّة تُطلقها الوثيقة أوّلاً «باسمِ الله الَّذى خَلَقَ البَشَرَ جميعاً مُتَساوِين فى الحُقُوقِ والواجباتِ والكَرامة، ودَعاهُم للعَيْشِ كإخوةٍ فيما بَيْنَهم ليُعَمِّروا الأرضَ، ويَنشُروا فيها قِيَمَ الخَيْرِ والمَحَبَّةِ والسلام». «وباسمِ النفسِ البَشَريَّةِ الطَّاهِرةِ التى حَرَّمَ اللهُ إزهاقَها، وأخبَرَ أنَّه مَن جَنَى على نَفْسٍ واحدةٍ فكأنَّه جَنَى على البَشَريَّةِ جَمْعاء، ومَنْ أَحْيَا نَفْساً واحدةً فكَأنَّما أَحْيَا الناسَ جميعاً». ثمّ «باسمِ الفُقَراءِ والبُؤَساءِ والمَحرُومِينَ والمُهمَّشِينَ الَّذين أَمَرَ اللهُ بالإحسانِ إليهم ومَدِّ يَدِ العَوْنِ للتَّخفِيفِ عنهم». «وباسمِ الأيتامِ والأَرامِلِ، والمُهَجَّرينَ والنَّازِحِينَ من دِيارِهِم وأَوْطانِهم، وكُلِّ ضَحايا الحُرُوبِ والاضطِهادِ والظُّلْمِ». «وباسمِ الشُّعُوبِ التى فقَدَتِ الأَمْنَ والسَّلامَ والتَّعايُشَ، وحَلَّ بها الدَّمارُ والخَرَابُ والتَّناحُر». «وباسم الأُخُوَّةِ الإنسانيَّة‘ التى تَجمَعُ البَشَرَ جميعاً، وتُوحِّدُهم وتُسوِّى بينَهم». «وباسمِ الحُرِّيَّةِ التى وَهَبَها اللهُ لكُلِّ البَشَر» «وباسمِ العَدْلِ والرَّحمةِ، أساسِ المُلْكِ وجَوْهَرِ الصَّلاح». «وباسمِ كُلِّ الأشخاصِ ذَوِى الإرادةِ الصالحةِ، فى كلِّ بِقاعِ المَسكُونَةِ».

ويعلن موقّعا الوثيقة أنّهما يتكلّمان باسم كلّ المسلمين والكاثوليك فى العالم: «باسمِ اللهِ وباسمِ كُلِّ ما سَبَقَ، يُعلِنُ الأزهَرُ الشريفُ - ومِن حَوْلِه المُسلِمُونَ فى مَشارِقِ الأرضِ ومَغارِبِها - والكنيسةُ الكاثوليكيَّةُ - ومِن حولِها الكاثوليك من الشَّرقِ والغَرْبِ - تَبنِّى ثقافةِ الحوارِ دَرْباً، والتعاوُنِ المُشتركِ سبيلاً، والتعارُفِ المُتَبادَلِ نَهْجاً وطَرِيقاً». ويُضيفان: «إنَّنا نحن - المُؤمِنين باللهِ وبلِقائِه وبحِسابِه - ومن مُنطَلَقِ مَسؤُوليَّتِنا الدِّينيَّةِ والأدَبيَّةِ، وعَبْرَ هذه الوثيقةِ، نُطالِبُ أنفُسَنا وقادَةَ العالَمِ، وصُنَّاعَ السِّياساتِ الدَّولِيَّةِ والاقتصادِ العالَمِيِّ، بالعمَلِ جدِّياً على نَشْرِ ثقافةِ التَّسامُحِ والتعايُشِ والسَّلامِ، والتدخُّلِ فَوْراً لإيقافِ سَيْلِ الدِّماءِ البَرِيئةِ، ووَقْفِ ما يَشهَدُه العالَمُ حالياً من حُرُوبٍ وصِراعاتٍ وتَراجُعٍ مناخِيٍّ وانحِدارٍ ثقافيٍّ وأخلاقيّ». ويعلنان «أنَّ الأديانَ لم تَكُنْ أبَداً بَرِيداً للحُرُوبِ أو باعثةً لمَشاعِرِ الكَراهِيةِ والعداءِ والتعصُّبِ، أو مُثِيرةً للعُنْفِ وإراقةِ الدِّماءِ، فهذه المَآسِى حَصِيلَةُ الانحِرافِ عن التعاليمِ الدِّينِيَّة، ونتيجةُ استِغلالِ الأديانِ فى السِّياسَةِ، وكذا تأويلاتُ طائفةٍ من رِجالاتِ الدِّينِ - فى بعض مَراحِلِ التاريخِ - ممَّن وظَّف بعضُهم الشُّعُورَ الدِّينيَّ لدَفْعِ الناسِ للإتيانِ بما لا علاقةَ له بصَحِيحِ الدِّينِ، من أجلِ تَحقِيقِ أهدافٍ سياسيَّةٍ واقتصاديَّةٍ دُنيويَّةٍ ضَيِّقة؛ لذا فنحنُ نُطالِبُ الجميعَ بوَقْفِ استخدامِ الأديانِ فى تأجيجِ الكراهيةِ والعُنْفِ والتطرُّفِ والتعصُّبِ الأعمى، والكَفِّ عن استخدامِ اسمِ الله لتبريرِ أعمالِ القتلِ والتشريدِ والإرهابِ والبَطْش؛ لإيمانِنا المُشتَرَكِ بأنَّ الله لم يَخْلُقِ الناسَ ليُقَتَّلوا أو ليَتَقاتَلُوا أو يُعذَّبُوا أو يُضيَّقَ عليهم فى حَياتِهم ومَعاشِهم، وأنَّه - عَزَّ وجَلَّ - فى غِنًى عمَّن يُدَافِعُ عنه أو يُرْهِبُ الآخَرِين باسمِه».

ثمّ تعلن الوثيقة المبادئ التالية: «القناعةَ الراسخةَ بأنَّ التعاليمَ الصحيحةَ للأديانِ تَدعُو إلى التمسُّك بقِيَمِ السلام وإعلاءِ قِيَمِ التعارُّفِ المُتبادَلِ والأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ والعَيْشِ االمشترَك»، وبأنَّ الحريَّةَ حَقٌّ لكُلِّ إنسانٍ: اعتقاداً وفكراً وتعبيراً ومُمارَسةً، وأنَّ التَّعدُّدِيَّةَ والاختلافَ فى الدِّينِ واللَّوْنِ والجِنسِ والعِرْقِ واللُّغةِ حِكمةٌ لمَشِيئةٍ إلهيَّةٍ، قد خَلَقَ اللهُ البشَرَ عليها، وجعَلَها أصلاً ثابتاً تَتَفرَّعُ عنه حُقُوقُ حُريَّةِ الاعتقادِ، وحريَّةِ الاختلاف».

ثمّ تتوسّع الوثيقة فتتكلّم على «العدل القائم على الرحمة». وتدعو إلى «الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس». وترى «أنَّ الحوارَ بين المُؤمِنين يَعنِى التلاقيَ فى المساحةِ الهائلةِ للقِيَمِ الرُّوحيَّةِ والإنسانيَّةِ والاجتماعيَّةِ المُشترَكةِ، واستثمارَ ذلك فى نَشْرِ الأخلاقِ والفَضائلِ العُلْيَا التى تدعو إليها الأديانُ، وتَجنُّبَ الجَدَلِ العَقِيم». كما تدعو إلى «حماية دُورِ العبادةِ، من مَعابِدَ وكَنائِسَ ومَساجِد». وتدين «الإرهابَ البغيض»، «والتَّطرُّفَ بكُلِّ أشكالِه وصُوَرِه».

ثمّ تتكلّم على المواطنة، فتقول: «إنَّ مفهومَ المواطنةِ يقومُ على المُساواةِ فى الواجباتِ والحُقوقِ التى يَنعَمُ فى ظِلالِها الجميعُ بالعدل؛ لذا يَجِبُ العملُ على ترسيخِ مفهومِ المواطنةِ الكاملةِ فى مُجتَمَعاتِنا، والتخلِّى عن الاستخدام الإقصائيِّ لمصطلح ’الأقليَّات، الذى يَحمِلُ فى طيَّاتِه الإحساسَ بالعُزْلَةِ والدُّونيَّة، ويُمهِّدُ لِبُذُورِ الفِتَنِ والشِّقاق، ويُصادِرُ على استحقاقاتِ وحُقُوقِ بعض المُواطِنين الدِّينيَّةِ والمَدَنيَّة، ويُؤدِّى إلى مُمارسةِ التمييز ضِدَّهُم». ثم تتكلّم على ضرورة العلاقة بينَ الشَّرْقِ والغَرْب، وعلى الاعتراف بحقوق المرأة والأطفال والمُسنِّين والضُّعفَاءِ وذَوِى الاحتياجاتِ الخاصَّةِ والمُستَضعَفِين.

إنّ هذه المبادئ السامية والنيات الحسنة تبقى حبراً على ورق إنْ لم تصرْ جزءا من دساتير الدول وقوانينها. لذلك يتعهّد موقّعا الوثيقة إيصالِ هذه الوثيقةِ إلى صُنَّاعِ القرارِ العالميّ، والقياداتِ المؤثِّرةِ ورجالِ الدِّين فى العالم، والمُنظَّماتِ الإقليميَّةِ والدوليَّةِ المَعنِيَّة، ومُنظَّماتِ المُجتَمَعِ المدنيّ، والمؤسَّساتِ الدينيَّة وقادَةِ الفِكْرِ والرَّأى، والسعى لنشرِ ما جاءَ بها من مَبادِئَ على جميع المُستوياتِ الإقليميَّةِ والدوليَّة»، والدعوة «إلى تَرجمتِها إلى سِياساتٍ وقَراراتٍ ونُصوصٍ تشريعيَّة، ومَناهجَ تعليميَّةٍ ومَوادَّ إعلاميَّة». كما يطالبان «بأن تُصبِحَ هذه الوثيقةُ مَوضِعَ بحثٍ وتأمُّلٍ فى جميعِ المَدارسِ والجامعاتِ والمَعاهدِ التعليميَّةِ والتربويَّة؛ لتُساعِدَ على خَلْقِ أجيالٍ جديدةٍ تحملُ الخَيْرَ والسَّلام، وتُدافِعُ عن حقِّ المَقهُورِين والمَظلُومِين والبُؤَساءِ فى كُلِّ مكان».

ويعلنان فى الختام: «لتكن هذه الوثيقةُ دعوةً للمُصالَحة والتَّآخِى بين جميعِ المُؤمِنين بالأديانِ، بل بين المُؤمِنين وغيرِ المُؤمِنين، وكلِّ الأشخاصِ ذَوِى الإرادةِ الصالحة؛ لتَكُنْ وثيقتُنا نِداءً لكلِّ ضَمِيرٍ حيٍّ يَنبذُ العُنْفَ البَغِيضَ والتطرُّفَ الأعمى، ولِكُلِّ مُحِبٍّ لمَبادئِ التسامُحِ والإخاءِ التى تدعو لها الأديانُ وتُشجِّعُ عليها؛ لتكن وثيقتُنا شهادةً لعَظَمةِ الإيمانِ باللهِ الذى يُوحِّدُ القُلوبَ المُتفرِّقةَ ويَسمُو بالإنسان؛ لتكن رمزاً للعِناقِ بين الشَّرْقِ والغَرْبِ، والشمالِ والجنوبِ، وبين كُلِّ مَن يُؤمِنُ بأنَّ الله خَلَقَنا لنَتعارَفَ ونَتعاوَنَ ونَتَعايَشَ كإخوةٍ مُتَحابِّين».

إنّ ما نشهده فى هذا العصر من انفتاح الأديان بعضها على بعض يبشّر بمستقبل سلام بين البشر. إذ إنّه لا سلام فى العالم إنْ لم يتحقّق السلام أوّلاً بين الأديان.

نقلاً عن النهار اللبنانية

طباعة
كلمات دالة: قمة الإنسانية
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg