| 17 مايو 2024 م

متابعات

د. عبد الوهاب برانية: ضياع اللغة العربية يؤدى لانحلال فكرى وقومى

  • | الأحد, 31 يناير, 2016
د. عبد الوهاب برانية: ضياع اللغة العربية يؤدى لانحلال فكرى وقومى
الروائي لا يتناول الأحداث كما يتناولها المؤرخ
ـ لهذه الأسباب .. لم يجذب شعر العقاد شريحة من القراء

قال الدكتور عبد الوهاب برانية الأستاذ المساعد بقسم الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بإيتاى البارود: إن حال اللغة العربية فى حياتنا المعاصرة أصبح يرثى له، رغم غناها بمدلولاتها وكلماتها ومرادفاتها فقد هجرها أهلها إلى لغات لقيطة ليس لها أصل ولا أساس كالـ "آراب فرانكو" وغيرها من اللغات المستحدثة، فى الوقت الذى نرى الكيان الصهيونى اللقيط يعمل على إحياء لغته العبرية وجعلها لغة خطابه السياسى فى المحافل الدولية رغم أنها لغة مندثرة.. "صوت الأزهر" حاورته حول هموم وشجون اللغة العربية وحال الأدب بشعره ونثره وأعلامه..

أصبحنا الآن نرى جيلا فاقدا للحس اللغوى وتذوق جمال اللغة العربية. فما تفسيرك لهذه الظاهرة؟
الواقع أن حال اللغة العربية فى حياتنا المعاصرة ليس على ما يرام، سواء على المستوى التعليمى فى المدارس والجامعات، أو على مستوى المجتمع ككل بأفراده ومؤسساته بما فيه الدور الأسري، وهو أمر له خطورته، حيث يؤدى هذا الانحلال اللغوى – عفوا على التعبير – إلى انحلال ثقافى وفكرى وقومي، ففى الوقت الذى لا تلقى اللغة العربية الاهتمام الكافى لدى الناطقين بها من أهلها، نجد عدو العرب اللدود الكيان الإسرائيلى الصهيونى يعمل على إحياء لغته العبرية قبل أن يضع يده على فلسطين كاملة، ثم يجعلها بعد ذلك لغة العلم فى المدارس والجامعات ولغة خطابه السياسى فى المحافل الدولية رغم أنها لغة كانت مندثرة، أما نحن فحال لغتنا فى المدارس والجامعات يرثى له، حيث إنه لا ينمى الحس اللغوى لدى المتلقى فى مراحل التعليم المختلفة، بل تنهض العملية التعليمية على التلقين والحفظ والترديد، وليس على تنمية الحس اللغوى والتذوق الجمالى للنص، وهذا المنهج يجعل المتلقى بمنأى عن مواكبة جماليات اللغة، ويدفعه دفعا نحو التحصيل من أجل الامتحان، فإذا فرع منه لم يعد لديه الحس والذائقة فضلا عن الدافع القوى لتذوق نص لغوى فيما بعد، ورغم أن التكنولوجيا الحديثة متاحة ومسخرة له فإنه لم يستخدمها الاستخدام الأمثل، بل نجده يضيع جل وقته – فى غيبة من الأهل - فى المحادثات والمشاركات على المواقع والفيس بما لا يخدم لغته العربية وينمى ذائقته اللغوية، وأذكر أنى فى وقتٍ ما كنت أستخدم هذه الوسيلة من وسائل الاتصال من أجل التصحيح اللغوى لكثير من الأصدقاء وإفادتهم بطريقة مباشرة فى تنمية مهاراتهم اللغوية التى توارت مع ركام الغفلة والنسيان، ذلك حال اللغة العربية لدى كثير من أبنائها فلنستفق من الغفلة قبل أن يتسع الخرق على الراقع.

كان الأدب الحديث، خاصة الرواية هي المرآة التى تعكس ما يدور فى المجتمع خاصة فى أعقاب الثورات، فما لنا لا نرى ذلك الان؟
عندما تقوم الثورات تكون كالموج الهادر أو كالإعصار الغاضب، وفى خضم هذا الفوران والغليان لا يمكن لمؤرخ أو لقاص أن يعبر عن تلك الموجة الغاضبة فى حينها، بل ينتظر الأحداث حتى تهدأ وتستبين ملامح التجربة، ويلم بخيوطها كاملة من حيث البواعث والدوافع والأهداف، ثم يقوم بتسجيلها كما رصدتها عدسته من خلال أبطالها ورموزها والأثر الذى تركته فى المجتمع بدقة وعناية، وهذا أمر طبيعي، فالروائى يقوم بدور المؤرخ تجاه الثورات المختلفة فى كل العصور غير أنه لا يتناول الأحداث كما يتناولها المؤرخ، وإن نسج خيوط روايته على خلفية تاريخية إلا أنه يضفى عليها من خياله وجمال أسلوبه وما يستخدمه من تقنيات فنية ومهارة إبداعية تجعل لعمله الفنى مذاقا خاصا، فهو لا يُعْنَى بالحدث التاريخى لذاته وإنما للأثر الذى تركه فى مجتمعه، لذا فهو يتمهل أيما تمهل فى التسجيل وإن كان ذلك لا يمنعه من الرصد والمتابعة للحدث بكل زخمه، حتى إذا استوت التجربة لديه واكتملت الرؤية بادر إلى تسجيلها من خلال عمل فنى ذى تقنية خاصة.. ولا يعنى هذا إهمال دور الشعر في التعبير عن همم المجتمع وأحداثه فلو رزقنا شاعرا قويا فإنه يعبر عما يمور به المجتمع بشعره كما تفعل الرواية وأحيانا اكثر، وهناك نماذج كثيرة لذلك كشوقى وحافظ والعقاد وغيرهم.
على ذكر العقاد فإنه على الرغم من الكم الهائل من شعره فإنه لم يعرف شاعرا. لماذا؟
الأستاذ عباس محمود العقاد كاتب متميز، ومفكر ثاقب الفكر، وناقد متفرد، وهو إلى جوار ذلك كله... شاعر فذ على خلاف ما يستقر فى أذهان الكثيرين من أن شعره أقل من مستوى شعر نظرائه ممن عايشهم وعايشوه وعاصرهم وعاصروه، فشعر العقاد لا يقل أبدا عن شعر غيره، بل إن بعض تجاربه الشعرية تفوق تجارب غيره مثل قصيدة (نفثة) التى يقول فيها:
ظمآن ظمآن لا صوب الغمام ولا
عذب المُدام ولا الأنداء تروينـي
حيران حيران لا نجم السماء ولا
معالم الأرض فى الغماء تهدينى
يقظان يقظان لا طيب الرقاد يدا
نينى ولا سمــــــر السُّمــــار يلــهينى
غصان غصان لا الأوجاع تُبلينى
ولا الكوارث والأشجـان تُبكينى
شعرى دموعى وما بالشعر من عوض
عن الدموع نفاها جفن محزون
وربما أُلصقت تلك الشبهة بشعر العقاد من جهة أنه شاعر عاصر جيلا من مشاهير الشعراء، ذاع صيتهم وحظوا بحب منقطع النظير وشهرة لم يحظ بها سواهم من أمثال شوقى وحافظ وشكرى، فشهرة هؤلاء الشعرية فاقت شهرة العقاد لكن قامته فى الشعر سامقة إلى أبعد مدى، وربما كان شعر العقاد بما فيه من عمق الفكرة وغلبة العقل وجنوح إلى التفلسف، لم يجذب إليه شريحة كبيرة ومهمة من القراء ممن تروقهم الفكرة الواضحة، وتستهويهم القصائد التى تمس أوتار حياتهم وشواغل عيشهم، حتى ديوانه (عابر سبيل) الذى عرج فيه على شيئ من هذه الشواغل اليومية للناس البسطاء لم يسلم من طغيان وهيمنة العقل والفكر، لكن ذلك كله لا ينتقص من شاعرية العقاد وعطائه الذى بلغ عشرة دواوين أو جاوزها كلها تشهد بعبقريته الشعرية، وكم عقدت ندوات ونوقشت رسائل علمية وقدمت دراسات حول شعره شكلا ومضمونا، ولولا أن شعره جدير بهذا الاهتمام ما استحق هذا الالتفاف حوله.
لطفى عطية

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg