| 05 مايو 2024 م

ضد التكفير

علماء الدين: الأزهر ليس جهة حُكم بـ"التكفير"

  • | الجمعة, 12 مايو, 2017
علماء الدين: الأزهر ليس جهة حُكم بـ"التكفير"

المنهج الأزهرى لا يحكم على الناس بالتكفير والردة، لأن رسالة الأزهر بالأساس هى توضيح صفات أصحاب هاتين الصفتين.. هذا ما استقرت عليه مناهجه وقال به علماؤه منذ نشأته لأنه ليس جهة إصدار أحكام بل جهة تعليمية تلزم جميع من ينتسب إليها ألا ينجر فى سجالات حول تلك القضايا حفاظا على دينهم ووطنهم وسمعة مؤسستهم.. والحكم بالردة والكفر شأن القضاء، وحتى بعد صدور الحكم منه بالكفر أو الردة بحكم قاطع لا يجوز أن يقال بأنه حكم الله تعالى بل يبقى فى إطار اجتهاد القضاة.

الدكتور فتحى عبدالرازق رئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة جامعة الأزهر، قال إن قضية التكفير من القضايا الخطيرة فى الفكر الإسلامى، وقد تناولها علماؤنا قديماً وحديثاً، فوضعوا ضوابط التكفير وقواعده، وبينوا أصول الكفر وأسبابه وعلاجه.. والكفر تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فى شىء مما جاء به، وضده الإيمان وهو تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فى كل ما جاء به كما قال الإمام الغزالى، والتكفير الحكم بكفر فرد أو جماعة، ويترتب عليه أحكام شرعية خطيرة فى حق من يقع عليه هذا الحكم.. وسلفنا الصالح وجلّ علمائنا يحذرون من المبادرة إلى التكفير ويحذرون من الحكم بالكفر على من ظاهره الإسلام ويوصون بالتريث فيه، وجاء على لسان علمائنا: الذى ينبغى الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا فإن استباحة الدماء والأموال من المسلمين المصرحين بقول لا إله إلا الله خطأ، والخطأ فى ترك ألف كافر فى الحياة أهون من الخطأ فى سفك دم مسلم، كما أوصى فى فيصل التفرقة بكف اللسان عن أهل القبلة ما أمكن، وقال إن التكفير فيه خطر والسكوت لا خطر فيه.

مؤكداً أن كبار علماء اهل السنة والجماعة ومؤسسى الأشاعرة والماتريدية، وكبار علمائهم لا يكفرون مسلما بذنب من الذنوب، وإن كانت كبيرة إذا لم يستحلها، فقد قال أبوحنيفة فى الفقه الأكبر: ولا نكفر مسلما بذنب من الذنوب، وان كانت كبيرة، إذا لم يستحلها ولا نزيل عنه اسم الايمان، ونسميه مؤمناً حقيقة، وما جاء عن الإمام الطحاوى فى العقيدة الطحاوية وجماهير الأشاعرة عليه مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما».

مضيفا: أن الحكم بالكفر على شخص أو طائفة لا بد أن تتحقق فيه شروط وأن تنتفى موانع، مع قيام الحجة على المحكوم عليه، مع تقدير العذر بالجهل، وهو حكم شرعى كالحكم بالرق أو الحرية فهو يرجع إلى إباحة المال وسفك الدم، والحكم بالخلود فى النار، ومأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية، يدرك بالأدلة الشرعية، وهو يدرك تارة بيقين وتارة بظن غالب وتارة يتردد فيه، وإذا حدث تردد فيه فالواجب الوقف عن التكفير.. ويجب حسن الظن الذى لا يؤدى إلى اغترار والحذر الذى لا يؤدى إلى سوء الظن وحسن الظن غير دافع لما فى نفس الأمر ولا يوجب انقلاب الحق باطلا، والحق أن يحكم على الكلام بأنه صحيح أو فاسد ويترك القائل لحكم ربه ما لم يتعين حكم شرعى فيجب القيام به.

بينما اوضح الدكتور علوى أمين أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف جامعة الأزهر، أن المنهج الأزهرى الذى تربينا عليه ونعلمه لأبنائنا خال مما يروج ضده هذه الأيام من نشر للتطرف والإرهاب والتكفير وقضية تكفير الناس والحكم بالردة لا بد ن تصدر من قاض، فعلماء الأزهر دعاة وليسوا قضاة وأحكام القاضى فى مثل تلك الأمور تستند إلى قوانين وإجراءات أما المنهج الأزهرى وعلماء الأزهر فلا يحكمون بأحكام فى مثل تلك القضايا.

مشدداً على أننا علماء الأزهر ومن خلال منهجه ومن خلال العقيدة الأشعرية نعرف الردة والكفر فقط ولا نحكم على أحد بشىء منهما، فالأزهر يبين للناس صفات المسلم والكافر والمرتد والحكم للحاكم الذى يولى القاضى، وعندنا فى الفقه أن المرتد فى نفسه لا يحارب إلا إذا أعلن الحرب على المسلمين فحينئذ يحارب كمحارب وليس كمرتد والذى يعلن عليه الحرب الحاكم، وكذلك الكافر لا يحارب إلا إذا أعلن الحرب على المسلمين ولا يحارب إلا بأمر الحاكم أيضاً.

فى السياق ذاته، يضيف الدكتور رضا الدقيقى الأستاذ بقسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بطنطا،  أن الأصل فى المسلم الإسلام؛ ولا يجوز إخراجه منه إلا بيقين أقوى من الأصل السابق، والقاعدة التى نُدَرِّسها فى الأزهر وينعقد عليها جماع منهجه أنه: «من ثبت له عقد الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين» لقوله تعالى: «ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا..»، مضيفا: التكفير من مسائل الأسماء والأحكام وهو أحد أبواب دراسة العقيدة فى الأزهر، والزلل فيه خطير، وهو حكم شرعى، فهو حق الله ورسوله، ومرده إليهما، وهو مثل التحليل والتحريم والإيجاب. ولا يجوز أن يكون انفعالا أو ردة فعل، أو انتصارا للنفس فى خصومة أو حوار. وأن هناك فارقا - فى مجال تكفير المسلم - بين تكفير المطلق وتكفير المعين، فالأول هو تكفير الوصف؛ بأن يُحكم على فعلٍ مّا أنه كفر دون النظر إلى فاعل معين، أما تكفير المعين فهو تكفير مُنَزَّلٌ على شخص محدد أو طائفة بعينها أو نظامِ حكمٍ بعينه، فهذا كله يدخل تحت دائرة تكفير المعين، ومثال المعين الذى حَكم الله بكفره: قارونُ وفرعونُ وهامانُ وأبولهب.

مؤكداً أن تكفير المسلم المعين لا يتأتى إلا من هيئات القضاء، فمؤسسة القضاء هى التى تتحقق من وجودِ شروط الكفر لدى هذا المسلم المعين المتهم بالكفر، كما تتحقق من انتفاء موانع الحكم به عليه، والموانع التى تجعلها لا تحكم بكفره هى: الإكراه، وغلبة الفرح، وغلبة الغضب، والجهل أو أن يكون متأولا، فالله تعالى نفى كفر المُكرَه، والنبى صلى الله عليه وسلم نفى الكفر عمن نطق بكلمته تحت ضغط شدة الفرح فى الحديث الذى قال: «اللهم أنت عبدى وأنا ربك» والتمس له العذر بقوله: «أخطأ من شدة الفرح».

منبهاً إلى أن المؤسسة القضائية هى التى تتولى محاولة رد المسلم المتهم بالكفر إلى الحق ورفع الشبهات عنه، ولها أن تستعين فى ذلك بمن تشاء، ولا يجوز أن تكتفى فى تكفير المسلم المعين بمجرد الشبهة والظن أو مطلق التهمة؛ لأنها لا تحكم بالجرم فى ما دون الكفر - من سرقة وزنا وغيرهما - إذا وُجدت الشبهةُ التى تُفسّر لصالح المتهم؛ لقول النبى: صلى الله عليه وسلم ادرؤوا الحدود بالشبهات، فحكم القضاء بتكفيرِ مسلم معين أولى أن يُدرأ بالشبهة لخطورة الحكم ذاته ولخطورة الآثار المترتبة عليه من منع التوريث ومنع استمرار العلاقة الزوجية وعدم الصلاة عليه عند الوفاة.. الخ.

موضحاً أنه بعد حصول الحكم بالكفر من الهيئات القضائية بحكم بات فإنه لا يقال: إنه حكمُ الله؛ بل يبقى حكم القضاة المجتهدين، لحديث النبى: «فإن هم أرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله؛ ولكن أنزلهم على حكمك؛ فإنك لا تدرى أتصيبُ حكمَ الله فيهم أوْلا..» صحيح مسلم. وما دامت ولاية القضاء قد انعقدت على هذا الباب «وهو باب الحكم بكفرِ مسلم معين متهم بالكفر» واختصت به؛ فمن ثم لا يجوز لأى جهة أو مؤسسة أخرى أو فرد أن ينازعها هذا الاختصاص أو يفتئت عليها. والأزهر ليس جهة إصدار أحكام بالكفر على معين بل جهة تعليمية وتلزم جميع منتسبيها ألا ينجروا فى مهاترات من هذا القبيل حفاظا على دينهم ووطنهم وسمعة مؤسستهم.

عاصم شرف الدين

طباعة
كلمات دالة: ضد التكفير
Rate this article:
1.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg