| 17 مايو 2024 م

حوار مع

يهود ما قبل إسرائيل.. كيف تحولت المواطنة لعداء؟!

  • | الخميس, 18 يناير, 2018
يهود ما قبل إسرائيل.. كيف تحولت المواطنة لعداء؟!

كان اليهود يعيشون مع العرب ضمن نسيج واحد فى مختلف بلاد الشرق الأوسط، قبل أن تبدأ الصهيونية فى مخططها الذى حرض اليهود على الهجرة، وجعلهم يطمعون فى وضع «أفضل» فى «أرض المعاد»، وبالرغم من أن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية كانت مستقرة إلى حد كبير فى مصر والعالم العربى طوال الفترات السابقة للنشاط الصهيونى، وكان وجودهم ضمن النسيج الوطنى يحميهم من أى عنصرية، إلا أنه بعدما بدأت الحركة الصهيونية فى تهجير اليهود لفلسطين، وعملت العصابات اليهودية على تحويل الأراضى الفلسطينية إلى مستوطنات لهم، فضلاً عن المجازر والحروب التالية، اهتز هذا النسيج المتماسك، وبدأ اليهود العرب فى الهجرة إلى الدولة الوليدة وأصبح الصهاينة يكيدون للعرب أشر كيد، ويتعاملون معهم على أنهم العدو اللدود...

عاش اليهود فى مصر قبل احتلال فلسطين جزءا من النسيج الوطنى إلى جانب المسلمين والأقباط وكانت علاقاتهم طبيعية مع المجتمع المصرى فكان منهم العمال والصناع ورجال الأعمال وغيرهم، وكان من أشهر رجال اليهود فى مصر حسبما ذكر المؤرخ جوئل بنين فى كتابه «شتات اليهود المصريين»، عائلتى سوارس وقطاوى، وكانا قد دعما طلعت حرب الذى كان يعمل لديهما فى أول الأمر، وكان يوسف أصلان قطاوى، ويوسف شيكوريل، شريكين لطلعت حرب فى عضوية اللجنة التنفيذية لغرفة التجارة المصرية ولجنة الصناعة والتجارة، وأيضاً عندما قام طلعت حرب بتأسيس بنك مصر عام 1920 انضما إليه بصفتهما مديرين مؤسسين للبنك.

وكانت عائلة قطاوى تربطها صلات وثيقة بالأسرة المالكة وأيضاً بالزعماء السياسيين، فحصل يوسف أصلان على الباشوية عام 1912، وعيّن فى البرلمان عن دائرة كوم امبو عام 1915، وأيضاً عيّن وزيراً فى حكومة زيور باشا عام 1924، وتم إجباره على الاستقالة بعدها لأنه كان على علاقة قوية بسعد زغلول زعيم الحزب الذى كان معادياً للملك وقتها، ورغم ذلك تم تعيينه مجدداً فى مجلس الشيوخ عام 1927، وبعد تقاعده، عيّن الملك ابنه أصلان بدلاً منه، أما ابنه رينيه فتولى رئاسة الطائفة اليهودية حتى عام 1946، وكان من أبرز دعاة تعريب وتمصير الطائفة اليهودية، وكذلك من أبرز المعارضين للحركة الصهيونية ورافضاً لحركة هجرة اليهود إلى فلسطين، حيث أرسل مذكرة إلى اجتماع المجلس اليهودى العالمى بأمريكا عام 1944 مع إدوين جور نائب رئيس الطائفة اليهودية بالإسكندرية، حاولا فيها إثبات أن فلسطين لا يمكن أن تستوعب عدد اليهود المهاجرين إليها. وأيضاً دارت بينه وبين ليون كاسترو مراسلات عديدة يطالبه فيها بإغلاق المعسكرات التى تديرها حركات الشباب الصهيونية، ولأنه لم يستطع أن يفرض إرادته على مجلس الطائفة، استقال فى النهاية، وهو ما يظهر أن هناك جانباً ليس صغيراً من اليهود المصريين يؤيد وبشدة الحركة الصهيونية، بل وينتمى إليها رغم ضعفها فى مصر.

أما عائلة شيكوريل، فبدأت بمجئ مورينو شيكوريل إلى القاهرة من إحدى ولايات الدولة العثمانية فى منتصف القرن التاسع عشر، وكان يعمل بمحل خردوات فى الموسكى حتى بدأت سلسلته التجارية بشراء هذا المحل من صاحبه اليهودى، وعندما جاء ابنه يوسف شيكوريل تولى معه إدارة المحال التجارية، وكان عضواً فى غرفة التجارة بالقاهرة، وعضواً مؤسساً فى مجلس إدارة بنك مصر. وتطورت متاجر شيكوريل لتصبح أكبر وأحدث سلسلة تجارية فى مصر، ولكن أثناء العدوان الثلاثى على مصر تم وضع الشركة تحت الحراسة القضائية، مما جعل عائلة شيكوريل تبيع أسهمها لمجموعة جديدة يرأسها مصريون مسلمون، وغادرت العائلة مصر عام 1957 إلى فرنسا. ويذكر المؤرخ هنا أن أغلب صفوة اليهود الذين كان بإمكانهم اختيار البلد الذى يهاجرون إليه هاجروا إلى أوروبا وأمريكا لا إلى إسرائيل.

وحول طبيعة حياة اليهود فى المجتمعات العربية يقول الدكتور طه أبوحسين أستاذ الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، إن حياة اليهود فى الدول العربية، وخاصة فى مصر، كانت حياة تدعو للاستقرار والاستمرار، ولكن تم تهجيرهم عن عمد ليستوطنوا فى فلسطين، وإن كانت هذه فكرة افتراضية فهى محققة ومؤكدة بنسبة 90%، موضحاً أن اليهود فى مصر كانت لديهم شركات ضخمة وناجحة كريفولى وعدس وشيكوريل وعمر أفندى وصيدناوى وغيرها، ولكن رغم ذلك هاجروا أو تم تهجيرهم، ويقول: «تم إخراج اليهود بطريقة خائنة للمصريين والعرب ليس لليهود».

ويضيف أبوحسين، أن ذلك التهجير دعمته بعض الحكومات العربية، ونتج عنه أنهم أظهروا للشعوب العربية وطنيتهم بأنهم قاموا بإخراج اليهود المجرمين من بلادهم، ولكنهم من ناحية أخرى دفعوهم دفعاً للاستيطان فى فلسطين من خلال العصابات اليهودية التى ذهبت إلى فلسطين لتكوين جيش شعبى للانقضاض على الدولة الفلسطينية، وكان هذا مخططاً فى المؤتمرات التى تم أقامتها الحركة الصهيونية فى 1907 و1917 و1927 و1937، ثم كانت اللحظة الفارقة فى العام 1948 بعد إعلان دولة إسرائيل.

كما يحكى رواية أحد الضباط الذين تم أسرهم خلال حرب 67، بأنه التقى فى أحد معسكرات اليهود بضابط يهودى تعرف هو عليه، كان مهندساً زراعياً، ثم اكتشف أنه كان زميله فى المدرسة الإعدادية بحى الضاهر. مؤكداً على أن اليهود استطاعوا العيش فى مصر وسط سكانها دون أى عنصرية.

ويؤكد المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، أن اليهود العرب كانوا ينتشرون فى الأقطار ويعيشون بين شعوبها، تربطهم علاقات مواطنة وصداقة وتجارة وصناعة، وكانت أبرز الدول العربية التى عاش فيها اليهود وربطتهم علاقات ود بين شعبها هى مصر، التى أسسوا فيها شركات تجارية كبرى بعضها لها فروع فى الدول العربية الأخرى، وتعامل معهم التجار العرب، وكانوا يتركزون بين القاهرة والإسكندرية، ولكن بعد أن تبنى الغرب مبدأ وطن واحد يجمع اليهود، وظهر وعد بلفور، بدأت تلك العلاقات تتحول من المواطنة إلى العداء الشديد، خاصة بعدما ظهرت دولة الاحتلال الإسرائيلية على الأراضى العربية، وبدأت هجرة اليهود من كل دول العالم إلى الدولة الجديدة، المقامة على الأرض العربية.

وأوضح الدسوقى، أن العلاقات بين العرب والمسلمين مع اليهود وصلت إلى مراحل متقدمة قبل احتلالهم لأرض فلسطين العربية، مشيراً إلى الحادثة التى استعان فيها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ببعض اليهود المصريين الشيوعيين الذين يعيشون فى أوروبا بالوساطة بين مصر وفرنسا، وكانت تربطهم علاقة وثيقة ببعض القادة السياسيين فى فرنسا، منوهاً إلى أن يهود مصر قبل وجود إسرائيل كانوا يعدون جزءاً لايتجزأ من الشعب المصرى باعتبارهم طائفة من الطوائف المصرية، ولم يحدث للمصريين اليهود أبداً أى اضطهاد فى مصر، بل هاجر بعضهم من تلقاء نفسه إلى أوروبا، وهناك عانوا الأمرّين لأن أغلبهم كانوا مضطهدين من الحكام الأوروبيين، مؤكداً على أن هذا الاضطهاد هو الذى دفع «تيودور هيرتزل» الذى كان يعيش فى ألمانيا بأن يفكر فى إنشاء وطن واحد لليهود، ودعم حكام أوروبا المشروع للتخلص من اليهود، وهو ما لم يحدث فى مصر، وحتى الآن يعيش مصريون يهود بمصر، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات كمصريين.

ولفت إلى أن وعد بلفور صدر فى 2 نوفمبر عام 1917، ولكن لم يتم تطبيقه إلا فى عام 1948، ومنذ هذا التاريخ بدأ العداء وتحولت العلاقات اليهودية مع العرب إلى حالة عداء شديد، حيث بدأ يهود أوروبا فى الوقيعة بين اليهود المصريين والعرب. وأبرز أستاذ التاريخ الحديث أن العرب بدورهم بادلوا اليهود العداء الذى بدأوه، مشيراً إلى أن قيام دولة الاحتلال الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية بعد إقرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، الأمر الذى قوبل بالرفض من كافة الشعوب العربية، وتحولت العلاقات إلى عداء كامل، سعى خلاله اليهود لبسط نفوذهم ودولتهم، وشنوا حروباً على الأردن وسوريا ومصر لتوسيع دولتهم، كما سعى اليهود فى إسرائيل لتوسيع حدودهم بالقوة على حساب الشعوب العربية فاحتلوا العديد من المناطق الفلسطينية.

من جانبه، قال الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية والخبير فى الشئون الإسرائيلية، إن العداء اليهودى العربى جاء بعد إقامة الدولة الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية بموجب وعد بلفور الذى منح ما لا يملك لمن لا يستحق، مشيراً إلى أن من قاد العداء بين اليهود والعرب هم اليهود المتطرفون من أوروبا والمعروفين باسم الأشكيناز، وكانوا ينظرون لليهود العرب على أنهم يهود درجة ثانية، وتبنوا إقامة الدولة الإسرائيلية على الأراضى العربية، وحاولوا استقطاب كافة الطوائف اليهودية للهجرة إلى الدولة الإسرائيلية فى أعقاب إنشائها، الأمر الذى عانى منه العرب كثيراً بسبب الأعمال الهمجية الإسرائيلية على مر السنوات، وما زالت، مبيناً أن اليهود الأوروبيين حاولوا استقطاب اليهود العرب عقب تلك العلاقات المضطربة، وصار العداء للعرب منهجاً إسرائيلياً يدرس لكل اليهود المهاجرين إليها.

ويفند الدكتور ياسر طنطاوى الخبير فى الشئون الإسرائيلية الفلسطينية بمركز الأهرام للدراسات، أسباب العداء اليهودى للعرب، مبيناً أن أبرز تلك الأسباب إقامة الدولة الإسرائيلية فى فلسطين، وتقسيم دولة فلسطين العربية، ما أثار الشعوب العربية، ومن هنا بدأ ما عرف بالصراع الإسرائيلى العربى، منوهاً إلى أن العداء تطور وأصبح صراعاً، خاصة فيما يتعلق بالقضايا التى تخص الشعوب العربية، وصار الصراع يشكل المهمة الأولى على أجندة الشعوب العربية والاحتلال الإسرائيلى.

وتابع الخبير فى الشئون الإسرائيلية والفلسطينية، بأن من ضمن أسباب العداء اليهودى العربى تحول الصراع فيما بينهما إلى صراع دينى من خلال محاولة استيلاء إسرائيل على المقدسات العربية، ونعنى هنا القدس الشريف، فإسرائيل تحاول إقناع العالم بأن لها أحقية دينية وتاريخية فى القدس، وتحاول فرض سيطرتها على القدس الشريف، وتسعى إلى تدمير الهوية العربية والإسلامية فيه، ومحو أى آثار إسلامية أو عربية بالقدس، مشدداً على أن قضية القدس أصبحت السبب الأول للصراع والعداء اليهودى العربى منذ قيام دولة الاحتلال الإسرائيلية.

حسن مصطفى

آمال سامي

طباعة
Rate this article:
4.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg