| 16 أبريل 2024 م

ندوة الأزهر الدولية عن "الإسلام والغرب" بحضور رؤساء ووزراء من أوروبا

  • | الخميس, 25 أكتوبر, 2018
ندوة الأزهر الدولية عن "الإسلام والغرب" بحضور رؤساء ووزراء من أوروبا

افتتح فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، أعمال الندوة الدولية التى ينظمها الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، بعنوان «الإسلام والغرب.. تنوعٌ وتكاملٌ»، وذلك بمشاركة عددٍ من المفكِّرين والشخصيات العامة من أوروبا وآسيا، إضافة لنخبة من القيادات الدينية والسياسية والفكرية ورؤساء جمهوريات وحكومات سابقين من مختلف دول العالم.

وبحثت الندوة، على مدار ثلاثة أيام بمركز الأزهر الدولى للمؤتمرات بمدينة نصر، القضايا المعاصرة المتعلقة بالعلاقة بين الإسلام وأوروبا، من خلال نقاشات مستفيضة يشارك فيها نخبة من القيادات والمتخصصين فى العلاقة بين الإسلام والغرب، وذلك بهدف الوصول إلى رؤى مشتركة حول كيفية التعاطى مع تلك القضايا، ودعم الاندماج الإيجابى للمسلمين فى مجتمعاتهم، كمواطنين فاعلين ومؤثرين، مع الحفاظ على هويتهم وخصوصيتهم الدينية.

وهدفت الندوة إلى تجاوز الصور النمطية والتصورات المسبقة فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين، وصولا إلى فهمٍ مشتركٍ، يقوم على رؤية موضوعية وأسس علمية، بعيداً عن النظرة الاتهامية التى تروجها بعض وسائل الإعلام لربط التطرف والإرهاب بالإسلام.

وتضمنت الندوة ثمانى جلسات، تتناول عدة محاورة، من أبرزها: «تطور العلاقة بين الإسلام والغرب» و«التوتر بين المسلمين وباقى الأوروبيين.. المواطنة هى الحل»، و«القومية والشعبية ومكانة الدين»، و«الديموغرافيا والأيديولوجيا والهجرة والمستقبل»، كما تستعرض الندوة بعض تجارب التعايش الناجحة، مثل مبادرة «بيت العائلة المصرية» و«التجربة السويسرية».

وألقى فضيلة الإمام الأكبر الكلمة الرئيسية فى افتتاح أعمال الندوة، رحب فى بدايتها بالضيوف فى مصر المحروسة مُلتَقى الحضـارات وحاضِنَـةِ العلــوم والثقافات، ووادى النِّيل وأرضِ الأهرامات وبلد الأزهر الشريف أقدم المعاهد العلميَّة وشيخ الجامعات.. شاكرا استجابَتِهم للمُشاركةِ فى هذه الندوة الدوليَّة من ندوات الحوار بين الشَّرقِ والغرب، راجيا أنْ تكون ندوةً مُثمرة مُتميِّزة فى مناقشةِ أمر العلاقة بين الإسلام والغرب، مناقشةً تتأسَّس على المصارحة والمكاشفة، وتأخذ فى الحسبان الظروف القاسيةَ التى تُعانى منها شعوبنا هنا فى الشَّرقِ، وتحتاج إلى تفكيرِ الحُكماء وتدبير العُقلاء.

وقال شيخ الأزهر: فكَّرتُ طويلاً فى الكلمة التى ينبغى أن أُسهم بها فى ندوتنا هذه، ووجدتُنى فى حالة تُشبه حالَة المُضطر للحديثِ فى موضوعٍ مكرورٍ، فقد قيل فيه كلامٌ كثير، وصَدَرَتْ بيانات وتوصيات لا يُستهان بقَدْرِها فى الدَّعوةِ إلى الحوارِ بين الحضارات، وضرورة الالتِقاء على أمرٍ جامعٍ بينها من أجلِ إنقاذ عالَمنا المعاصر من مخاطر الصِّراع والسَّلام المتوتِّر، وحروب الأمس الباردة، وحروب اليوم الملتهبة. ورُغم هذه الجهودِ المشكورة من حكماء الغرب والشرق، إلَّا أنَّ الطريقَ لا يزال وَعْراً، وأنَّ جهداً أكبرَ يجب أن يبذل، وقد تأمَّلتُ هذه المفارقة اللامنطقية بين الواقع والمأمول، وبدا لى أنَّ السبب قد يعود إلى وجود عقبات على طريق الحوار، وأنَّ الاشتغال بالتركيز على هذه العقبات: تشخيصاً وعلاجاً رُبَّما كان أجدى وأكثر اختصاراً لهذا المشوار الطويل.. ومن هذا المنظور تأتى كلمتى التى أُسهم بها فى هذه الندوة، والتى سأوجزها فيما يشبه الخواطر والتأمُّلاتِ وأحلامَ اليقظة أيضاً.

وأكد فضيلة الإمام الأكبر أن الشرق: أدياناً وحضاراتٍ ليست له أيَّة مُشكلة مع الغرب، سواء أخذنا الغرب بمفهومِه المسيحى المتمثل فى مؤسَّساته الدينيَّة الكبرى، أو بمفهومِه كحضارة علميَّة ماديَّة، وذلك من منطلق تاريخ الحضارات الشرقيَّة ومواقفها الثابتة فى احتِرام الدِّين والعِلم أياً كان موطنهما وكائناً من كان هذا العالِم أو المؤمن..

وأشار إلى أنَّ هذه القضيَّةَ بحاجةٍ إلى البرهنة والاستدلال، فحضارة الأندلُس فى قلبِ أوروبا قديماً، وانفِتاحُ الأزهر الشريف على كل المؤسَّسات الدينيَّة الكبرى فى أوروبا حـديثاً، والتجـاوبُ الجـاد المسـئول من قِبـل هـذه المؤسَّسات الغربية -أقوى دليل على إمكانيَّة التقارُب بين المجتمعات الإسلاميَّة فى الشرق والمجتمعات المسيحيَّة والعلمانيَّة فى الغرب، وأنَّ هذا التقارُب حَدَثَ ويُمكِن أنْ يحدُث؛ وليس أمره كما قال الشاعر «كيبلنج»: «الشرق شرق والغرب غرب، وأبداً لن يلتقيا».

 وأوضح فضيلته أن هناك بحوثاً حديثة لبعض الغربيِّين المختصِّين بقضية الحوار الإسلامى المسيحى، يستدعون فيها تاريخ النَّمط الأندلسى بثقافاته الثَّلاث: اليهوديَّةِ والمسيحيَّة والإسـلاميَّة، للاهتداء بهذا الأنموذج فى رسـم خارطـةٍ لمسـار الحوار الحالى حالياً، وتصميم «إطـار نظرى وتطبيقى لقواعد هذا الحـوار وأغراضه الأساسية»، وبخاصةٍ بعد ما بُذلت جهودٌ غربيَّة مُعاصِرَة جاوبتها جهودٌ شرقيَّة لدفعِ مَسيرة الحوار بين الإسلام والغرب، فى مقدمتها: قرارات مَجْمع الفاتيكان الثانى (1962-1965)، وزيارة البابا بولس السادس لبعض الدول العربيَّة وعلى رأسها دولة فلسطين، وإعلانُ الأمم المتحدة تبنى مشروعَ تحالُفِ الحضارات عام 2004م، والذى شجَّعَ على عَقْد مُؤتمرات حوار عالميَّة فى الغرب والشرق، وكذلك زيارة البابا فرنسيس لمصر (فى أبريل الماضى)، ومشاركتهُ فى افتِتَاح مُؤتمر الأزهر العالَمى للسَّلام، وتبادل الزيارات بين الأزهر ورئيس أساقفة كإنتربرى، ومجلس الكنائس العالمى فى جنيف والكنيسة البروتِسْتَانتيَّة بألمانيا، وقد شَعَر هؤلاء المختصون بما يَشْعُر به كل مهموم بقضيَّةِ «السَّلام الضَّائع»، من المصاحب والمتاعِب التى تقف حجر عثرة فى طريقِ الجهود المبذولة محلياً ودولياً، وتُباعد بينها وبين النتائج المحدودة التى تتمخَّض عنها هذه اللِّقاءات..

وأضاف فضيلته قائلا: ومِمَّا يؤكِّد اقتناعى بأنه لا مشكلة للشرق أو الإسلام مع الغرب واقعُنا الذى نعيشه بحلوه ومُرِّه، وخيره وشَرِّه، مُنْذُ انفتحت أبواب المسلمين على الغرب فى القرنيين الماضيين وحتى اليوم؛ فمنذُ ذلك الحين والمسلمون يعتمدون شيئاً غير قليل من حضارة الغرب فى حياتهم نظرياً وعملياً، وهذه مدارسنا وجامعاتنا، بل مدارس أطفالنا الأجنبيَّة التى يتحدَّثون فيها - بكلِّ أسف- الإنجليزيَّة والفرنسيَّة والألمانيَّة بأفضلَ مِمَّا يتحدَّثون العربيَّةَ، التى هى لُغة أمهاتهم وآبائهم وأوطانهم. أقول: هذه المؤسَّسات التَّعليميَّة تُلَقِّن أبناءنا من المواد العلميَّة والأدبيَّة كثيراً مِمَّا يتلقَّنه الطلاب الأوروبيون فى جامعاتهم الغربية.. وهذه جامعة الأزهر، الجامعةُ الوحيدة التى تعتزُّ بدراسةِ التُّراث الإسلامى جنباً إلى جنبِ المناهج التعليميَّة الغربيَّة الحديثة فى كليات الطِّب والهندسة والصيدلة والعلوم والزراعة وغيرها - هذه الجامعة بها كُلية لتعليم اللُّغات الأجنبيَّة، وتدريسِ آدابها فى أقسام علميَّة مختلفة، ويتردَّد فى ردهاتها أسماء روَّاد الأدب الغربى بمدارسِه المتنوعة، بل أذهب بعيداً لأقول «إن أقسام الأدب العربى فى جامعاتنا تُدرِّس لطلابها العرب: مسلمين وغيرِ مُسلمين، كلَّ المذاهب النَّقديَّة المعروفة فى الغرب، وكذلك أقسام الفلسفة تدرّس طلابها كل مذاهب الفلسفة الغربية.. بل أذهب إلى أبعد من ذلك حين أقول إنَّنِى دَرَست الفلسفة فى كلية أصول الدِّين فى ستينيات القرن الماضى على شيوخ أجِلَّاء.. درسوا فى جامعات أوروبا ونالوا شهاداتهم العليا على أيدى أساتذة أوروبيين، وقد غرسوا فى نفوسنا احترام هؤلاء الأساتذة، وتوقيرَهم والاعترافَ بفضلهم حتى وإن اختلفنا معهم».. وهذه السماحة التى حرص شيوخنا على تأديبنا بها، لم تكن انعكاساً لما تعلَّموه فى أروقة جامعات الغرب بقَدْرِ ما هى انعكاس لفلسفةِ الإسلام فى تواصله مع الآخر: تأثراً وتأثيراً.. فهذا هو الفيلسوف المسلم «ابن رُشد» الذى تعرفه جامعـات الغرب وتعرفُ فضلَه على أوروبا فى القرون الوسطى، يؤصِّل فى نصٍّ بديعٍ، لا أمَلُّ من التذكير به، فى ضرورة النَّظَر العقلى ومشروعية انفِتاح المسلمين على ثقافات الآخرين، وضرورة الاستفادة من جهود السابقين عليهم، فى كل العلوم، بما فيها علوم الفلسفة، التى هى أخطر العلوم مساساً بالعقائد والأديان.. يقول ابن رشد فى هذا النص: «يجب علينا إن أَلْفَيْنا لمن تقدَّمنا من الأُمَم السَّالفة نَظراً فى الموجودات (....) أن ننظرَ فى الذى قالوه من ذلك، وما أثبتوه فى كتبهم: فما كان منها موافقاً للحقِّ قبلناه منهم، وسُررنا به، وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبَّهنا عليه، وحـذَّرنا منه، وعذرناهم».

مؤكدا أن ما يقوله «ابن رشد» فى هذا النص لا يقوله تجمُّلاً للذات ولا مجاملة للآخر، وإنَّما يكشف فيه عن أصلٍ ثابت من أصول الإسلام فى الحث على البحث عن الحقيقة، وشُكْرِ مَن يكتشفها وعُذْرِ مَن يُخفق فى اكتشافها، وهذا ما نحفظه عن ظهر قلب عن نبى الإسلام  من أنَّ المجتهد الذى يصيب الحق له أجران من الله تعالى: أجر مشقَّةِ البحث وأجر اكتشاف الحق. والمجتهدُ الذى لا يصيب الحق فى اجتهاده له أجرٌ واحدٌ هو أجر عناء البحث ومكابدتهِ، فالباحث عن الحقيقة، والمؤهل لاكتشافها هو دائماً فى فلسفة الإسلام: إمَّا مشكور وإمَّا معذور، ولا أظن أنَّ معادلة أخرى تبلغ من السَّماحة مع الغير ما تبلغه هذه المعادلة. ومَنْ يشرفنا بزيارة لكلياتنـا الأزهريَّة العريقة فى حَيِّ الأزهر القديم يرى معهداً لتعليم طلابِنا الذين هم شيوخُ المستقبل، اللُّغاتِ الأوروبيَّةَ، وإعدادِ المتفوقين منهم للدراسات العُليا فى جامعات أوروبا، وهذا المعهد يشترك فى إدارته والإشراف عليه المركزُ الثقافى البريطانى، والمركزُ الثقافى الفرنسى، ومعهدُ جوته الألمانى، تحت مظلَّة مشيخة الأزهر الشريف.. موضحاً أن مناهج الأزهر بأصالتها وانفتاحها الواعى على الحكمة أنَّى وُجِدَت، هى التى (تصنع العقل) الأزهرى المعتدل فى تفكيره وسلوكه، والقادر دائماً على التكيُّف مع العصر وإشكالاته ومعطياته.

وأشار فضيلة الإمام الأكبر إلى أمر آخر قد يخفى على كثيرين فى أمر العلاقة بين الشرق والغرب؛ هو أنَّ كثيراً من المظاهر الثقافية والحضارية الأوروبية متغلغلٌ اليوم فى عُمق ثقافتنا الشرقية، فى شتَّى ميادينها السياســيَّة والتعليمــيَّة والاجتماعيَّة والفنيَّة، وأن الاختلاف بين الثقافتين يكاد يكون محصوراً فى مجال الدِّين والعقيدة وما يرتبط بهما من قيم وتقاليدَ تاريخيَّةٍ وثقافية، لا مفرَّ منها لأى شعب من الشعوب، أو أمة من الأمم تحرص على ثقافتها وتحميها من العُدوان والذوبان والاندثار..

وخاطب فضيلته الحاضرين قائلا: لعلَّكم تتفقون معى، بعد هذا السَّرد، فى أنَّ سؤالاً مشروعاً يفرض نفسه هنا وهو: أين هذا الإسلام المنغلق على نفسه، والمحبوسُ فى ماضيه، والذى يُشكِّل أتباعه خطراً ماحقاً على حضارة الغرب ومنجزاته الكبرى فى علوم الكون والإنسان؟! وأين شعب من شعوب المسلمين يملك مصنعاً واحداً من مصانع أسلحة الدَّمار الشامل، أو مَصْدَراً واحِداً من مصادر القُوَّة العنيفة الرَّادِعة ويُمْكِن أن يُقال عنه أنه يرعِب القُوى الدوليَّة، التى تتمتَّع - بكل أسف- بحرية لا سقفَ لها، فى أن تقول ما تشاء، وتفعلَ ما تُريد، وتلوِّحَ بعصاها الغليظة لكل من يُعارضها، أو يجرؤ على التفكير فى مُراجعتها!! والمشكلةَ - فيما أعتقد- وقد أكون مصيباً وقد لا أكون، تكمُن فى هذه القُوَّة العالميَّة التى يملؤها الشعـور بالغَطْرَسَةِ وبحَـقِّ السيطرة على الآخـرين وتسخيرهم لتحقيقِ مصالحها ومنافعها الخاصة، انطلاقاً من الشعور بأنها الحضارة الأرقى والأنقى، وصاحبةُ الحق المطلق فى سيادة الشعوب وقيادتها.. وهذه هى عينُ الذَّرائعُ التى تذرَّع بها الاستعمارُ القديم وبرَّر بها انقضاضه على مقدَّرات الشعوب وثرواتها.

وبيّن شيخ الأزهر أنه مِمَّن يؤمنون بتعارُف الثقافات، وتكاملها وتعاونها، وأنه تعلَّمَ ذلك من القرآن الكريم الذى حفظ منه منذ الطفولة أنَّ «التعارف» هو قانون العلاقات بين الأمم والشعوب، وذلك فى الآية التى يعرفها المسلمون وغيرُ المسلمين فى الشرقِ والغرب، وهى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» الحجرات: 13، كما تعلَّمه فى دراسته للتراث العقلى عند المسلمين وتلاقحه مع ثقافات اليونان والهند والفلسفات الدينية فى العصر الوسيط.

مضيفا: لم يكن يخطر بالبال يوماً أنَّ القرنَ العشرين قرنَ التقدُّم الحضارى، والرُّقيِّ الإنسانى، وقرنَ حقوق الإنسان، ومواثيقِ السَّلام الدوليَّة.. سوف ينتهى بظهور نظريَّات ومذاهبَ تمهِّد للحروب بين الشعوب وتبرِّر الصِّراع بين الحضارات، وقد قرعتْ أسماعَنا طويلاً نظرية الصراع الطبقى التى ما لبثت أن تهاوتَ وذهبت أدراج الرياح، و«نظريَّةُ نهاية التاريخ»، ونظريَّة «هنتنجتون» فى صِراع الحضارات، وهى نظريَّات ترتد أصولها إلى أطروحات عُنصرية خالصة، فى مُقدِّمتها: أطروحة ماكس فيبر العالِم السسيولوجى والاقتصادى الألمانى (1864-1920م) الذى مضى على رحيله اليوم قرابة قرن كامل من الزمان.. هذا العالِم أسَّس لنظريته بدعوى تقول: إن «مقارنة الحضارة الغربيَّة بغيرها من الحضارات البشريَّة، تُثبتُ تفرُّد الحضارة الغربيَّة بخصائصَ فريدةٍ فى نوعها، لا يوجد لها نظيرٌ بين سـائر الحضـارات الأخرى، وأن خـصائصَ الحضارةِ الغربيَّة لم تعرفها أيَّةُ ثقافةٍ إنسانيَّةٍ أخرى خارج ثقافة الغرب». ثم جاء المُستشرق الشَّهير الإنجليزيِّ الأصل: «برنارد لويس»، ليؤكِّد فى كتابه: «الإسلام»، أنه أوَّلُ مَن أطلَق فِكْرَة: صِدَام الحضارات عام 1957م، غداة تأميم مصر لقناة السويس بقيادة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتعرُّضِ الشعب المصرى لحرب العُدوان الثُّـلاثى عام 1956م.. وقد عاد لويس لهذه الفكرة مرَّة أخرى عام 1990م، وهو بِصَدَدِ الحديث عن العالَم العربيِّ والإسلاميِق ليُؤكِّد من جديدٍ أنَّ أمْرَ الغرب حيال الإسلام هو أمرُ صِدَامِ حضاراتٍ حقيقى وتاريخى، وأنَّ صِدَامَ الغرب لهذا الدِّين بالذَّات ولحضارته من بين سائر الحضارات الأخرى هو - فيما يقول-: «ردُّ فعل على خصمٍ قديم لتراثنا اليهودى والمسيحى»، ثم يقول: «إنَّ صِدامَ الحضارات هو مَظهر مهم للعلاقاتِ الدوليَّة الحديثة». وقال فضيلته: أرجو ألَّا يُفهم من كلامى أنى أُنحى باللائمة كلِّها على الغرب وحضارته، ففى الشَّرق أيضاً عيوب وسَلبيَّات، أسهَمَت فى تأكيدِ ظاهِرَة الخوف من الإسلام التى انتَشَرَت مؤخَّراً بين جماهير الغرب، ومن أخطرِ هذه العيوب هو هذا الصَّمت المريب عن الإرهاب الذى مَكَّنَ للحركات السياسيَّة المسلَّحة من الرَّبطِ بين الإسلام وبين جرائمها الإرهابيَّة، وإطلاقِ أسماءٍ دينيَّة على مُنظَّماتها، استقطبت بها كثيراً من الشَّباب والشَّابات الذين غرَّهم هذا المظهر الدينى الخادِع.. حتى استَقرَّ فى أذهانِ الغالبيَّة من الأوروبيِّين والأمريكان أنَّ العُنْفَ والإسلام توأمان ورضيعا لِبان لا يُفارِقُ أحدهما الآخر إلَّا ريثما يَلتصِق به من جديد حتى بات من الصَّعب توضيحُ الحقيقة للغرب والغربيِّين، وأنَّ هذا الدِّين مختطفٌ بالإكراهِ لارتكاب جرائمَ إرهابيَّة بَشِعة على مرأى ومسمع من أهلِه وذويه والمؤمنين به، وأنَّ المسلمين الذين يوصفون بالعُنف والوحشية هم - دون غيرهم-ضحايا هذا «الإرهاب الأسوَد»، وأن تعقُّبَ أسباب الإرهاب، والبحثَ عن عِلَلِه القُصوى ليس محلُّه الإسلامَ ولا الأديانَ السَّماويَّة، أمَّا محلُّه الصَّحيح فهو الأنظمة العالميَّة التى تُتاجر بالأديانِ والقيمِ والأخـلاقِ والأعرافِ فى أسـواقِ السِّـلاح والتسليح وسياسات العُنصرية البغيضة والاستعمار الجديد.

من جهته، قال إيف ليتريم، رئيس الوزراء البلجيكى السابق، إن ندوة «الإسلام والغرب.. تنوع وتكامل» تستهدف تعزيز التعاون المشترك وتقريب وجهات النظر، وترسيخ ما جاءت به الأديان السماوية الثلاث: «اليهودية والمسيحية والإسلامية» من دعوة للتعارف ونبذ العنف ومواجهة الأفكار المغلوطة.

وأشار فى كلمته خلال الندوة إلى أن الغرب يعلم أن الإسلام رسخ للديمقراطية والمساواة، مؤكداً أهمية أن يكون الحوار معتمداً على دعم القيادات السياسية والدينية والاجتماعية بما يضمن تحقيقه لنتائج عملية. وأوضح أن هناك عدة عوامل أدت لزيادة التعصب الدينى فى الفترة الأخيرة، ولا حل لهذا التعصب سوى التعليم والتثقيف، والاعتماد على مشروعات ملموسة بين القيادات الدينية يسهل تنفيذها على أرض الواقع.

بينما قال رجب ميدانى، رئيس جمهورية ألبانيا الأسبق، إن الندوة مهمة جداً ليس فى الشرق فقط ولكن أيضاً فى أوروبا، لأنها تؤسس للاندماج والتعايش السلمى بين المجتمعات.. وأضاف فى كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للندوة، أنه توجد حقيقتان متعارف عليهما فى التعامل مع المهاجرين، هما الاستيعاب والاندماج، فالاستيعاب يولد نوعاً من العزلة ما يخدم التطرف، بالإضافة إلى انتشار البطالة وصور التمييز، وهو يولد انقساماً اجتماعيا. وأشار الرئيس الألبانى الأسبق إلى أن الحقيقة الثانية هى الاندماج، وهو طريق مزدوج تتبادل فيه ثقافات الأغلبية والأقلية التأثير دون أن يتخلى كل طرف عن هويته، وهى أفضل حل لخلق نموذج معاصر، مضيفا أنه علينا أن نستبدل فكرة الاندماج بالاستيعاب، من خلال توفير فرص للمهمشين لضمان التلاحم الحقيقى بين الأفراد بدون تمييز. واختتم ميدانى كلمته، بأن الأبعاد المالية تؤثر على ثقافة المجتمعات، فالنظام التعليمى الذى يمنح فرصا اجتماعية لكل الأطراف يعزز الاندماج الحقيقى، مشدداً على ضرورة اتخاذ خطوات أكثر لتقليل العداوات بين المجتمعات المختلفة.

فى حين أكد فيليب فويانوفيتش، رئيس دولة الجبل الأسود (مونتينيجرو) السابق، أن الإسلام هو ثقافة وحضارة تقوم على رفض العنف واحترام الآخر، مؤكداً أن رسالة الإسلام المتمثلة فى القرآن الكريم وسيرة النبى محمد المتسامحة تعلمنا أن من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً.

وأضاف خلال كلمته أن الرسالة السامية للأديان السماوية قد يساء استخدامها نتيجة الفهم الخاطئ من بعض المنتسبين للأديان، وهو ما حدث بالفعل مع الإسلام، مطالباً المجتمع المسلم والأئمة بمواجهة هذه الإساءة ومجابهة الإرهاب من منطلق رسالتهم الوسطية القائمة على التعاليم الصحيحة للإسلام.

طباعة
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg