سوف تظل الآية السادسة من سورة الحجرات فى القرآن الكريم، هى التعبير الأكثر بلاغة فى التعامل مع الشائعات التى يمكن أن يسمع بها الإنسان فى حياته، أو يتلقاها، أو يكون شاهداً على تداول الناس لها، أو يكون طرفاً مباشراً فيها!
فالآية الكريمة تقول: «ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»!
والمعنى أن كل واحد فينا يمكن أن يتلقى خبراً من الأخبار، ويمكن أن يتابع خبراً يتداوله الذين هُم حوله وفى مجتمعه، فيشاركهم تداول الخبر دون أن يتيقن مما إذا كان خبراً صحيحاً أو غير صحيح، ودون أن يتأكد مما إذا كان الخبر صادقاً وبعبر عن حقيقة، أم أنه زائف، وكاذب، ومختلق!
ولا يطلب القرآن ممن يتلقى خبراً فى أى وقت، سوى أن يتقصى حقيقته، وسوى أن ينظر فيما إذا كان خبراً يجوز تداوله، وترديده، ونقله إلى الآخرين، أم أن نقله، ونشره، والسعى به بين خلق الله، يمكن أن يضر أكثر مما ينفع بكثير؟!
ولا تزال قصة الفيل والعميان معبرة عن بعض هذا المعنى!
فلقد جاءوا بالفيل إلى مجموعة من العميان، وطلبوا من كل واحد منهم أن يلمسه، ثم يصف شكل الفيل فى خياله بعد أن لمسه وتحسسه بيده!
فكان الذى لمس ساق الفيل يقول إنه تحسس شيئاً يشبه جزع الشجرة، وكان الذى لمس خرطومه يقول إنه لمس شيئاً رخواً ضخماً طويلاً، وكان الذى وضع يده على جسده يشهد بأنه وضع يده على شىء ضخم لا يعرف أوله من آخره، وكان الذى لمس ذيله يتحدث عن شىء جاف وقصير!
وهكذا.. وهكذا.. ولو أنت جمعت ما وصفوه معاً، فلن يتجمع لديك مايشير إلى أنهم يتكلمون عن فيل، ولا حتى عن شىء يشبه الفيل!
فكل واحد تحدث عن جزء أحس به، وكل واحد أحس بشىء مخالف لما أحس به الآخرون، وكانت الحصيلة فى النهاية أن الحقيقة تاهت بينهم جميعاً، وأنهم راحوا يتحدثون عن أشياء متفرقة، وعن أشياء مختلفة عن بعضها البعض، وليس عن الفيل الذى نعرفه!
وكانوا وكأنهم يرددون شائعة عن شىء يشبه الفيل، وليس عن فيل من لحم ودم، ولا عن فيل من الأفيال التى يعرفها الناس!
وهذا بالضبط ما نهت عنه الآية الكريمة.. لقد نهتنا عن أن نتحدث عن شىء لا نعرفه، ودعتنا إلى الحديث عما نعرفه ونكون على يقين من حقيقته!.. حتى لانصيب سوانا بما نفعل ثم نندم على ما فعلنا!.. فقط علينا أن نتيقن ونتأكد وندرب أنفسنا لى ذلك!