| 05 مايو 2024 م

سلام عليه يوم ولد

عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد.. يجيب عن السؤال: ماذا لو عاد المسيح؟

  • | الخميس, 28 ديسمبر, 2017
عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد.. يجيب عن السؤال: ماذا لو عاد المسيح؟

سينكر الكثير مما يُعمل اليوم باسمه.. وينعى على الناس ما نعاه فى زمانه.. وسيجد الإنسان اليوم كإنسان الأمس فى شروره وعداوته وفى نفاقه وشقاقه وإعراضه عن اللباب وإقباله على القشور

على ضوء استقبالنا لعام ميلادى جديد يذكرنا بميلاد المسيح عليه السلام، نحاول أن نستجلى ذكراه فى قراءتنا لكتاب «عبقرية المسيح» للأديب الراحل عباس محمود العقاد، فالكتاب الذى جاء فى أكثر من مائتى صفحة، وطبع على مرتين فى حياة صاحب العبقريات، رصد شخصية عيسى المسيح عليه السلام كما لم تصفها كتب أخرى، فهذا الكتاب يرصد حجم المكانة التى يكنّها الإسلام للمسيح وأمه مريم عليهما السلام.

الفصل الأول

يقع الكتاب فى ثلاثة أبواب، بالإضافة للباب الختامى، حيث يتناول الباب الأول مكانة المسيح فى التاريخ، والحالة السياسية والاجتماعية، والحياة الدينية والفكرية فى عصر الميلاد، حيث يلقى العقاد الضوء على  الأقوال المتناثرة عبر التاريخ عن حياة المسيح عليه السلام، وما جاء فى لفائف ومطويات «وادى القمران» بشرق الأردن، والتى تصف النبى عيسى وحياته، ملقياً الضوء على رسالته التى جاءت فى توقيت كانت الحاجة إليها أدعى، وكان لها الفضل فى إصلاح عقائد اليوم كما وجدت على أرقاها وأنقاها بين أتباع النحل اليهودية قبل الميلاد.

ويسرد العقاد فى الفصل الأول من «عبقرية المسيح» نشأته عبر التاريخ، مبيناً أنها كانت فى وسط أقوام كانو ينظرون إليه على أنه المخلّص لهم، والمقبل من ذرية داوود عليه السلام، وفق نبوءات فى كتبهم وتوراتهم، كما تناول الشجرة المباركة التى وردت فى القرآن الكريم، وقال عنها بأنها شجرة الزيتون التى استظلت تحتها السيدة مريم وابنها عليهما السلام، والتى أنبتها الله تعالى لأجلها فى أرض فلسطين.

ثم يلقى العقاد الضوء على شخصية المسيح عليه السلام، ومعنى اسمه فيقول إن معنى كلمة المسيح تدل على علم المقارنة بين الأديان على شيوع الإيمان بالخلاص بظهور الرسول المخلّص فى زمن مقبل، معللاً ذلك بأن الرجاء فى الخير أصل من أصول الدين، والأمل فى الإصلاح مادة من مواد الحياة الإنسانية فى طلاب الكمال والخلاص من العيوب، مؤكداً أن مرجع الاسم ذاته يعود إلى الشعائر التى وردت فى سفر التكوين وسفر الخروج وما يليها من أسفار الأنبياء، نسبة إلى المسح بالزيت والذى كان معروفاً عن أهل القدس القديمة، فالمسح بالزيت هو شعيرة من الشعائر المباركة، مستدلاً على ذلك بما ورد فى الإصحاح الثامن والعشرين من سفر التكوين حيث يروى عن يعقوب بأنه «بكّر فى الصباح وأخذ الحجر الذى وضعه تحت رأسه وأقامه عموداً وصب زيتاً على رأسه، ودعا ذلك المكان بيت أيل.. أى بيت الله»، حتى إن الأحبار والأنبياء يسمون من أجل هذا مسحاء الله، وتنهى التوراة عن المساس بهم.

كما تناول العقاد الحالة التى كان عليها الناس قبل قدوم عيسى عليه السلام، فقال إن الحاجة إلى النبى والمخلّص كانت واضحة فى الناس وقتها على أشدها، حيث كانوا يبحثون عن الأنبياء ويترقبونهم ولا يعتبرون ظهورهم خارقة من الخوارق يستغربونها، والإنسان المتهىء للنبوة كان يخشى أن يسكت عن الدعوة متى جاشت ضمائره بحوافزها وألحت عليه الأيام فيظهرها متوكلاً على الله تعالى أن يثبت نبوته، ثم يتابع العقاد قائلاً: «وفى عصر الميلاد ذلك العصر الذى ترقبت فيه النفوس بشائر الدعوة الإلهية من كل جانب كما يترقب الراصدون كوكباً حان طلوعه، لا جرم بأن تتفتح الآذان لصوت المبشر الموعود».

فيما يلقى العقاد الضوء على الطوائف المسيحية التى كانت موجودة فى القدس قبل مجىء المسيح عليه السلام، واصفاً حالتها، ومن أبرز تلك الطوائف «الصدوقيين، والفريسيين، والآسينيين، والغلاة، والسومريين».

ثم يسرد العقاد فى تسلسل متتابع للأحداث الممهدة لقدوم المسيح عليه السلام إلى البشرية بالولوج على مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية قبل مجيئه، فيقول إن الرومان قضوا على ثورة العبيد الثالثة وفتحوا فلسطين وسورية وحسب هذا النصر بأنه من العظائم، حتى إن قائد الرومان استخدم حق السلطان المطلق فأضاع القانون والنظام الذى كان فخر الدولة الرومانية، وأصبحت الحياة فى ظل الرومان منقسمة ما بين ترف وطغيان وبين فقر وضنك، فأصبحت الحياة الاجتماعية والسياسية مختلة، فكانت الحياة مهيأة لقدوم المسيح المخلص من بطش الرومان، ولذا تواترت الأخبار لتنبأنا بأن المسيح ولد فى أعقاب ثورة جائحة اشتعلت فى إقليم فلسطين تحديداً ضد بطش وظلمات ولاة الدولة الرومانية فى تلك الفترة.

الفصل الثانى

يبدأ العقاد السرد للفصل الثالث المعنون بـ«تاريخ الميلاد» فى ثلاثة مباحث، الأول منها يدور حول أرض الجليل التى ولد بها المسيح، والثانى يدور حول مولد المسيح، والثالث منه يدور حول صورة وصفية للسيد المسيح عليه السلام، فيقول إن المسيح ولد فى أرض الجليل والتى كانت تسمى بهذا الاسم نسبة لأنها كانت إقليماً مفتوحاً لجميع الأمم والقبائل، ومعناها بالعبرية أنها بلد الإحاطة، لأنها اتسعت لكثيرين ممن يحال بينهم فى بلاد أخرى بفلسطين، وبعد مولد المسيح خرجت الجليل من سلطان ملك اليهودية إثر وفاة هيرود الكبير، ودخلت فى نصيب ابنه هيرود اتينباس، وربما كان المسيح فى عمر العاشرة عندما هدم الرومان عاصمة الأمير الجديد وبنيت العاصمة الجديدة طبرية على مقربة من بلدة الناصرة حيث نشأ عليه السلام فيها.

وحول وقت ميلاد المسيح تناول العقاد فى مبحثه «متى ولد المسيح»، تعريفاً مفصلاً بالأقاويل التى وردت عن تاريخ وموعد مولد المسيح عليه السلام، فيقول: «يفهم من رقم التقويم الميلادى أن السيد المسيح ولد فى السنة الأولى من الميلاد، وعلى هذا الحساب يجرى العمل بين الأمم الأوروبية منذ سنة 532 للميلاد، وهى السنة التى دعا فيها الراهب دينوسيس الصغير إلى تأريخ الأيام من السنة الأولى للميلاد وصحح الحساب على تقديره ثم جرى العمل به على حسابه إلى الآن، وعلى هذا الحساب اعتبروا أن ميلاد المسيح كان فى سنة أربعة آلاف وأربع بحساب ذلك التقويم، أما القول الراجح فى تاريخ ميلاد المسيح فى تقدير المؤرخين الدينيين وغير الدينيين فقد كان متقدماً على السنة الأولى ببضع سنوات، وأنه على أصح التقديرات لم يولد فى السنة الأولى للميلاد»، مستدلاً بما ورد فى إنجيل متى أنه عليه السلام ولد قبل موت هيرود الكبير، وقد مات هيرود قبل السنة الأولى للميلاد بأربع سنوات، وساق العقاد ما جاء فى إنجيل لوقا بأن المسيح قام بالدعوة فى السنة الخامسة عشر من حكم القيصر طيبريوس وهو يومئذٍ يناهز الثلاثين.

كما ساق العقاد قرائن تدلل على نبوة المسيح، منها قيام كهنة المجوس فى المشرق بتتبع كويكب ظهر فى السماء اهتدوا به إلى مكان السيد المسيح، حيث كانوا يشتغلون بالفلك والتنجيم، وكانوا ينتظرون حدثاً جليلاً سوف يحدث، فكانوا متنبئين بقدوم المسيح عليه السلام.

الفصل الثالث

وخصص الفصل الثالث من الكتاب حول الدعوة التى قام بها المسيح عليه السلام، من حيث اختيار القبلة وتجارب الدعوة وشريعة المحبة وملكوت السماوات، حيث يرصد العقاد فى هذا الفصل ما لقيه المسيح من مقاومة عنيفة، بينما يتصدى رسول الإخاء والسلام لدعوته وهو يعلم أنها أخطر الدعوات، وأنها أخطر جداً من دعوة البغضاء والقسوة، وكان المسيح يرى أن من يدعو للإخاء يدعو لاقتلاع جذور البغضاء، والذى يدعو للسلام يدعو إلى تحطيم سلاح الأقوياء، وليس اقتلاع جذور البغضاء بالأمر الهين، حيث كانت العقائد الرومانية الوثنية موجودة وتضرب بجذورها فى أعماق المجتمعات فى ذلك الوقت، ولذلك لاقت الدعوة الدينية التى جاء بها المسيح أشد معاناة ومقاومة، وتصدى لها الكثير من المجتمعات، ولهذا كان يقول المسيح «جئت لألقى على الأرض ناراً فحبذا لو تضطرم»، ولكنه تغلب على تلك المقاومات من خلال عدة أدوات رصدها العقاد فى فصل خاص بعنوان «أدوات الدعوة»، وذلك من خلال قدرة المعلم وإخلاص تلاميذه لدعوته، ليشير إلى أن العالم فى عصر الميلاد كان محتاجاً للعقيدة ومستعداً لسماعها، لكن ذلك لم يكن مغنياً للعقيدة عن أدوات الفلاح والنجاح، وأولها قدرة الداعى على كسب النفوس واجتذاب الأسماع والغلبة على ما يقاومه من المكابرة والعناد، وقد كانت هذه القدرة موفورة فى معلم المسيحية، وبحق سمى المعلم، كما أثر عن المسيح فى جميع الأمثال التى يضربها حب المقابلة بين الأضداد لجلاء المعانى، وتوضيح الفوارق.

الفصل الرابع

واختتم العقاد، كتابه بشرح وافٍ للأناجيل، حيث يؤكد على أن أقدمها هو إنجيل مرقس، ثم يليه إنجيل متى، ثم إنجيل لوقا وهى الأناجيل التى اشتهرت باسم أناجيل المقابلة، مختتماً بسرد باقى الأناجيل التى وردت عن المسيح، مسهباً فى شرحها بشكل مطول، مشيراً فى شرحه إلى عناية الشراح الإنجيليين بدقة ترتيب حوادث سيرة المسيح لكنهم لم يصلوا إلى ترتيب متفق عليه، على أن حوادث السيرة فيها ما يظهر منه أنه نتائج لاحقة لتلك المقدمات.

الخاتمة

يختتم العقاد كتابه بطرح رؤية عوة المسيح، متسائلاً ماذا لو عاد المسيح عليه السلام، حيث يرى العقاد أن أقرب شىء يكون متوقعاً لو عاد المسيح إلى الأرض أن ينكر الكثير مما يعمل اليوم باسمه، وأن ينعى على الناس ما نعاه فى زمانه، وأن يجد الإنسان اليوم كإنسان الأمس فى شروره وعداوته وفى نفاقه وشقاقه وإعراضه عن اللباب وإقباله على القشور.

حسن مصطفي

طباعة
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg