| 05 مايو 2025 م

متابعات

رسائل الإمام

  • | السبت, 17 يونيو, 2017
رسائل الإمام

فى ظهوره التليفزيونى خلال شهر رمضان وجه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر عدداً من الرسائل عبر برامجه المذاعة على الفضائية المصرية وقنوات سى بى سى وصدى البلد وأبو ظبى..

* يجوز شرعاً للفتاة أن تخطب لنفسها وللأب أن يخطب لابنته حين يشعر أن هناك شابًّا مناسباً لابنته، رغم أن ذلك مخالف لما جرت به العادة، وقد حدث ذلك بالفعل فى عهد النبى -صلى الله عليه وسلم- قَالَ أَنَسٌ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَكَ بِى حَاجَةٌ؟ فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَا سَوْءَتَاهْ وَا سَوْءَتَاهْ، قَالَ: «هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا»، فابنة أنسٍ كانت متأثرة بالعادات والتقاليد لكنه أراد أن يصحح لها هذه العادات والتقاليد بالشريعة الإسلامية، وقد استنبط الفقهاء من هذا الحديث جواز أن تعرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، وهنا يأتى معيار التدين والخلق.

* وحدث كذلك حِينَ تَأَيَّمَتْ (صَارَتْ أَيِّماً وَهِيَ الَّتِى يَمُوتُ زَوْجُهَا) حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ زوجِها خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ، فعرضها عُمَرُ على عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فاعتذر، ثم عَرضَها على أبى بَكْرٍ الصِّديق فَصَمَتَ أيَّاما فَلَمْ يُجِبْ بنعم أو لا، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى قصة معروفة، وقد عرض ذلك الإمام البخارى فى صحيحه تحت عنوانين: الأول باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، والثانى بَاب عَرْضِ الإِنْسَانِ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ»، وعندنا عناوين أبواب صحيح الإمام البخارى أحكام تشريعية.

 *هناك مواصفات فى الرجل الذى يجعل المرأة تعرض نفسها عليه، وهو أن يكون الرجل صالحاً ذا خلقٍ يعرف لها حقوقها ويصونها ويحميها وتسعد معه، ومن هنا يجوز لهذه المرأة أن تكسر قاعدة العادات والتقاليد، لكن لا يجوز أن تعرض نفسها عليه لكونه كثير المال أو خفيف الظل أو وسيماً؛ لأن عنوان الباب فى البخارى: «باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح» وليس الجميل أو كثير المال أو غير ذلك، وغالباً بدأ يحصل هذا النوع من ناحية التعارف بين الشاب والفتاة إلى أن ينتهى بالزواج، لكن ينبغى أن يتم ذلك فى إطار الشريعة الإسلامية.

* الحضارة الغربية تزن هذه الأمور بميزان المنفعة المادية، وقد بدأ البعض يتأثر بهذه الحضارة ويزن الأمور بميزان المنفعة والمصلحة، منوِّهاً إلى أن مشكلة الزواج لها حلٌّ وهو أن تُهَيَّأ للشباب شقق صغيرة تتكون من حجرة وصالة ومطبخ وحمام، ويجب ألا تستثمر الأموال فى ذلك، وألا يُغالَى فى المهر، فالنبى صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً امرأة بخاتم من حديد، مشيراً إلى أن الزواج فى هذه الأيام صعب جدًّا، ولذلك يجب على الأثرياء أن يراعوا شعور الفقراء، وأن يساعدوا فى تيسير الزواج.

 *الخطبة هى التواعد بين الرجل والمرأة أو من يمثلها على الزواج مستقبلا، وهى فترة شرعية تسبق عقد الزواج، وقد تقصر أو تطول حسب العادات والتقاليد، وربما ينفرد عقد الزواج من بين سائر العقود فى ضرورة هذا التمهيد الذى يسبق العقد، فسائر العقود الأخرى لا تتطلب فترة أو مهلة معينة قبلها، وإن كانت فهى أيام قليلة، وذلك لأن عقد الزواج من أكثر العقود خطراً على الإطلاق، إذ يتطلب فيه الأمر التريث للتعرف والتعارف، واكتشاف ما يمكن اكتشافه من المحاسن المشجعة على إتمام الزواج، أو المساوئ المنفرة من إتمامه، لذلك اهتمت الشرائع السماوية بأمر الخطبة.

*من أحكام الخطبة، حكم النظر إلى المخطوبة، فالإسلام أجاز للشاب أن ينظر إلى من يريد الاقتران بها أثناء فترة الخطوبة، وينظر إلى ما هو مباح منها، من النظر إلى الوجه والكفين والقدمين عند بعض الفقهاء، وهذا يتعارض مع الآراء التى توجب على الفتاة أن تغطى وجهها وكفيها مع الأجنبى عنها، لأن الخاطب فى فترة الخطوبة مازال أجنبيًّا عنها؛ لأنه لم يعقد واحتمال التراجع موجود.. وعلى الذين يقولون بوجوب النقاب أن يستثنوا الخطبة، إذ كشف الوجه مطلوب فى الشريعة الإسلامية على الأقل فى هذه المسألة.

 *من أحكام الخطبة، النهى عن أن يخطب شاب على خطبة شاب آخر، وعليه أن ينتظر إما أن تتم الخطبة بالزواج، وإما أن تنفسخ الخطوبة بينها، ففى الحديث الشريف:».. ولَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ؛ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ»- صحيح البخارى، باب لا يخطب على خِطْبَةِ أَخِيهِ.. .- والسبب هنا سبب أخلاقى وإنساني؛ لأن فى خطبة الرجل على خطبة أخيه إيذاء وإشعال لمشاعر الحقد والعداوة، ولكن قد يتقدم للفتاة أحيانا أكثر من شاب تقارن بينهم وتأخذ وقتها فى اختيار واحد منهم وتفضيله على غيره، فمثل هذه الحالة لا تدخل ضمن النهى المحرم فى الحديث السابق.

 *طول فترة الخطوبة أمر غير مطلوب ووضع غير طبيعى وإن لم يكن منهيًّا عنه، لكن الأسرة ربما تكون مضطرة لذلك الآن لظروف خارجة عن نطاق الأسرة، وأن ما يقدمه الخاطب لمخطوبته إذا كان جزءاً من المهر فإنه يعود للخاطب عند فسخ الخطبة؛ لأن المهر لا يُستحق شىء منه إلا بالعقد.. وإذا دُفع إلى المخطوبة كان أمانة فى يدها حتى يتم العقد، أما الهدايا غير المرتبطة بالمهر، فإذا كان الفسخ من جهة الخاطب، فلا يأخذ شيئا، وإن كان الفسخ من جهة المخطوبة أخذ كل شىء، وهذا حكم منصف جدًّا، إذ الخطبة فترة تترتب عليها مسئوليات شرعية.

 *العلة التى حُرِّمَتْ من أجلها خِطبة شاب على خِطبة شاب آخر؛ هى علة أخلاقية بحتة، حيث قال النبى -صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وكل شىء ترفضه الأخلاق الفطرية الإنسانية يرفضه الإٍسلام رفضا قاطعا، ونحن نعلم أن الخِطبة تبدأ فى البداية برؤية وبتشاور وبكلام، وتستمر هذه المرحلة قبل أن يتم التوافق بين الأسرتين، ثم يتم التوافق بينهما وتقبل الأخرى، وحالة قبول أسرة البنت لهذا الشاب أن يكون خطيباً لابنتهم، تسمى بالمراكنة، يقال ركن فلان إلى فلان يعنى مال إليه واستراح ووقف إلى جواره، فكل من الأسرتين ركنت إلى الأخرى بمجرد الاتفاق.

* جمهور الفقهاء اتفقوا على أنه بمجرد أن يتقدم الشاب للخطبة، يحرم على أى شاب آخر أن يدخل فى هذا الطريق، لكن بعض الفقهاء وهو مذهب المالكية يقول بجواز خِطبة الشاب على خِطبة أخيه ما لم تكن هناك مراكنة، فإذا كانت هناك مراكنة بمعنى أنه تم التوافق بين الأسرتين على القبول فإن خطبة الشاب على خطبة أخيه حرام، فالحرمة عندهم لا تبدأ من مرحلة التشاور ولكن تبدأ من مرحلة الاتفاق، فقراءة الفاتحة مثلا، هى علامة المراكنة، التى تبدأ منها الحرمة فى المذهب المالكى، لكن قبل الفاتحة فلا حرمة، وهنا نميل لرأى الجمهور الذى يقضى بحرمة خطبة الرجل على خطبة أخيه بمجرد أن يعلم أن هذا الشاب قرع أبواب أسرة المخطوبة حتى ينتهى الأمر تماما، إما بقراءة الفاتحة أو بالرفض، وإذا افترقت الأسرتان فمن حقه التقدم، لأنه لا تجوز المزاحمة والاعتداء على مشاعر الخاطب الأول فربما تفتتن الأسرة بالثانى لثرائه، فحرام على الاثنين، حرام على الشاب وحرام على البنت وأهل البنت إذا قبلوا هذا.

 *الشرع يحرم خطبة المرأة المعتدة من وفاة تصريحاً مراعاة للميت وأهله ويجيزها تلميحاً وتعريضاً مراعاة لحق الزوجة فى أن تقترن بزوج آخر بعد خروجها من عدتها، والتعريض ضد التصريح، وهو القصد لمعنى بلفظ يحتمل هذا المعنى ويحتمل غيره، ومن صيغ التعريض: رب راغب فيك من يجد مثلك، إنك لجميلة، أنت تستحقين كل خير، وكل ما يفهم منه أنه راغب فيها، وكذلك لا شىء فيما لو نوى أو أسر فى نفسه أنه بعد انتهاء عدتها سوف يتقدم لها ويخطبها ويتزوجها، لكن ما لا يجوز له أن يفعله هو التصريح بالزواج منها، كأن يقول لها: أريد أن أتزوجك، فهذا حرام، قال تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِى أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ..).

* الخاطب فى فترة الخطبة أجنبى عن خطيبته، وعلى الفتاة أن تفهم هذا جيدا، وعلى الأسرة أن تضع حدًّا لموضوع الزيارات المتكررة للشاب وتردده على بيت خطيبته لأنه ما زال أجنبيا عنها.. ولا يجوز للفتاة أن تخرج مع خطيبها بحجة أنه يدرس أخلاقها أو أنه يتعرف عليها، لأنه غريب عنها، ولكن إذا كان خروجهما مع العائلة فلا بأس، ولذلك أتمنى على الأسرة المصرية أن تتعامل مع خاطب ابنتها ببساطة دون أن تتكلف فوق طاقتها، وأن تعوده على زيارة أسبوعية فى وجود العائلة.

 *شرائع الإسلام كلَّها مؤسَّسَةٌ على اليسر ورفع الحرج، قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ) وقال سبحانه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ)، ومن أجل ذلك حرص الإسلام على تيسير الزواج، وأول مظاهر اليسر فى الزواج يسر تكاليفه؛ وهى المهر الذى يُدفع صداقاً للمرأة، والمهر فى حقيقته رمز للرغبة والمودة والمحبة التى يريد الزوج أن يعبّر  عنها لزوجته، وهنا يجب أن ندرك أن فلسفة الإسلام فى المهر أنه رمز، وليس ثمناً ولا مقابلاً ماديًّا لأى معنى من معانى مشروع الزواج الذى عبر عنه القرآن بأنه ميثاق غليظ، وإنما هو مشروع إنسانى يقوم على معانٍ وأحاسيسس ومشاعر لا يمكن أن تُقدَّر  بثمن أو بمقابل مادى، والتعبير عن هذه الأحاسيس والمشاعر يختلف من زمان إلى زمان ومن بيئة إلى بيئة ومن شخص إلى شخص فقد يعبر شخص عن رغبته فى هذه الفتاة بأن يهديها قصرا مثلا،  وقد يعبر آخر عن هذه الرغبة بوردة، وهذه الوردة وإن كانت لا تساوى شيئا يذكر فى عالم القيم المادية ولكنها تعنى الكثير جدا حين تكون لغة بين القلوب والأرواح، وبالتالى فإن فلسفة الإسلام فى المهر أنه تعبير أو رمز وليس أجرة لأى شىء.

* الإسلام لم يضع للمهر مقداراً محدداً، وإن كان بعض الأئمة يختليفون فى أقل الصداق هل هو دينار من ذهب أو ربع دينار، لكن الصحيح فى هذا الأمر هو أنه لا حدَّ لأقله؛ نظراً لأن النبى - صلى الله عليه وسلم- زوج على خاتم من حديد أو كف من طعام، وكذلك لا حد لأكثره؛ لقوله تعالى: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً)، غير أن روح الشريعة يُفهم منها ضرورة الاقتصاد الشديد وعدم المغالاة فى المهور للنهى الصريح عن التبذير والإسراف قال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)  حتى إن الشريعة أوجبت الحجر على السفيه الذى لا يقدر قيمة المال.

*الأحاديث النبوية الواردة فى تيسير المهور كثيرة، منها: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ - الزواج- بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً» يعنى أقله تكلفة، فالزواج المبارك هو ما تكون تكاليفه أقل، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرَهُ»، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « خَيْرُهُنَّ أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقاً»، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَو أنَّ رجلاً أَعطَى امرأةً صَدَاقاً مِلءَ يَدَيْهِ طَعَاماً،  كانت له حَلالاً»، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «زَوَّجْتُكَهَا بما معكَ مِن الْقُرْآنِ»،   وحينما جاء شاب فقير إلى النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول له: تزوجت على مائة وستين درهما، استكثرها النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال له: كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عَنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِى بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ» فهذه الأحاديث يتبين منها كراهة المغالاة فى المهور.

* روح الإسلام تعبر عن عدم المغالاة فى المهور، والأحاديث النبوية التى ذكرناها من قبلُ تدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم يشجع على الاقتصاد فى المهر، وبالنسبة للحد الأعلى للمهر؛ فهناك مَن استند لقوله تعالى: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) على أنه لا حد له، وقال آخرون: إن الآية الكريمة لا تدل على جواز المغالاة فى المهور؛ لأن التمثيل بالقنطار فى الآية هو على جهة المبالغة، وذلك مثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِداً لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ»؛ فبناء مسجدٍ بهذه المساحة إنما هو على سبيل المبالغة؛ لأنه من المعلوم أن المسجد فى الواقع لا يمكن أن يكون كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ (القطاة: طائر صغير، ومفحص قطاةٍ: موضعها الذى تخيم فيه وتبيض؛ لأنها تفحص عنه التراب).

* الدليل الأقوى على عدم جواز المغالاة فى المهور هو النهى الصريح عن التبذير والإسراف فى قوله تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) حتى إن السفيه يُحجر عليه، وفى هذا الإطار نستطيع أن نقول إن المهر إذا تجاوزَ الحد المعقول الذى هو متداول بين الناس عُدَّ فى باب التبذير، ولا يستند للآية: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) التى سِيقت فى سياق المبالغة.

*أحاديث النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلها تحث على أن يكون المهر يسيرا، وهى فى نفس الوقت تربط البركة فى الزواج بيسر المهر، ومنها يُفهم أن المهر غير اليسير المبالغ فيه لا بركة فى الزواج الذى يتم على أساسه، قال النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أكثرُهنَّ بركةً أقلُهنَّ مُهوراً» وقوله: «خيرهن (يقصد الزوجان) أيسرهن صداقاً»، وقوله: «خَيْرُهُنَّ أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقاً»، وقوله: «إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ - الزواج- بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً» وقوله: «خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرَهُ».. وبالتالى فإن يسر التكاليف ويسر المؤنة يتبعه بركة تُكثِّر القليل، لكن للأسف الشديد الناس الآن تعيش زمنا كله صراع مادى من أوله لآخره، والتقييم يتم على أساس ورغبات مادية.

* التجربة تؤكد أن الأسرة التى تقوم على البساطة سواء فى المهور أو الجهاز أو المسكن أسرة سعيدة؛ لأنها لا ترى سعادتها فى المظهر أو المادة أو الأشياء المقتنية؛ لأنها لا تصنع شيئا، فمعظم الزيجات التى تتم فى مصر أو العالم العربى بيوتها تُملأ بأشياء لا حاجة للزوجين لها على الإطلاق مثل حجرة الأطفال التى تنشأ أحياناً خلافات مع أن الأطفال لم تأت بعدُ!، وكذلك أطقم الطعام والشراب التى يكفى فيها طقم واحد مكون من 6 قطع، لا طقم مكون من 90 قطعة!، وأيضاً الملايين التى تنفق فى حفل الزواج وهى تصلح لأن تزوج نحو 50 بنتاً.

* لا بد من تغيير مفهوم الزواج، والمسئول عن تبليغ هذه القيم للناس هو الإعلام والعلماء الذين يجب عليهم شرح هذه الأحاديث للناس مع بيان دلالاتها وكيف أن بركة الزواج مرتبطة باليسر، مشيراً إلى ما عليه الناس فى أوروبا من البساطة فى المسكن والفرش والنفقة.

 *المهر ملكية خالصة للزوجة قال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) أى عطية خالصة لله، منوِّهاً الى أنه ليس من الإسلام أن يؤخذ المهر ويدخل فى الجهاز إلا إذا سمحت بذلك الزوجة قال تعالى: (فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً)، ولا يحق لأى أحد أن يقترب من مهر البنت، لا الأب ولا الأخ ولا الأم؛ لأنه ملك خالص بها، إذ هو رمز أو تعبير عن المحبة متجه للزوجة وليس للأب ليأخذ منه، فالمهر رسالة محملة بمشاعر معينة هذه المشاعر متجهة إلى هذه الفتاة، وليس من حق الآخرين أن يشاركوها فى هذا الرمز أو فى هذه المشاعر التى جُعل المهر رمزاً لها.

* لا بد للنساء أن يعرفن باختصار فقه الإسلام فى أحوالهن الشخصية، كمسألة العدة التى لها ارتباط بموضوع الخطبة، لأن المعتدة هل تخطب أو لا تخطب فى أثناء العدة؟ والعدة ثلاثة أنواع: عدة المعتدة من طلاق رجعى، والمعتدة من طلاق بائن، والمعتدة من وفاة، فالطلاق الرجعى هو الذى يسمح فيه للزوج أن يراجع زوجته دون عقد ولا مهر، ولو بدون رضاها، ومراجعتها تتم إما بالقول أو بالفعل قبل انتهاء فترة العدة، وهى ثلاثة أقراء، وتكون الزوجة فى هذه الفترة باقية فى عصمة زوجها بدليل أن أحدهما لو مات فيها فإن الآخر يرثه، فإذا انتهت فترة العدة دون أن تحصل مراجعة بانت منه بينونة صغرى، بمعنى أن حرية الزوج فى مراجعتها انتهت، فإذا أراد أن يراجعها بعد ما أصبحت بائنة فلا بد من رضاها أولاً، ولا بد ثانياً من مهر وعقد جديدين، والبينونة الصغرى تكون من الطلاق الرجعى وهو الطلقة الأولى والثانية.

 *إذا كانت الطلقة هى الثالثة فإن الزوجة تبين بينونة كبرى بمجرد إيقاع لفظ الطلاق للمرة الثالثة، ولا يستطيع مراجعة الزوجة لا فى العدة ولا بعد العدة إلا إذا تزوجها آخر ثم انفصلت عنه، قال تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)، والنوع الثالث من أنواع العدة وهو عدة المتوفَّى عنها زوجها التى حددها القرآن الكريم بأربعة أشهر وعشرة أيام، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)، اللهم إلا إذا كانت حاملاً - مطلقةً كانت أو متوفى عنها زوجها- فعدتها تنتهى بوضع حملها، لقوله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).

*التقدم للخطبة إما أن يتم تصريحاً أو تعريضاً، فالتصريح: هو اللفظ الذى لا يحتمل معنى غيره، كأن يقول لها: أريد أن أتزوجك، والتعريض ضد التصريح، وهو القصد لمعنى بلفظ يحتمل هذا المعنى ويحتمل غيره، بمعنى أنه يحوم حول الشىء ولا يصرح به، ومن صيغ التعريض: مِثلُكِ يُرغب فيه، إنك لجميلة، أنت تستحقين كل خير، أنا محتاج لإنسانة فى مواصفاتك، ويدخل فى التعريض الهدايا، فلو حمل إليها هدية فإنها لا تُعدُّ تصريحاً بل هو تعريض بأنه يرغب بها، وكذلك لو مدح نفسه وذكر ما يلفت نظرها عليه، فعن سَكِينَةَ بِنْتِ حَنْظَلَةَ، قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بنِ الحُسَينِ، وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِى مِنْ مَهْلِكِ زَوْجِى - فى أثناء عدتها من وفاة زوجها-، فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتِ قَرَابَتِى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَرَابَتِى مِنْ عَلِيٍّ وَمَوْضِعِى فِى الْعَرَبِ، قُلْتُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ! إِنَّكَ رَجُلٌ يُؤْخَذُ عَنْكَ، تَخْطُبُنِى فِى عِدَّتِي!، قَالَ: إِنَّمَا أَخْبَرْتُكِ لِقَرَابَتِى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ عَلِيٍّ.

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2025 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg