| 01 مايو 2025 م

متابعات

تعديلات الإجراءات الجنائية..  خطوة على طريق دعم السلام المجتمعى والقضاء على الثأر

  • | الأحد, 16 مارس, 2025
تعديلات الإجراءات الجنائية..  خطوة على طريق دعم السلام المجتمعى والقضاء على الثأر
أ. د. عباس شومان .. رئيس مجلس إدارة المنظمة العالمية لخريجى الأزهر، وأمين عام هيئة كبار العلماء

فى كثير من جرائم القتل العمد يُصدر القضاء حكما بمعاقبة الجانى بالإعدام، وهى عقوبة توافق ما جاء به شرعنا ردعًا عن ارتكاب هذه الجريمة النكراء، ففى كتاب ربنا :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِى لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وليس هذا بمستغرب؛ فقتل نفس واحدة بمثابة قتل ذرية آدم أجمعين وفى كتاب ربنا: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِى الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}، ومع تشديد شرعنا عقوبة القتل العمد فإنه لم يجعلها لازمة كعقوبات الحدود، بل فتح الباب للعفو عن الجانى إذا قَبِلَ أولياء الدم ذلك، بل شجع على العفو وجعله بابا من أبواب الإحسان: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، ونواجه فى عملنا فى اللجنة العليا للمصالحات الثأرية عقبة كبيرة فى إقناع الناس بقبول الصلح، والعفو عن الجانى فى حال صدور حكم بالإعدام على الجانى، وهو ما يعنى تسلسل الدم والثأر كما هو معروف فى بعض محافظاتنا خاصة فى الصعيد؛ حيث يعتبر أهل القاتل أن المحكوم عليه بالإعدام كأن أهل القاتل هم من قتله، ويقوى هذا فى نفوسهم إذا لم يكونوا مقتنعين بأن المحكوم عليه قد ارتكب جريمة القتل، ولذا يرفضون الصلح أو يشترطون لقبوله إسقاط عقوبة الإعدام عن المحكوم عليه بها أو على الأقل تخفيفها، وحيث إن ميثاق عمل اللجنة العليا للمصالحات الثأرية ينص على أن اللجنة لا علاقة لها بالمسار القضائى، بل يشترط لتدخل اللجنة فى إجراء الصلح بين أهل المقتول والقاتل تسليم المطلوبين للنيابة وجهات التحقيق قبل تدخلها، كما يشترط عدم وجود موانع أمنيَّة لدى الجهات الأمنيّة تمنع من مباشرة جلسات الصلح بين الخصوم، ولذا فإن كثيرًا من الخصومات تتعثر ويستمر الثأر بين الخصوم للأسف الشديد، ورغبةً من اللجنة فى تشجيع الناس على التجاوب مع المصلحين كان لابد من البحث عن حل لهذه المعضلة، يحقق تشجيعًا للناس على قبول الصلح والعفو عن الجانى ولا يتعارض مع النظام القضائى، وينطلق من نهج شرعنا فى معاقبة الجناة، وبعرض الأمر على فضيلة الإمام الأكبر للبحث عن حل شرعى وقانونى لهذه المعضلة، أشار فضيلته بكتابة مذكرة للعرض على هيئة كبار العلماء، وبالفعل قُدِّمَ طلب للإمام للعرض على الهيئة مرفق بمذكرة توضيحية فيها بيان عقوبة القتل العمد العدوان من الناحية الشرعيَّة، وأيضا أثر عفو أولياء الدم عن الجانى على حكم القصاص المستحق شرعا. وهذا هو نص الخطاب المقدم لفضيلة الإمام من اللجنة العليا للمصالحات الثأرية:

«فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، حفظه الله ورعاه

بشأن: عرض موضوع (تعديل تشريعى لعقوبة القتل العمد العدوان عند تصالح أولياء الدم) على هيئة كبار العلماء.

نحيطُ فضيلتَكم علمًا بأنَّ لجانَ مصالحاتِ الأزهرِ الشَّريف أثناءَ مُمارَسةِ عملِها فى حلِّ الخلافاتِ الثَّأريَّةِ لاحظَتْ ترحيبًا كبيرًا مِنَ الشَّعبِ المِصرى بجهودِ الأزهرِ الشَّريفِ فى إرساءِ الصُّلحِ بينَ أفرادِ المُجتمَعِ، وقَطْعِ أسبابِ النِّزاعِ والشِّقاقِ: إمَّا بالعفوِ ابتغاءَ وجهِ اللهِ تعالى، وإمَّا بالتَّصالُحِ على الدِّيةِ الشَّرعيَّةِ.

وفى كثيرٍ مِنَ الخُصوماتِ يُصدِرُ القضاءُ أحكامًا بإعدامِ الجُناةِ، وتتمكَّنُ اللَّجنةُ منْ تحقيقِ الصُّلحِ بينَ أهلِ القاتلِ وأهلِ المقتولِ، وهنا تبرزُ مشكلةٌ شرعيَّةٌ؛ حيثُ إنَّه مِنَ المعلومِ أنَّ أولياءَ الدَّمِ هم أصحابُ الحقِّ، ويملكون شرعًا العَفْوَ عنِ القاتِلِ؛ لوجهِ اللهِ، أوْ فى مُقابِلِ الدِّيةِ أوْ ما يُتصالَحُ عليه، قلَّ أوْ كثرَ عنِ الدِّيةِ المُقدَّرةِ شرعًا.

ومعلومٌ أنَّه إذا عَفَا أولياءُ الدَّمِ أوْ بعضُهم عَنِ القاتلِ عمدًا فإنَّ القِصاصَ يسقطُ ويُعصَمُ الدَّمُ، وفى كثيرٍ منْ حالاتِ الصُّلحِ يشترطُ أهلُ الجانِى تخفيفَ عقوبةِ الإعدامِ لقبولِ الصُّلحِ، ومنعِ المَزيدِ مِنَ القتلِ بينَ الأطرافِ.

ومنْ شروطِ عملِ لجنةِ المُصالحاتِ بالأزهرِ الشَّريفِ: عدمُ التَّدخُّلِ فى المسارِ القضائى، لكنْ مِنْ خلالِ عملِ اللَّجنةِ على أرضِ الواقعِ، ومعايشةِ كثيرٍ مِنَ الظُّروفِ والمُلابساتِ الَّتى تُحيطُ بهذه العادةِ المُنتشرةِ نتقدَّمُ لفضيلتِكم بهذا المُقترَحِ:

بناءً على:

1- نَصِّ الدُّستورِ المِصرى فى الفِقرةِ الأولى منْ مادَّتِه السَّابعةِ: «الأزهرُ الشَّريفُ هيئةٌ إسلاميَّةٌ عِلميَّةٌ مُستقِلَّة، يختصُّ دونَ غيرِه بالقيامِ على شُئونِه كافَّةِ، وهو المَرجِعُ الأساسى فى العُلومِ الدِّينيَّةِ والشُّئونِ الإسلاميَّةِ ...».

2- خُلُوِّ قانونِ العُقوباتِ المِصرى منْ مادَّةٍ تمنعُ القاضِى منْ إصدارِ عُقوبةِ الإعدامِ على الجانى الَّذى عَفَا عنْه أولياءُ الدَّمِ.

3- توجيهِ فضيلتِكُمُ المُستمِرِّ لإيجادِ مَخرَجٍ يُشجِّعُ النَّاسَ على قبولِ التَّصالُحِ، ويُوقِفُ تسلسُلَ القتلِ بينَهم، فى ضوءِ أحكامِ شريعتِنا الغرَّاءِ.

 لهذه الاعتباراتِ تُقدِّمُ اللجنةُ لفضيلتِكم مُقترحًا بإضافةِ مادَّةٍ فى قانونِ العُقوباتِ تمنع معاقبة الجانى بالإعدامِ متى عفا عنه أولياء الدم أو بعضهم ، آملِينَ منْ فضيلتِكم عَرْضَ هذا المُقترحِ على السَّادةِ أصحابِ الفضيلةِ أعضاءِ هيئةِ كبارِ العُلماءِ؛ لاتِّخاذِ ما تراه الهيئةِ مُناسِبًا فى هذا الشَّأنِ.

معَ خالصِ الشُّكرِ والتَّقديرِ

  أ.د/ عباس شومان

رئيس اللجنة العليا للمصالحات الثأرية.

وبعد تقديم هذا الخطاب إلى فضيلة الإمام الأكبر أشَّر عليه بالعرض على هيئة كبار العلماء، وفى الجلسة التى عقدتها الهيئة برئاسة فضيلة الإمام فى يوم الثلاثاء 17/12/2024م الجلسة رقم 78، ناقشت اللجنة الموضوع والمذكرة التى أعدتها اللجنة العليا للمصالحات بالتأصيل الشرعى المفصَّل للموضوع، وافقت الهيئة بالإجماع على المقترح، وفور انتهاء اجتماع الهيئة أُعِدَّ خطاب موجه إلى السيد المستشار رئيس مجلس النواب المصرى، وقع عليه فضيلة الإمام الأكبر يفيد سيادته بما انتهت إليه هيئة كبار العلماء من الموافقة على المقترح المقدم من رئيس اللجنة العليا للمصالحات، بشأن تخفيف عقوبة الإعدام عند التصالح من الناحية الشرعيَّة، وأن ما انتهت إليه هيئة كبار العلماء قد يرى مجلس النواب النظر فيه أثناء مناقشة تعديل قانون الإجراءات الجنائية، كما تم التأكيد وتضمين رأى هيئة كبار العلماء لاحقا حين أرسل مجلس النواب مشروع القانون إلى مشيخة الأزهر كما ينص الدستور، وفى يوم الثلاثاء الموافق 25 /2/2025م انتهى مجلس النواب من إقرار تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، وجاء فيه: [مع عدم الإخلال بسلطة رئيس الجمهورية فى العفو عن العقوبة أو تخفيفها، يجوز لورثة المجنى عليه أو وكيله الخاص إثبات الصلح فى أية حالة كانت عليها الدعوى إلى أن يصدر فيها حكم بات، فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد 213، 223، 234، 235، 236 الفقرتين الأولى والثانية من قانون العقوبات، ويترتب على الصلح فى هذه الحالة تخفيف العقوبة وفقا للمادة 17 من قانون العقوبات].

وتُعد موافقة مجلس النواب على تخفيف العقوبة فى حال التصالح إنجازًا سيدفع بكل تأكيد أعمال اللجنة العليا للمصالحات الثأرية التى أَشْرُفُ برئاستها دفعةً كبيرةً؛ حيث سيقبل الناس على التصالح من باب إنقاذ المتورطين فى ارتكاب جرائم القتل العمد من الإعدام متى قَبِلَ أولياء الدم الصلح اختيارًا، سواء أكان الصلح والعفو مجانا بلا مقابل أم كان على تعويض مالى أم أدبى يقبله أولياء الدم، وهذا بكل تأكيد يضيِّق دائرة الثأر ونأمل أن يقضى عليها بالكلية، مع وجوب تأكيد أن فتح الباب للتصالح بين الناس فى جرائم القتل لا يعنى إسقاط العقوبة عن الجانى حتما، بل تبقى سلطة القضاء فى معاقبته بأى عقوبة تراها غير عقوبة الإعدام، وكذا يجب التنبيه على أن فتح الباب للعفو لا يعنى حتما تخفيف العقوبة أو العفو عنها، فقد يرفض أولياء الدم قبول التصالح، أو يقبلونه على بدل مالى لا يقوى عليه الجانى أو عائلته، وهنا يبقى الإعدام هو المصير الحتمى للجناة، ولذا فإن البعد عن ارتكاب الجرائم بكل أنواعها يبقى السلوك الواجب اتباعه من الناس كافة.

 وفى هذا المقام يكون من الواجب تقديم الشكر إلى فضيلة الإمام الأكبر، وهيئة كبار العلماء، والزملاء فى اللجنة العليا للمصالحات، ثم الشكر والتقدير إلى مجلس النواب رئيسًا وأعضاء على هذا الإنجاز الكبير، الذى يدعم السلام والأمن المجتمعى ، وهو ما يدعم جهود التنمية فى مصرنا الحبيبة، وغاية الأمانى أن نرى مصرنا بلا ثأر لتنطلق جهود التنمية والانطلاق نحو المستقبل.
 

د.عباس شومان

 الأمين العام لهيئة كبار العلماء

 رئيس مجلس إدارة المنظمة العالمية لخريجى الأزهر

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2025 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg