| 29 مارس 2024 م

حوار مع

د. هشام قريسة.. رئيس جامعة الزيتونة بتونس: تخريج طبيب ملم بأحكام الشرع .. "سبق" للأزهر

  • | السبت, 9 سبتمبر, 2017
د. هشام قريسة.. رئيس جامعة الزيتونة بتونس: تخريج طبيب ملم بأحكام الشرع .. "سبق" للأزهر
د. هشام قريسة.. رئيس جامعة الزيتونة بتونس

قال الدكتور هشام قريسة رئيس جامعة الزيتونة بتونس فى حوار خاص لـ"صوت الأزهر" إن التعليم الدينى فى العالم الإسلامى يحتاج إلى تأمل وتوقف ومراجعة كما يحتاج إلى رجال دين مخلصين لهم علم حتى يضعوا أسس المعرفة الصحيحة الهادية إلى وحدة الأمة وتقدمها ونهضتها.

وأضاف أننا نحتاج إلى طبيعة سمحة وسجية صابرة تقبل الآخر ولا تكيل الاتهامات قبل احتياجنا إلى المعارف والعلوم، مطالبا بتجنيد كل أفراد ومؤسسات الأمة كل بحسب طاقته.. لنشر الثقافة الدينية وجعلها تشكل وجدان الأمة وسلوكيات أفرادها.

 توسعت جامعة الأزهر بدراسة الدراسات العلمية فى حين مازالت جامعة الزيتونة مقتصرة على العلوم الشرعية.. ما رؤيتكم لذلك؟ وهل هناك خطة لإضافة دراسات علمية بها؟

رأيى الشخصى أنه لا مانع من دراسة الدراسات العلمية إذا كان القائمون عليها مختصين، فكلية الطب جامعة الأزهر إذا ما أشرف عليها المختصون فى الطب فهذا به فائدة كبرى للمجتمع الذى يستفيد من هؤلاء مستقبلا وهكذا لباقى الكليات، ونحن فى جامعة الزيتونة عرضنا فى بداية الاستقلال أن تبقى دراستنا فى العلوم الدينية والشرعية حتى يكون أدعى إلى القيام بدورها على أكمل صورة لأننا لا نحتاج إلى التوسعة إذا كانت الإمكانيات محدودة ونترك المجالات الأخرى لجامعات العلوم ليقوموا بهذا الدور.

ولا توجد نية فى هذا الوقت لإدخال الدراسات العلمية بجامعة الزيتونة لأن هذا متصلا بمدى حضور الدين فى المجتمع وبقوة ويكون هناك من يؤمن بالمشروع الإسلامى على مستوى المديرين وواضعى البرامج والإعلاميين.. وأرى أن جعل البرامج خادمة للفكرة الإسلامية كتخريج طبيب مسلم يكون ملما بالمواد الشرعية هذا مفيد وجيد وهذا سبق فى مصر والأزهر ولكن الزيتونة فيها فصل بين الدراسات الشرعية والعلوم العلمية لكن نطمح إلى إدخال بعض المواد المهمة كالأخلاق والتربية فى هذه الكليات العلمية لأنها تخرج الطبيب الصادق والمهندس الأمين والكيميائى النافع وهذه المبادئ يفعّلها المجتمع ونحن ننتظر طلب المجتمع التونسى لهذا الدور بخلاف لو قدمناه قد يهمش أو لا يستجاب له لكن بعد بناء القاعدة الدينية ويؤسس هذا من خلال المسجد الذى يأتيك فيه الطبيب والمعلم والمهندس وكل فئات المجتمع.

البعض يرجع الأحداث التى تعج بها المنطقة من تطرف وإرهاب وقتال وتفكك إلى جمود التعليم الدينى وعدم مواكبته للمستجدات.. نود التعليق.

التعليم الدينى فى العالم الإسلامى يحتاج إلى تأمل وتوقف ومراجعة كما يحتاج إلى رجال دين مخلصين لهم علم حتى يضعوا أسس المعرفة الصحيحة الهادية إلى وحدة الأمة وتقدمها ونهضتها.. وبتدهور التعليم يتدهور المستوى الحضارى للأمة وكذلك بتطوره وتحسنه وبنائه على أسس صحيحة ينعكس إيجابيا على مستوى الثقافة والحضارة الإسلامية والإنسانية على السواء فأوروبا لما أسست المعرفة على أسس عقلانية ومنطقية وعلمية صحيحة أفرز ذلك نهضة علمية عظيمة فى القرنين التاسع عشر والعشرين وما بعد ذلك لذلك اعتبر القرن الثامن عشر فى أوروبا قرن التنوير لأن هناك مفكرين كبارا فى أوروبا من امثال روسو وفولتير وكانت وهيجل وغيرهم فى مستويات مختلفة فى علم الاجتماع وعلم الفلسفة والتاريخ أسسوا لحضارة مبنية على المعرفة وعلى عقد اجتماعى فى كيفية تعايش الناس مع بعضهم وكيف يخدمون ويحترمون بعضهم وكيف تكون العلاقة الدستورية بين الحاكم والمحكوم والتجانس بين ما يفعلون وما يعتقدون وبين ما يعيشون هذا كله تأسس فى بداية الحضارة الغربية لكن المشكلة فى العالم الإسلامى تتلخص فى الأمر الأول وهو أنه ليست هناك إرادة صحيحة لتكوين معرفة صحيحة والأمر الثانى أن كل شخص يؤمن فى قرارة نفسه أنه على الحق وان ما عند الآخرين هو الباطل، بالإضافة إلى عدم الاندماج فى فكر متجانس ومتلائم مع ديننا وهويتنا وحضارتنا على عكس أوروبا هناك التجانس بين ما يفعلون وما يعتقدون وبين ما يعيشون.. وهذه الاختلافات التى نشأت عندنا منها العقائدية والفكرية والكلامية غطت على كل جوانب الحياة فأصبحنا لا نتناقش إلا فى المسائل الجدلية ونختلف على أتفه الأسباب ومن أول الكلام يبدأ السباب والحوار بدون هدف للنقاش.

من وجهة نظرك، ما آداب الخلاف وما طريقته ومعالجته فى الفكر الإسلامى؟

طريقة الخلاف لدينا حتى عند من له علم أظهرت أننا ليس عندنا من تقاليد فى الاحترام وهذا يرجع إلى طبيعة هذا الجنس من البشر ذى الطبيعة المتشنجة والمتكبرة والتى تتسم بالأنانية والاستعلاء فلا تجد المتحاور يكمل فكرته حتى تجد الذى يناقشه يرى الحق ولكنه لا يريد أن يسلم به فالغضب والانفعال وعدم الاستماع للآخر من الحماقة ونتاج لهذه الطبيعة وسبب ذلك أن ثقافة الحوار لم تغرس فيه منذ الصغر ولم ير هذا التحاور بين الأبوين فهو يرى الأب الذى يضرب أمه والأم التى تصيح.. وليس هناك استماع للآخر وهناك النرجسية فى تقديس الذات وكل إنسان يتصور أنه أعلم من الآخر فقد تجد جاهلا يحاور عالما والجاهل يصف العالم بأنه على باطل وهناك شباب كثير بدون علم لا يعجبهم علماء كبارا ويصفونهم بأقبح الألفاظ ليس لمجرد شىء ولكن لجهلهم وقلة علمهم ونحن نحتاج إلى آداب وإلى طبيعة سمحة وسجية صابرة تقبل الآخر لا تكيل الاتهامات قبل احتياجنا إلى المعارف والعلوم.

يطالب الكثير بنشر الثقافة الدينية للتيسير على الناس فى عبادتهم ومنها الحج ولكن المطالبة بالثقافة بدون تعليم تحدث إشكاليات.. كيف نثقف المسلم وهو ليس متعلما؟

ثقافة المسلم بصفة عامة متكاملة فالحج ليس فى أداء المناسك أو تعلمها فهذا سهل لأنه بحضوره إلى المكان سوف يتعلم ولذلك قال سبحانه وتعالى «ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس» لكننا مطالبون بثقافة أخلاقية وآداب مثل عدم التدافع والتزاحم وألا يكون هناك رفث أو فسوق أو جدال وهذا ما يتعلمه المسلم من بيئته فمن يفتقد هذه الآداب فى بلده كيف يطبقها فى بلد آخر؟.

العلم أساس نهضة الأمة الذى جعل لها مكانة بين الأمم وعندما تأخرت فى العلم تدهور حالها.. ما تعليقكم؟

الأمة الإسلامية هى من حملت رسالة الله إلى العالمين لكن كان هناك إمكانية أن تصبح أمة قارئة ومنتجة للعلم وللمعرفة وكان هذا ممكنا بأخلاقها لكن عندما انحرفت الأخلاق والآداب والأمة أكثرها أميون ضاع العلم والمعرفة فالعلم دائما يحتاج إلى أخلاق وآداب «فالمعرفة خلق» ومن لا يلتزم بالآداب الحميدة والأصول القويمة لا يركز على العلم والأجيال تسلم بعضها وهناك الكثير من المعرفة تقوم على الدجل والخرافة ولم تعد المعرفة هى معرفة الواقع وإنما معرفة الغيبيات وهذا ليس من طريق الإيمان والحق ولكن من طريق الباطل وانتشار القصص الباطلة والإسرائيليات فى كتب التفسير أفسدت علمنا واحتلت قلوبنا قبل بيوتنا وديارنا بنشر هذه الخرافات وتمكنوا من ثقافتنا وغيرتها.

هل يعنى هذا أن العالم الإسلامى مخترق فى التعليم أو هناك من يتعمد وضع سياسات معينة للتعليم فى عالمنا؟

هناك الكثير من المندسين الجهال الذين رسموا سياستنا ولا يؤمنون بثقافتنا، تربعوا ليسطروا لنا ثقافتنا، وهناك كثير من المتعالمين بمعنى المتظاهر بالمعرفة وهذا استطاع بطرق ملتوية ومنحرفة أن يجذب إليه العامة لأن قصده ليس التعليم وإنما تحقيق شهوات الدنيا من أن يتمكن من أن يحكم ويسيّر الأمور، مع العمل على تغييب أهل العلم الصادقين.. وعندنا مشكلة فى مناهج العلم وهى كيف نجعل العلم الشرعى متصلا بواقعنا وفيه مصلحة الخلق والنظرة العلمية الحديثة؟ فهناك من يحفظ كتبا قديمة ويكررها ويردد أقوالا دون الاستفادة منها فعلماء السلف الصالح عندما نقلوا عن الصحابة اعترضوا على شىء منها وأضافوا وأفتوا وعاشوا عصورهم واجتهدوا فى القضايا الجديدة.

من وجهة نظركم ما مسئولية المؤسسات الدينية والإعلام فيما يقدم على الساحة الآن وما وصلنا له؟

لو ألقينا هذه المسئولية على مؤسسة دون غيرها لأرهقها ذلك وكلفها حملا عظيما لأن حمل الأمة لا يحمله أفراد ولكن تحمله الأمة فلابد على كل إنسان أن يحمل بضاعته، فالأمة جميعها عليها مسئولية نشر الثقافة الدينية وجعلها تشكل وجدان الامة وسلوكيات أفرادها بمعنى أن يتجند جميع الأفراد والمؤسسات- كل بحسب طاقته- لهذا الهدف النبيل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» فهذه مسئولية عامة وشاملة على الجميع.

مصطفى هنداوي

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
5.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg