د. أحمد معبد: نصر الله لا يشبه نصراً بشرياً والاستعانة به سبيل الفلاح
د. سلامة داود: الإنسان خليفة الله فى الأرض والتواضع جوهر العبادة
د. أحمد همام: الأخذ بالأسباب دون اعتماد على الله شرك
أقام الجامع الأزهر عدداً من الفعاليات الدعوية والعلمية داخل أروقة الجامع الأزهر، وذلك فى إطار خطته الدعوية خلال شهر رمضان المبارك، وفق توجيهات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ومتابعة الدكتور محمد الضوينى، وكيل الأزهر، ومن بين الفعاليات درس التراويح الذى يحاضر فيه كوكبة من كبار علماء وقيادات الأزهر الشريف، والذى يعقد أثناء صلاة التراويح.. وفى السطور المقبلة نرصد أبرز ما جاء فى هذه الدروس على مدار الأسبوع المنقضى..
فى البداية، قال الدكتور محمد الضوينى، وكيل الأزهر الشريف، إن الله قد شرع الصيام تهذيباً للنفوس وتربية للسلوك، ليس فقط فى علاقة المؤمن بالله تعالى فحسب، ولكن أيضاً فى علاقة المؤمن بأخيه المؤمن، بأنه قد أقبل على شهر رمضان فى شحذ للهمم للصيام والقيام والتقرب إلى الله تعالى، ممتثلاً لله تعالى تاركاً ما كان مباحاً له، منتهياً إلى حدود الله فى وقت الصيام، موضحاً أن فى الصيام تدريباً للنفس للوقوف على حدود الله تعالى، بما ينعكس على تهذيب سلوك المسلم فى تفسير لما جاء بعد آيات الصيام، حيث انتقل تعالى بعد بيان أحكام الصيام إلى بيان أحكام جانب مهم من معاملة الإنسان لأخيه الإنسان، وأن السعادة لا تكتمل له إلا إذا أطاب مطعمه وامتنع عن شهادة الزور وأكل أموال الناس بالباطل فى قوله تعالى: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ»؛ فالمسلم قد كف عن الطعام والله تعالى يراقبه، امتثالاً وطاعة لله تعالى.
وأضاف «الضوينى» أن الصيام يهذب سلوك المسلم، فلا يأكل أموال الناس بالباطل، ويبتعد عن الغش وغيره من الأساليب التى فيها احتيال من الإنسان على أخيه الإنسان، فهو يعلم المسلم الأمانة فى التعامل مع غيره، مثلما توضح لنا الآية الكريمة، التى تنهى كذلك عن أكل الحرام، فى جميع المعاملات، ومنها البيع والتجارة وغيرها؛ فحرم التلاعب بأسعار السلع واحتكارها، وعلى المسلم أن يعلم أن كل تدليس واستغلال لحاجة الناس محرم شرعاً، وعليه تحرى مطعمه ومشربه وملبسه، فلا احتكار ولا غش ولا تدليس ولا تلاعب بالأسعار ولا تلاعب بالأسواق، لأن هذا يهدر علاقة المسلم بالله تعالى، مضيفاً أن الصيام مدرسة تعلمنا فيها التواد، وتعلمنا فيها التواصل، وتعلمنا فيها الوقوف على حدود الله تعالى، ألا فانتهوا إلى حدود الله تعالى حتى تستقيم لكم الحياة، فتفوزون برضا الله فى الدنيا، وتفوزون برضاه تعالى ومغفرته فى الآخرة.
غزوة بدر الكبرى
من جهته، أكد الدكتور أحمد معبد عبدالكريم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين، خلال درس التراويح الذى جاء تحت عنوان: «الدروس المستفادة من غزوة بدر»، أولى الغزوات التى خاضها المسلمون، أن نصر الله ليس له شبيه ولا ينافسه نصر بشرى، لأنه نصر فى الدنيا ونصر فى الآخرة، قال تعالى «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ»، لافتاً إلى أن لهذا النصر ثلاثة دروس' الأول أن النصر من الله وحده، والدرس الثانى أنه جاء والمسلمون قلة ولم يمنع نصر الله لهم كونهم قلة، بل الله ينصر من يشاء أياً كان حالهم وضعفهم، فقال تعالى «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»، أما الدرس الثالث فيتمثل فى فضل الاستعانة بالله وأن من يستعين بالله فإن الله ناصره لا محالة ولا راد لنصره.
خلق التواضع
وقال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن الله تعالى خلق الإنسان رئيس نفسه بحكم استخلافه فى الأرض، لا يقبل أن يتكبر عليه أحد، لأنه خليفة الله فى أرضه، فهو سبحانه وتعالى حين استخلفنا فى الأرض جعل كلاً منا سيد نفسه، ولذلك يكره الإنسان الكبرياء أو التكبر، حتى ولو كنت ما تقوله له حقاً فهو يكرهه، إن كان الكلام له موجهاً بطريقة فيها استعلاء وتكبر، ومن ذلك أن أحد الشيوخ كان يقول لطالب نبيه عنده، دائماً ينطق كلامه بالصواب ولكن بطريقة فيها نبرة استعلاء على زملائه، فقال له: «ما كرهت صواباً أسمعه إلا منك»، موضحاً أن التواضع له قيمة كبيرة فى الإسلام، فالمتواضع نافع لنفسه ولغيره ولمجتمعه، ودليل هذه القيمة الكبيرة قول السيدة عائشة، رضى الله عنها: «أيها الناس إنكم لتغفلون، العبادة التواضع»، وكان سيدنا عبدالله بن المبارك، رضى الله عنه، يقول: «التواضع أن تضع نفسك دون من هو أقل منك فى النعمة حتى لا يرى لك عليه فضلاً»، أى لا تتفضل عليه بنعمة الثراء التى رزقها الله لك، وأن ترفع نفسك فوق من هو أعلى منك فى نعمة الحياة، حتى لا يرى له فضلاً عليك، فهذه هى سمة التواضع وسمة المتواضعين، وقد أمر القرآن الكريم نبينا، صلى الله عليه وسلم، بالتواضع فقال: «واخفِضْ جناحك للمؤمنين»، بمعنى اللين والرفق وأن يكون هيناً ليناً رحيماً بهم، وقوله تعالى: «ولا تصعر خدك للناس ولا تمش فى الأرض مرحاً»، وقوله تعالى: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً»، أى بلين ورفق وتواضع.
التوكل على الله
وقال الدكتور أحمد همام، مدير عام هيئة كبار العلماء، إن التوكل على الله والأخذ بالأسباب مساران وليس مساراً واحداً، ولا بد أن نأخذ بكليهما، مع الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية، فتوكل فقط دون أخذ بالأسباب يعد تواكلاً، وهو مرفوض فى الإسلام، والأخذ بالأسباب دون الاعتماد على الله والتوكل عليه شرك بالله تعالى، مضيفاً أنه لا بد أن يكون هناك يقين قلبى بأن الله تعالى هو القادر على كل شىء، يعطى بالسبب ويمنح بالسبب ويمنع بالسبب، ومن ذلك ما جاء فى القرآن الكريم، أن السيدة مريم، ورغم حالتها الصحية، قد أخذت بالأسباب، فرغم ما عانته من مخاض وغيره من مصاعب، إلا أن الله أمرها بالأخذ بالأسباب، فتلك المرأة الضعيفة كيف تهز النخلة، لكن كان عليها أن تطيع الله فيما أمرها به، وأن تتوكل عليه وتأخذ بالأسباب ليتحقق لها ما تريد، مشيراً إلى أن تاريخنا الإسلامى حافل بالنماذج، ففى معركة العاشر من رمضان، على سبيل المثال، تحقق النصر لقواتنا المسلحة بعد التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، فقد صاح جنودنا: «الله أكبر.. الله أكبر»، ثم أخذ الجيش بالأسباب من تدريب شاق، ومن تجنيد فئة من الشباب المتعلمين من أبناء مصر، يأخذون بالأسباب العلمية وبأسباب الحرب الحديثة، وقد قدم لنا نبينا، صلى الله عليه وسلم، الدليل العملى فى قوله: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً»، فهذه الطير تتوكل على الله، ولا تنتظر فى عشها الرزق، بل تأخذ بالأسباب.
أحمد نبيوة