انتشر وراج فيديو لسيدة لبنانية مسنة، تخاطب جنديا شابا فى الجيش اللبنانى وتستجير به وبالجيش وتطالبهم بإنقاذ لبنان من الساسة الفاسدين الذين خربوا الحياة فى أجمل بلدان الشرق الأوسط، فتحول بأيديهم إلى بلد فقير يتسول لإنقاذ اقتصاده وتتصارع طوائفه حول الفتات من المصالح المرتبطة بأجندات خارجية فاضحة، ضاعت معها كل طموحات وأحلام الشعب الذى أصيب مطلع الأسبوع الماضى بالرعب بعد سلسلة من حرائق الغابات ناهزت 100 حريق بحسب الدفاع المدنى اللبنانى.
فقد اندلعت مساء الأحد 13 أكتوبر الحالى حرائق رهيبة، وانتشرت على مساحات واسعة فى لبنان وأتت على مساحات كبيرة من الغابات والمناطق السكنية، وكأن الطبيعة تمهد لحرائق أقوى اشتعلت قبل أن ينصرم الأسبوع، حيث عمت المظاهرات والاحتجاجات بيروت وعدة مدن لبنانية مبشرة بثورة لبنانية شعبية على طريقة «ثورات الربيع العربى»، بشبابها وشعاراتها وحيويتها وفرحتها الأولى ثم إحباطها بعد أن تفسدها حيل الساسة وتخربها مخابرات الدولة المتربصة، سيناريو تكرر فى كل بلد عربى، تخرج الشعوب الطيبة فى «مليونيات» تتمنى ثورة للتغيير وتنتهى وثوارها معلقون على المشانق فى كل ميادين التحرير.
تهب الثورات وتنطلق معها الفوضى فى كل مكان، ويعم الهلع فى الشوارع ويقتحم البيوت ويسكن فى النفوس، ويهرول الجميع للجيش ليحتمى به ويتخفى خلفه لمواجهة ما خلفته الثورة. خطيئة الشعوب العربية الثائرة، أنها تطيح فى ثورتها بكل أسس الاستقرار الشكلى الذى رسم خارطة دولها فى إطار حدود، تخرج الشعوب على حكامها ظنا أنها تبنى المجد، فيهدم طوفان أحلامها الهادر كل ما تم إنجازه خلال القرن العشرين من نمط حياة وأسلوب معيشة اعتاده سكان تلك الدول، منذ أن سقط الحكم العثمانى وأعيد تشكيل المنطقة وفق عقيدة «سايكس بيكو» الذى أغلق هذه الحدود على متناقضات كفيلة بتفجيرها فى أى وقت، وفق المنهج التقليدى للاستعمار الذى تجلى أعقاب الحرب العالمية الأولى، واستمر إلى اليوم.
ولكن هل اقتنع الثوار أن الثورات تجبر الشعوب على تسليم البلاد إلى الجيوش؟.
هل آمن الحائرون بأنه لا بديل عن الجيش ليعيد تنظيم أركان الدول المنهارة (أو المتصدعة) وهو احتياج ضرورة لا مفر منه، وتقف الشعوب التى لا تملك جيشا قويا وحيدة تتلاطمها الأهواء وتتسابق عليها الدول الطامعة وتقسمها الصراعات والحروب الأهلية.
نظرة سريعة على خريطة الشرق الأوسط المدرجة بالدماء والممزقة بفعل ربيع العرب وصيفه وخريفه وشتائه، من ثورات واحتجاجات وحركات ومظاهرات، اتفقت جميعها على «الشعب يريد إسقاط النظام»، فسقطت دول وتفككت وأخرى تفتت وشعوبها تشتت، ودول تبخرت وربما دولة (أو اثنتان) تماسكت، لكن الحقيقة المؤلمة أن منطقتنا الغراء فى العراء.. فى مهب الريح..
وبينما الأمطار الغزيرة أنقذت لبنان من حرائق الطبيعة بعد أن فشلت الحكومة والمساعدات الخارجية فى إطفاء حرائق الغابات، والتى استمرت يومين حتى تدخلت العناية الإلهية وأنقذت ما تبقى من لهيب النيران، أما فى السياسة فظنى أن الشعب اللبنانى سينتظر طويلا قبل أن يتدخل القدر ويغير مصيره.. وكل ما نخشاه هو كثرة الطامعين فى لبنان، الجيوش فى محيطه الإقليمى سال لعابها وهى تتابع عبر الفضائيات لبنان - ينتفض، تمنى نفسها بساقط جديد فى حجرها، تلتهمه ثورة شعبه ويلحق بسوريا فى طابور الانكسار المر.
وأخيراً، هل ما زلت مترددا من التمترس خلف جيشك الوطنى؟
ما تبقى من جيوش (حقيقية) فى المنطقة بات يعد على أصابع اليد الواحدة، فإن كنت تنتمى إلى دول هذه (اليد)، فقبل يديك واشكر ربك لأنك نجوت وأهلك من مصير أشقاء وجيران وقعوا فى خدعة أنهم مواطنو دولة يحميها جيش، اكتشفوا ذات صباح أنه ذاب من حرارة أشعة الشمس واختفى.. حفظ الله كل الجيوش العربية وفى مقدمتها الجيش المصرى الباسل.
وحفظ الله شعب لبنان.. مسلميه (سنة وشيعة ودروز)، ومسيحيه (موارنة وأرثوذكس وروم).