تعرضت مصر - ولا تزال - شعبا وجيشا ورئيسا فى الفترة الماضية إلى هجمة شرسة، كذبا، وزورا وبهتانا، تنال من جيشها، وقائدها، بهدف إثارة البلبلة، وإحداث القلاقل بين جموع الشعب المصرى، من أجل العودة إلى نقطة الصفر من جديد على النحو الذى وصلت إليه مصر فى 2011 م، وهذا لن يكون أبدا، لأن الشعب المصرى، وعى الدرس، وسقطت أقنعة الكذب والخيانة التى يتشح بها الخونة والكذبة من جماعات الإفك والضلال، ولن تجد معه هذه المحاولات شيئا.
عاشت الجماعات الإرهابية حينا من الدهر فى مصر وخارجها تتشح بالمظلومية، وتتسربل بعباءة الدين، زاعمة - على خلاف الحقيقة - رغبتها فى إصلاح المجتمع، وإقامة حكم إسلامى رشيد، على غرار حكم الخلافة الذى جرى به تاريخ الإسلام فى الماضى البعيد.
والحق أقول إن هذه الجماعات بشعاراتها المزعومة، ودعواتها الباطلة، لم ترد إلا تحقيق مآربها، وأهدافها، التى صنعت من أجلها، متخذة فى سبيل ذلك من كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة سبيلا للوصول لغاياتهم وأهدافهم الخبيثة التى تتمثل فى إسقاط الوطن، وتفتيت لحمته، والتعاون مع أعدائه فى الداخل والخارج من أجل الوصول لهذا الهدف.
إن النظرية الميكيافيلية والتى تقوم على أن الغاية تبرر الوسيلة، هى نظرية يتبعها وينتهجها رجال هذه الجماعات، فالمهم هو الوصول إلى الهدف، أما الوسيلة أو الطريقة التى تقود إلى تحقيق الهدف فلا ينظرون إلى مدى كونها مشروعة أم لا، حلالا أم حراما، فكل ذلك يتم غض الطرف عنه، وهذا أحط ألوان التعامل الإنسانى فى هذه الحياة، فهناك من يسخر الدين، ويطوعه لتحقيق هذه المآرب، بفتاوى ضالة، تستبيح الدماء والأعراض والأموال.
من مظاهر النظرية الميكيافيلية التى ينتهجها أعداء الوطن تكفير المجتمع وأهله، ووصمه بالجاهلية، والنتيجة الحتمية لهذا الفتاوى الضالة المضللة التى تصدر عن كبرائهم وشيوخهم، هى استحلال الدماء، واستحلال التخريب، واستحلال الأموال والأعراض، فباسم الدين يتم قتل النفوس التى حرم الله قتلها إلا بالحق، والتى جعل الحق سبحانه وتعالى المساس بها بمثابة إهلاك للبشرية كلها، قال تعالى: «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً».
إن أعداء الإنسانية، وأعداء الوطن، مدججون بقوى بشرية، وقوى مالية، وإعلامية، محلية ودولية، وينطلقون بكل قوة لتشويه من يريدون، وإلصاق التهم به، وهذه إحدى الحروب القذرة التى يسلكها هؤلاء المفسدون، لمن لا يوافقهم الرأى ويخالفهم فى الفكر والتوجه، ثم ما يلبثون أن ينطلقوا كالببغاوات، فى تنفيذ مخططاتهم، وتشويه مخالفيهم، ونثر الشائعات حولهم، بكل الوسائل دون نظر إلى كونها مشروعة أو لا، ودون نظر إلى إعمال العقل والفكر فيما يرددون، فالمهم هو تنحية من يقف بوجههم عن الطريق أو الحياة إن استطاعوا، بالتشوية تارة، أو بالقتل تارة أخرى، وللأسف قد يجدون من يصغى إليهم فى بعض الأحيان؟! دون تبين مع أن الحق سبحانه وتعالى أمرنا بتبين خبر الفاسق فى قوله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».
فى هذا الظرف الدقيق من تاريخ مصر، والذى يتعرض فيه الوطن لحرب شاملة، بهدف إسقاطه، بل وجعل أهله شيعا وأحزابا، ونشر الفوضى بينهم، أدعو جموع الشعب المصرى الأصيل، إلى الوقوف جنبا إلى جنب، فى تلاحم تام، وتماسك قوى، خلف الوطن وقادته، وحماته من رجال الجيش العظام، ونبذ كل خائن معتد لا ولاء له لوطن ولا دين، وتقزيم أمثال هؤلاء الخونة، حتى تمخر سفينة الوطن عباب الأمواج المتلاطمة، وحتى نخرج من هذه المرحلة أكثر قوة، وأكثر تماسكا، وحتى تظل مصرنا الحبيبة عصية على هؤلاء المفسدين، أبية قوية على كل خائن، حانية على أبنائها المخلصين الذين يعشقون ترابها، ويضحون بأرواحهم من أجله.
حفظ الله مصر.. حفظ الله الجيش
بقلم: أ.د. عبدالحليم منصور
أستاذ الفقه المقارن
وعميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر.