د. العواري: الاعتداء على حدود الدول نقض للعهد وخيانة للوعد
الإسلام لم يفرض نظاما محددا للحكم ولا لقبا معينا للحاكم
دعوة داعش لإقامة (الخلافة) ترتب عليها آثار سلبية
أحمد نبيوة
أكد الدكتور عبد الفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، أن ما يمرّ به العالم بصفة عامة، والأمة الإسلامية بصفة خاصة فى الآونة الأخيرة من ارتباك فى المشهد، وأزمات سياسية طاحنة، وصراعات أمنية مُفْزعة، ومعارك فكرية اصطلى بنيرانها الشرق الإسلامي، مما نتج عنه ممارسات خطيرة وظواهر محزنة كالتكفير، والإرهاب، والعنف، والإلحاد وغير ذلك مما كان سبباً أصيلاً، وركناً ركيناً فى تهديد السلم العالمي، وضرب استقرار كثير من المجتمعات الإنسانية فى مقتل، حتى أصبح العالم كله – إن لم تتداركه رحمة الله – مهدداً بالدخول فى دوامة الفوضى المدمّرة، والعنف الذى لا يبقى ولا يذر.
وأضاف عميد أصول الدين - خلال ورقة عمل له فى مؤتمر مكتبة الاسكندرية بالاشتراك مع الرابطةالمحمدية بمدينة الرباط بالمملكة المغربية تحت عنوان (نقض الافكارالمغلوطة عندالجماعات المتطرفة - مقاربات وتجارب)احتفالا بالمولد النبوى الشريف، بحضوروزير الثقافة المغربى والسفيرالمصرى الدكتور ايهاب جمال الدين والدكتور عبد العزيز التويجرى مديرعام اليونسكو والدكتور اسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية ولفيف من العلماء والمفكرين والباحثين ورجال الاعلام والصحفيين - أنه انطلاقاً من كون الأزهر الشريف قلب الأمة النابض، وكعبة العلم فيها، ذا الرحم الموصولة بأعرق المدارس العلمية فى الأمة – القرويين فى المغرب، والزيتونة فى تونس –فإن له اليد الطولى والخبرة الواسعة - بحكم تخصصه الشرعى الأصيل ووسطية منهجه- فى مواجهة الأفكار المنحرفة، والمفاهيم الخاطئة حول كثير من تلك القضايا التى تشبثت بأطرافها وتمسكت بها جماعات العنف والإرهاب المدمر.
مفهوم الخلافة
وقال الدكتور العواري: إن مفهوم الخلافة من المفاهيم التى كثر حولها لغط هذه الجماعات فرأيت من الواجب أن أجلى وجه الحق فيها، وما أدى إلى ظهور بعض الجماعات المتشددة التى ظهرت على الساحة الآن مثل: (داعش) وأخواتها كطالبان، وبوكو حرام وغيرها تدعو إلى هجر المجتمعات الإسلامية، واعتزالها، ويحكمون عليها بالكفر؛ لأنهم مقيمون فى بلاد كافرة، ويرون وجوب الهجرة منها، وينادون بتكوين دولة الخلافة، وينصِّبون واحداً منهم أميراً عليهم – كما صنعت داعش فى بلاد العراق والشام – ويأخذون له البيعة، ويحاربون من أجل تحقيق غرضهم، فيهلكون الحرث والنسل، ويقتلون الأطفال والنساء والشيوخ بل ويقتلون الحيوانات والطيور، ويهدمون البيوت، والمدارس، ودور العبادة، كالمساجد والكنائس وغيرها، بل وصل بهم الإجرام إلى هدم أضرحة الصالحين، والاعتداء الغاشم على آثار الأمم الماضية التى تمثل للبشرية جمعاء قيمة عالية وثروة نفيسة لأنها تحكى لنا تاريخ أمم سبقتنا عمرت الأرض، وارتقت بهم الحياة.
وشدد على أن مما ينبغى التأكيد عليه أنه قد كان للمسلمين فى العصور الأولى للإسلام إمام واحد أو خليفة واحد أيام كانت دولة الإسلام دولة واحدة، ودولة الروم دولة واحدة، ودولة الفرس دولة واحدة، ولكن هذا النظام السياسى قد تغير وتبدل، وأصبح العالم فى عصرنا دولاً وأقطاراً، لكل منها حدود جغرافية واضحة المعالم لا تستطيع دولة من الدول أن تتخطاها، وإلا حدثت حروب، ومواجهات مسلحة يتولى أمرها، وشرحها القوانين الدولية لدول العالم كله .
وأوضح أن حدود البلاد الموجودة الآن على خارطة الكوكب الأرضى قد تم ترسيمها، وفقاً لاتفاقيات دولية تُلِزم الدول جميعها بأن تحترم كلّ دولة حدود الدولة الأخرى، ولا تعتدى عليها، وقد مرّ على هذا الترسيم زمان استقرت فيه الأوضاع القانونية وأصبحت تمثّل مراكز حقوقية قائمة، فإذا قامت دولة أو جماعة أو تنظيم بالاعتداء عليها، واغتصبت مساحة من أرضها، فإن ذلك الاستيلاء يعد اعتداءً سافراً على حدود تلك الدولة، وهو يمثل نقضاً للعهد، وخيانة للوعد .
دولة ملتزمة
وتابع ممثل الأزهر بالرباط، قائلا: "وبناءً على هذا فإنه لا يوجد فى الإسلام ما يوجب نظاماً معيناً، وإنما الواجب هو أن تكون هناك دولة ملتزمة ذات هيئات ومؤسسات يحكمها دستور عام ويمثلها رئيس أيّاً ما كان لقبه : خليفة أو إماماً أو أميراً أو رئيساً للدولة أو رئيساً للجمهورية أو أى لقب آخر يفيد هذا المعنى، فلا مشاحة فى الاصطلاح، فإذا وجدت الدولة المتحدة الولايات التى يقوم فيها نظامها السياسى على حفظ الدين، والاختيار الحر للحاكم، وحرية الرأي، والشورى، والعدل، ومسؤولية رئيس الدولة فهذا يحقق المراد من فكرة الخلافةمهما كانت التسمية التى تطلق عليها، مؤكدا أن غاية ما هنالك أن تكون هناك روابط تربط تلك الدولة بأخواتها من الدول اقتصادية وسياسية وقانونية تقوم على أسس واقعية ورؤية مستقبلية على أن تجتمع فيما بينها تحت مظلة دولية واحدة تحكم فيما بينها عند النزاع، وتنظم علاقات أطرافها وقت السلم، ويكون ذلك الالتزام هو المصدر الرئيس لتنظيم علاقات تلك الدول.
واستطردالعوارى فى كلمته إلى أنَّ الدعوة التى أطلقتها داعش حول إقامة الخلافة فى العراق والشام ترتب عليها آثار سلبية، فهناك نداءات تظهر فى وسائل التواصل الاجتماعى من (فيس بوك – وتويتر - ويوتيوب) ونحوها تدعو الشباب إلى الهجرة من مجتمعاتهم، وأوطانهم، وتدّعى أن المجتمعات الإسلامية الآن مجتمعات جاهلية وكافرة، ومعوجّة السلوك إلى الحد الذى يخشى المسلم فيه على دينه وخلقه ومن هذا المنطلق يرى المضللون من الدواعش وغيرهم أن الهجرة من المجتمعات الإسلامية واجبة كوجوب الهجرة من مكة قبل الفتح الذى صارت به دار إسلام . والعجيب أنهم يستدلون على هجر المجتمعات بالآيات الواردة فى الهجرة زمن النبى صلى الله عليه وسلمفى بداية الإسلام حين كان المؤمنون قلة والكفار كثرة، وكان من المفروض آنذاك أن تهاجر بضعفها من بلاد الكفار المتسلطين عليهم بالإيذاء والتجويع، والترهيب إلى بلاد آمنة تؤويهم، وتحترم دينهم الجديد وما يأمر به من شعائر وشرائع".
وأضاف قائلا: "اليوم يحاول هؤلاء الخارجون على شريعة الإسلام أن يطبقوا الآيات التى وردت فى هجرة المسلمين الأوائل – الذين كانوا يعيشون فى مجتمعات كافرة تحتقرهم وتذلهم – على المواطنين اليوم فى مجتمعاتهم المسلمة التى تحترمهم، وتحترم الإسلام شعائر وأحكاماً، ويكفى أن دساتير هذه المجتمعات اليوم تنص أول ما تنص على أن الإسلام هو دين الدولة، وأن الشريعة الإسلامية هى مصدر التشريع لأحكامها وقوانينها".
وأكد أنه رغم كل هذه الظروف الهائلة بين ظروف هجرة المسلمين الأوائل، وبين استقرار المجتمعات الآن، وانعدام هذه الظروف إلا أن هؤلاء الضالين يستدلون على دعواهم الفاسدة، ومقولاتهم الباطلة فى الدعوة إلى هجرة الشباب المسلم من بلاده، بل يصورّون لهم أن هذه الهجرة متى تمت فهى صريح الإيمان وتمامه وكماله، ويذمون المقصرّين فيها.
حمل السلاح
وأردف قائلا: "إن من الآثار الخاطئة المترتبة على فهمهم الخاطئ للخلافة هو اهتمام هذه الجماعة بأمر حمل السلاح، وزعمهم أنه الوسيلة الوحيدة للجهاد من أجل نشر دعوة الإسلام والحق أن هذه الجماعة شغلوا أنفسهم بسلاح واهن ضعيف عن أسلحة هى فى غاية القوة والخطورة، حاربنا بها العدو، ونحن عنها غافلون، وأما مستندهم فيما ذهبوا إليه ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلمقال لأهل مكة قبل الهجرة: " والذى نفس محمدٍ بيده لقد جئتكم بالذبح"، فهو حديث واهٍ ضعيف يرده العقل والنقل، أما الأول: فلأن الرسول كيف يصرّح بذلك فى بدء الدعوة، وهو منفر منها لا مرغب فيها، وكيف يقوله وهو فى حالة ضعفٍ لا يستطيع حماية نفسه فضلاً عن حماية أتباعه القلة ؟ ولماذا تركه قريش وهم يعلمون ما جاء به ليحقق ما يريد ولم يتغدوا به قبل أن يتعشى بهم كما يقولون؟، أما الثانى: فلمنافاته لآية: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) وحديث : (إنما أنا رحمة) وما يماثله من نصوص وأحداث تدل على رقة قلبه وعظيم رحمته ولو كان النبى متعطشاً للدماء، وبخاصة من قريش ما عفا عنهم وهو قادر عليهم غير منازع عند فتح مكة، بل منّ عليهم تفضلاً منه ورحمة".
ونوه ممثل الأزهر قائلا: "لعل الذين ينادون بالجهاد عن طريق حمل السلاح يقصدون الجهاد لتغيير الوضع الحالى للمجتمعات الإسلامية، نقول لهم: إن وسيلة الإصلاح لن تؤمن عاقبتها إذا كانت قائمة على العنف، فإن للقوة إعدادها وتخطيطها الكبير الجبار وكذلك لدراسة كل الظروف القائمة أهميتها فى القيام بمثل هذه الحركة، ولا يجوز أن يفهم من هذا الكلام أننا نهون من شأن الجهاد بمعناه العام فإنه ماض إلى يوم القيامة فى ميادينه الواسعة، وبأساليبه المتعددة لقوله: (والجهاد ماض مذ بعثنى الله إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل) فهو يدل بعمومه وشموله على بقاء الجهاد فى الميادين السلمية التى لا يحمل فيها سلاح، وذلك مستمر إلى يوم القيامة حيث لا ينتهى الأمر بأداء العبادات، والكفاح ضد كل ما يضعف الفرد والمجتمع مادياً ومعنوياً".
وأوضح قائلا: "إن من الآثار المترتبة على المفهوم الخاطئ للخلافة عند "داعش" ومثيلاتها: تقسيمهم العالم إلى دار إسلام ودار كفر، وهذا خطر عظيم، والناظر فى هذا التقسيم يجده قائماً فى القديم لدى الفقهاء على الاجتهاد المحض من واقع الأمر فى زمانهم، وليس هناك نص من قرآن أو سنة فيه، والمحققون من العلماء قالوا : إن مدار الحكم على بلد بأنه بلد إسلام أو بلد كفر هو الأمن على الدين حتى لو عاش المسلم فى بلد ليس له دين أو دينه غير الإسلام ومارس شعائر دينه بحرية فهو فى دار إسلام، بمعنى أنه لا تجب عليه الهجرة منها .
حسن استقبال
وعلى هامش المؤتمر أشاد ممثل شيخ الأزهر فى مؤتمر المغرب بحسن الاستقبال لعلماء الأزهر وممثلى الإمام الأكبر، حيث كان فى استقبال الوفد الأزهري فى المطار الدكتور ايهاب جمال الدين سفير مصر بالمغرب، والملحق الثقافى والدكتور احمد العبادى رئيس الرابطة المحمدية لعلماءالمغرب وكانت الحفاوة بالغة والفرحة شديدة وقد اقامالسفير حفل عشاء لوفد الأزهر فى بيته حضره وزيرالثقافة المغربى والدكتور عبد العزيز التويجرى مديرعام منظمة اليونسكو والقنصل العام ولفيف من السفراء والادباءوالمفكرين.
وأكد أن الحاضرين أشادوا جميعا بدور الأزهر ومايبذله فضيلة الإمام الأكبر فى خدمة الاسلام والمسلمين ومايقدمه للانسانية عامة، مشيرا إلى ما قاله السفير المصري، اننا والمغرب ملكا وحكومة وشعبا نتطلع لزيارة مولانا الامام وتشريفه لنا بالمغرب الشقيق.. ومن جانبنا نقلت للحاضرين تحيات فصيلة الامام الاكبرومدى حرصه على التواصل مع الدول العربية الشقيقة ولن يبخل الأزهرفى تقديم اى دعم علمى اوفكرى او دعوى وكل مايوطد العلاقات الاخوية وروابط المحبة والقرابة التى تربطبين البلدين الشقيقين.