| 19 أبريل 2024 م

زواج القاصرات

الدكتور عبدالحليم منصور.. يكتب "ونواصل": زواج القاصرات في ميزان الفقه الإسلامي

  • | الأربعاء, 11 أكتوبر, 2017
الدكتور عبدالحليم منصور.. يكتب "ونواصل": زواج القاصرات في ميزان الفقه الإسلامي
د. عبد الحليم منصور

تحدث الرئيس السيسى منذ أيام قلائل عن بعض مشكلات المجتمع المصرى ومن أهمها مشكلة زواج القاصرات، ولقد ذكرت بعض وسائل الإعلام أن زواج القاصرات بات يمثل رقما قياسيا الأمر الذى يستدعى تدخلا تشريعيا، فضلا عن تدخل جميع مؤسسات المجتمع المدنى لمواجهة هذه الظاهرة حفاظا على تماسك الأسرة المصرية.

وتعليقا على ذلك أقول:

إن مسألة تحديد سن الزواج مسألة مصلحية تتغير بتغير الزمان والمكان وأعراف الناس وظروفهم، وليست مسألة تعبدية، تعبدنا الله عز وجل بها، وإنما هى مسألة تنظيمية موكولة إلى ولى الأمر، يتغيا فيها الصالح العام، وفقا لظروف الناس ومصالحهم وهذا الاتجاه ذهب إليه فى الفقه الإسلامى العلامة ابن شبرمة، وعثمان البتى، وأبوبكر الأصم، وابن حزم، وآخرون.

ويستدل على ذلك بما يأتى:

1 - قول الله تعالى: «وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُم» ويتجلى وجه الدلالة من الآية على المطلوب فى أن الحق سبحانه وتعالى أمر الأولياء بدفع أموال اليتامى إليهم حين إيناس الرشد منهم، وهذا واضح من منطوق الآية، كما وضح من مفهومها المخالف أنه فى حين عدم إيناس الرشد منهم عدم جواز دفع الأموال إليهم خوفا عليها من الهلاك والتلف والضياع فيما لا يفيد. وإذا كان الأمر على هذا النحو فى أمر المال، وهو دون أمر الزواج أهمية، وخطورة، فيكون الرشد أيضاً شرطا فى هذا العقد للزوجين، لأن عقد الزواج أهم وأخطر من غيره مما يتعلق بأمر المال.

2 - إن عقد الزواج شرعه الحق سبحانه وتعالى لتحقيق مجموعة من المقاصد والغايات مثل قضاء الوطر والرغبة الجنسية، وكذا الحفاظ على النسل، وكلا الأمرين منتف فى هذا الزواج، إذ لا شهوة للصغير، ولا يتأتى منه التوالد ولا التناسل.

3 - إن عقد الزواج كما يقول العلماء عقد يراد للدوام والاستمرار، ومن ثم فليس من العقل ولا من المنطق، ولا من الحكمة إلزام الصغير أو الصغيرة بعقد لم يرغبا به.

والسؤال الذى يطرح نفسه الآن هل تدخل المشرع بتحديد سن الزواج يخالف الشريعة الإسلامية ويعارضها أم يتفق ويتناغم معها؟

وللإجابة على ذلك أقول:

1 - إن من له أدنى بصر فقه الشريعة الإسلامية يدرك تمام الإدراك أن عقد الزواج عقد ذو مسئوليات خاصة، فهو الميثاق الغليظ، والرباط الوثيق، وهو عقد يراد للدوام وللاستمرار، وليس عقدا عبثيا يقام اليوم ويهدم غدا «كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا».

2 - من المعلوم فقها وشرعا أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والشخص والحادثة، فما صلح لوقت ليس بالضرورة أن يكون صالحا لغيره، وما ساغ فى مكان ليس من الضرورى أن يسوغ فى كل الأمكنة، ومن يتابع سيرة الشيخين أبى بكر وعمر ومن بعدهما يجد أن جل التشريعات التى سنها أبوبكر فى عهده، سن عمر خلافها، كما فى قسمة الأراضى المفتوحة، وكما هو الأمر فى العطاء من بيت مال المسلمين، وكما فى التقاط ضوال الإبل، وكما فى تضمين الصناع، وغير ذلك كثير، وهو كما يقول العلماء «اختلاف عصر وأوان وليس اختلاف حجة وبرهان».

3 - الذمم الآن واحترام الناس لكلمتهم واحترام حقوق الغير قل فى الناس، وخربت الذمم، وسوغ البعض أكل الحقوق، والكذب، من أجل ذلك درجت النظم الحديثة والتشريعات المعاصرة على تقنين هذه الأمور بتحديد سن للزواج كانت فى بعض الفترات 16 سنة للفتيات و18 للشباب، ثم تغير الأمر إلى 18 سنة للجميع، وهذا التحديد سار عليه المشرع العربى فى جل البلاد العربية والإسلامية، وهذا فيما يبدو لى هو الأولى بالقبول فى هذه الأيام، ويتفق مع ما ذهب إليه ابن شبرمة والأصم ومن وافقهما، إذ لا حاجة إلى إبرام مثل هذا العقد قبل البلوغ، لأنه لا يتحقق من ورائه غرض صحيح، لا قضاء رغبة، ولا تحقيق نسل.

4 - فى الوقت الراهن فى ظل ضعف ثقافة الكثيرين من الجنسين بفقه الزواج، وفقه الأسرة، واحترام كل طرف للآخر، والقيام على مسئوليات الزواج خير قيام، اقتضى الأمر من المشرع - حرصا على الأسرة المصرية، وعلى المجتمعات من التفكك والانهيار - التدخل لتقييد هذا الأمر بسن معينة، حتى يتحقق النضج الكامل لكلا الطرفين، النضج البدنى والعقلى، والقدرة على تحمل المسئوليات فى هذه الأيام.

5 - من المعلوم فقها أيضاً أن كل مباح فى أصله يمكن أن يرد عليه تقييد تحقيقا لمصلحة المسلمين، والقاعدة الفقهية أن: تصرف الحاكم أو الإمام على الرعية منوط بالمصلحة.

ولا شك أن فى تقييد سن الزواج بما بعد البلوغ تحقيقا لمصلحة كبرى فى المجتمع بدلا من العبث بأمر الزواج، من أشخاص لا يقدرون على الوفاء بمتطلباتهم الشخصية، فضلا عن متطلبات غيرهم.

6 - من النادر والعسير الآن فى جل مجتمعات العالم أن نجد مجتمعا يقنن أو ينص فى تشريعاته الوضعية على زواج الصغيرات والقاصرات، لأن الظرف الحالى لا يسمح، والعرف العالمى الآن يرفض هذا الأمر وبشدة، وإن كان قد سوغه قبلا فى عهود وعصور مضت، ساغ فيها هذا الأمر عند العرب وعند غيرهم، إلا إنه الآن أصبح عرفا مهجورا، ومتروكا، ومنبوذا، لما فيه تحقيق للمفاسد، وترك للمصالح وكما يقول الشاعر:

والعرف فى الشرع له اعتبار ..  لذا عليه الحكم قد يدار

حمى الله مصر .. حمى الله الأزهر الشريف.

طباعة
كلمات دالة: زواج القاصرات
Rate this article:
4.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg