رحب فضيلة الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية؛ فى بداية كلمته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر: «دَوْرُ الْفَتْوَى فِى اسْتِقْرَارِ الْمُجْتَمَعاتِ» الذى تنظمه دار الإفتاء المصرية فى الفترة من 17 وحتى 19 أكتوبر الحالى، بفضيلة الإمام الأكبر الدكتورَ أحمدَ الطيِّبَ، شَيْخَ الأزهرِ الشريفِ، والدكتورِ محمدِ بنِ عبدِ الكَرِيمِ العيسى، أمينِ عام رابطةِ العالمِ الإسلاميِّ، والشيخِ عبدِ اللطيفِ دريانَ، مُفتى الجمهوريةِ اللبنانيةِ، والدكتورِ محمدِ مطرٍ الكعبيِّ، رئيسِ هيئةِ الأوقافِ والشئونِ الإسلاميةِ بأبو ظبى.
وأضاف مفتى الديار المصرية: «يَسرُّنِى أنْ أُرحِّبَ بِكمْ فى وَطَنِكُمُ الثانِى مصرَ؛ مَنبعِ الحضارةِ والتاريخِ، وكعبةِ العِلْمِ والأزهرِ الشريفِ، مصرَ الَّتى كانتْ - ولَا زالتْ وستظلُّ - مَنْزِلاً طيباً مُبارَكاً لِلقاصدِينَ مِنَ العلماءِ والباحثينَ مِنْ شَتَّى أقطارِ الأرضِ، مِصرَ الَّتى تَمُدُّ يَدَيْهَا دائماً بِالخيرِ والأمنِ والسلامِ لِمَنْ أرادَ بِها وَلَها الخيرَ، كَمَا قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ فِى كتابِه الكريمِ عَلى لِسانِ نَبِيِّ اللهِ يُوسُفَ عَلَيهِ السلامُ: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ»؛ فَأَهْلاً وَمَرْحباً بِكمْ.
الإرهاب والتطرف
وعبر الدكتور شوقى علام، عن سعادته بحضور ضيوف مصر الأعزاء لمؤتمر دار الإفتاء المصرية؛ قائلاً: «أصحابَ المَعالِى والسَّمَاحَةِ والفضيلةِ، يُسْعِدُنِى أنْ نَلْتقِيَ هُنا فى مُؤتمرِنَا الثَّانِى الَّذى تَعقِدُه الأمانةُ العامَّةُ لِدُورِ وهيئاتِ الإفتاءِ فى العالمِ تحتَ عُنوانِ: «دَوْرُ الْفَتْوَى فِى اسْتِقْرَارِ الْمُجْتَمَعَاتِ»، ولا يَخْفَى عَلى شَريفِ عِلْمِكُمْ ذَلِكُمُ الظَّرْفُ العَصيبُ الذى تَمرُّ بِهِ مِصْرُ والمِنطقةُ بأسرها، بَلْ والعَالَمُ كلُّه، بسببِ تَنامى ظاهرةِ الإرهابِ والتطرفِ نتيجةَ إصدارِ تِلكَ الفتاوَى المُضلِّلَةِ المُنحَرِفَةِ المُجَافيةِ للمَنهجِ الوسطيِّ الصحيحِ واتِّبَاعِها؛ مِمَّا كانَ له أسوأُ الأثرِ فى انتشارِ العنفِ والفَوْضَى، وتدميرِ الأمنِ والسِّلْمِ، وتهديدِ الاستقرارِ والطمأنينةِ الَّتى تَنْعَمُ بِها المجتمعاتُ والأفرادُ، وإذا كانَ العالمُ بأسره يَنتفضُ الآنَ لمحاربةِ الإرهابِ فَإِنَّهُ يَنبغى عَلَى أهلِ العلمِ وحرَّاسِ الدِّينِ والعقيدةِ مِنْ أهلِ الفتوَى والاجتهادِ أنْ يَعلموا أنَّهمْ عَلى ثَغْرٍ عظيمٍ مِنْ ثُغُورِ الإسلامِ، أَلَا وَهُوَ ثَغْرُ تَصحيحِ المفاهيمِ المَغلوطةِ وَصَدِّ الأفكارِ المتطرفةِ ونشرِ قِيَمِ الدِّينِ الصحيحةِ السمحةِ، وَجِهادُنَا فِى مَيْدَانِ المعركةِ لا يَنفكُّ لحظةً عنْ جِهادِنَا فى مَيْدَانِ الفقهِ والفِكْرِ».
وأوضح مفتى الديار المصرية: «أمَّا على الصعيدِ العالميِّ والدَّوْلِيِّ فَلا شكَّ أنَّ الإرهابَ يَسعى لِفَرْضِ سَيطرتِهِ وبَسْطِ نُفُوذِهِ على عقولِ العامَّةِ والشبابِ عنْ طريقِ نشرِ الفَتاوَى المُضَلِّلَةِ والأفكارِ المَغْلوطةِ عَبْرَ وَسائلِ التَّواصُلِ الاجتماعيِّ وغَيْرِهَا مِنْ وسائلِ الإعلامِ المسموعةِ والمرئيةِ؛ مِمَّا كانَ لَهُ أسوأُ الأَثَرِ فِى نشرِ العُنْفِ والفوضَى وَتَهديدِ السِّلْمِ والأمنِ فِى كثير مِن بلادِنا، ولَوْلَا فضلُ اللهِ ثُمَّ تَكَاتُفُ الدُّوَلِ العربيةِ والإسلاميةِ فِى مُحَاصَرَةِ مَنَابعِ تَمويلِ الإرهابِ وَمَصَادِرِهِ لَتَغيَّرَ الواقعُ بِمَا لا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ، وَمِنْ ثَمَّ، فإنَّه يَنبغى علَى أهلِ العلمِ -وَأَخُصُّ مِنهمُ المَعْنِيِّينَ بِشَأنِ الفَتوى والاجتهادِ ومُتَابعةِ المستجداتِ- أنْ تَتوحَّدَ كَلِمَتُهمْ فِى شَأَنِ مُكافحةِ الإرهابِ ومُحَاصَرَةِ الفتاوى الشاذَّةِ المُضَلِّلَةِ المُهَدِّدَةِ لاستقرارِ وأمنِ المُجتمعاتِ. وهذا المؤتمرُ العالميُّ الَّذى تَعْقِدُهُ الأمانةُ العامَّةُ لِدُورِ وهيئاتِ الإفتاءِ فى العالمِ َيُعَدُّ فرصةً كبيرةً لتحقيقِ هَذا الغرضِ، وإنَّ الأُمَّةَ الإسلاميةَ، بلِ العالمَ أجمعَ، لَيُتَابِعُ عَنْ كَثَبٍ مَا يَنْتِجُ عَنْ هذا المؤتمرِ مِنْ نتائجَ وتوصياتٍ تَصْلُحُ أنْ تَتحوَّلَ إلى برامجَ عمليَّةٍ فى واقِعِنَا المُعَاشِ».
الفتاوى الشاذة
وأشار «علام»؛ إلى «أن أهمية هذا المؤتمر «لَا تَتوقَّفُ عِندَ حَدِّ قضيةِ مُكافحةِ الإرهابِ والتطرفِ، بلْ َيَّسِعُ لِيَشملَ النَّظرَ فِيما تُسبِّبُهُ فَوضى انتشارِ الفتاوَى والآراءِ الشاذَّةِ وافتراضِ الصُّوَرِ النادرةِ البعيدةِ الَّتى لا تَمُتُّ لِلوَاقعِ بِصِلَةٍ مِن بَلْبَلَةٍ وَحَيْرَةٍ وَعَدمِ استقرارٍ فِى عقولِ الناسِ وقلوبِهم وحياتِهم، وَقدْ يُسْتَحْسَنُ التَّخيُّلُ وافتراضُ بَعْضِ الصورِ فى مجالِ بَحْثِ الأحكامِ الفقهيةِ للدُّرْبَةِ وإِعمالِ القواعدِ الفقهيَّةِ والضوابطِ المرعيَّةِ، أمَّا الفُتْيَا فمجالُها مَا يشغلُ الناسَ بالفعلِ ويَمَسُّ حَياتَهم وَواقِعَهم، ووظيفةُ المُفتى أنْ يَجِدَ الحلولَ الناجِعَةَ لِمُشكلاتِ الناسِ وَفْقَ مقاصدِ الشرعِ الحنيفِ، لا أنْ يُشتِّتَ أذهانَهُمْ وَلا أنْ يَشْغَلَ عُقولَهم بِمَا لا يعودُ عليهمْ بنفعٍ فى دِينِهمْ أوْ دُنياهم».
مؤكداً؛ أن «قضيةَ الفتوى ومَا يتعلَّقُ بها مِنْ ضوابطَ وقواعدَ مِنْ أَهمِّ قضايا العصرِ التى يَجِبُ أنْ يَنْشَطَ لها أهلُ العِلْمِ والاجتهادِ؛ وذلكَ لِضَبْطِهَا وبيانِها، فإنَّ كثيراً مِنَ المُتَصدِّرينَ لِهذا الأمرِ بِغَيْرِ حقٍّ لَم يُفرِّقوا بينَ الفتوى التى تَتغيَّرُ بِتَغيُّرِ الزمانِ والمكانِ والأحوالِ والأشخاصِ، وَبينَ الحُكْمِ الذى هو أَمْرٌ ثابتٌ بِنَاءً عَلى فَهْمٍ مُعَيَّنٍ للدليلِ الشرعيِّ وَفْقَ مَذهبِ المُجْتَهِدِ، ومِنْ ثَمَّ فَقَدْ أَحْدَثَ تَصدُّرُ غَيرِ العلماءِ وغَيْرِ المُؤهَّلِينَ اضطراباً كبيراً نَتَجَ عنه خَللٌ واضحٌ فى منظومةِ الأمنِ والأمانِ، وأصبحَ السِّلْمُ العالميُّ مُهدَّداً نتيجةَ التَّهوُّرِ والاندفاعِ والتَّشدُّدِ الَّذى اتَّخذَهُ البعضُ مَطِيَّةً لِتحقيقِ أغراضٍ سياسيةٍ بعيدةٍ تماماً عنْ تحقيقِ مقاصدِ الشريعةِ السَّمْحَةِ الغرَّاءِ. وبِناءً عليه، فإنَّ مُؤتمرَكُمْ هذا تَنْعَقِدُ عليه آمالٌ كبيرةٌ فِى القيامِ بحركةٍ تصحيحيةٍ تُنِيرُ الطريقَ وتزرعُ مَعَالِمَ الهُدَى والرشادِ لِلْفتوَى العصريةِ المواكبةِ لِمَطالِبِ الحياةِ والإحياءِ والتحضُّرِ والاستقرارِ، وتتصدَّى لِفوضى الإفتاءِ بالوسائلِ الوِقَائيةِ والعلاجيةِ معاً، وتَضْبِطُ منظومةَ الفتوى ضَبْطاً مُحْكَماً يَسدُّ المنافذَ على العابِثينَ ودُعاةِ الفوضى».
مضيفًا: «تَتمثَّلُ الإشكاليةُ التى يُواجِهُهَا المفتى دائماً فى أمرِ الفتوى، فى أنَّه مُطَالَبٌ بِأَمْرَيْنِ لا غِنى عَنْ أَحَدِهِمَا بِالنسبةِ إلى الناسِ؛ الأَوَّلُ: إيجادُ الحلولِ المناسبةِ لقضايا الناسِ ومشكلاتِهم الَّتى تَصِلُ أحياناً إلى درجةٍ مِنَ التعقيدِ تحتاجُ إلى جرأةٍ وشجاعةٍ فى الاجتهادِ وَفْقَ ضَوَابِطِ الفقهِ والشريعةِ الغرَّاءِ؛ والثانى: أنْ تَنْسَجِمَ هذه الحلولُ انسجاماً تاماً معَ التزامِ الناسِ وتَعَايُشِهِمْ وتَمَسُّكِهمْ بالشريعةِ الإسلاميةِ الغرَّاءِ».
تجديد الخطاب الدينى
مضيفاً؛ أنه «لِهذا تمَّ اختيارُ موضوعِ هذا المؤتمرِ بِدقَّةٍ وعنايةٍ، إيماناً مِنَّا بأهميةِ الفتوى وَدَوْرِها فِى استقرارِ المجتمعاتِ وَأَمْنِهَا، فَموضوعُ المؤتمرِ وَمَحاوِرُهُ خُطْوةٌ فى غَايةِ الأهميةِ فى منظومةِ تَجديدِ الخطابِ الدِّينيِّ، وَهُوَ بِدَوْرِهِ يَعْمَلُ عَلَى سَحْبِ البِسَاطِ مِنْ تَيَّاراتِ الإرهابِ والتطرفِ التى تُحاولُ الإفسادَ فِى الأرضِ مِنْ خلالِ نَشْرِ فَتاوى التَّطرُفِ والعُنفِ، ولذا، تَعْملُ الأمانةُ العامَّةُ لِدُورِ وهيئاتِ الإفتاءِ فى العالمِ على إيجادِ منظومةٍ علميةٍ وتأهيليةٍ لِلْمُتَصَدِّرِينَ لِلفَتْوَى فى العالمِ يكونُ مِنْ شأنِها تجديدُ منظومةِ الفتاوى التى يَستعينُ بها المسلمُ على العَيْشِ فى وَطَنِهِ وزمانِه دونَ اضطرابٍ أوْ عنتٍ، كمَا تُرسِّخُ عِندَهُ قِيَمَ الأمنِ ومعالمِ الاستقرارِ، وبناءً على ذلكَ وَضَعَتِ الأمانةُ خريطةَ مَحَاوِرِ المؤتمرِ الَّتى بُنِيَتْ عَلى دِرَاسةِ الفَتاوى الشاذَّةِ وَرَصْدِهَا، وتَعَقُّبِ الحركاتِ المتطرفةِ، وتقديمِ المُبَادَرَاتِ الافتائيةِ التى تُمثِّلُ عُنصراً مُهِماً مِن عناصرِ حَلِّ مُشكلاتِ انتشارِ الفتاوى الشاذَّةِ مِنْ غَيْرِ المُتخصِّصينَ أوْ مِنَ الجماعاتِ المتطرفةِ بِمَا يُساعِدُنَا على تأصيلِ الاستقرارِ المجتمعيِّ ونشرِ قِيَمِ التعايشِ السِّلْمِيِّ بينَ الناسِ». ووجه مفتى الديار المصرية شكره وتقدير للرئيس عبدالفتاح السيسى لرعايته لهذا المؤتمر؛ قائلاً: «ولَا يَفوتُنِى فِى هذا المَقامِ الكريمِ إِلَّا أنْ أتقدَّمَ بموفورِ الشكرِ والتقديرِ لِفَخامةِ الرئيسِ عبدِ الفتاحِ السيسى لِرِعايتِهِ الكريمةِ لهذا المؤتمرِ الذَّى أَتى استجابةً للمبادرةِ الَّتى أطلقَها سيادتُه بضرورةِ تجديدِ الخطابِ الدينيِّ ومحاربةِ الأفكارِ والتياراتِ المتطرفةِ، ونَشكرُ سيادته أيضاً على الدعمِ الكبيرِ الذى يُقدِّمُهُ ُ لِدَارِ الإفتاءِ المصريةِ وللأمانةِ العامَّةِ لِدُوْرِ وَهَيْئَاتِ الإفتاءِ فى العالمِ».