| 05 مايو 2024 م

للقدس رجال لا يفرطون

مكانة بيت المقدس

  • 15 ديسمبر 2017
مكانة بيت المقدس

بيت المقدس اسم سجله الإسلام فى صفحة مشرقة من صفحات التاريخ، وهو رمز للطهر والنقاء، ولنشر سماحة الإسلام والوئام، تهفو إليه القلوب، وفى بيت المقدس مقدسات دينية وروحية أخرى لها شأن عظيم.

• المحافظة على المقدسات:

• الوفاء لله هو مقدمة الوفاء للبشر.

• الالتزام بعهود الله وهو مقدم الالتزام بعهود البشر.

• الحفاظ على المقدسات؛ هو مقدمة الحفاظ على كرامة البشر وعزة الإنسان، فلكل أمة مقدساتها لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه أو مسه بالسوء، والسنة الكونية المتصلة بالمقدس هى أنه حين يتحول المقدس إلى مسار للسخرية والاستهزاء، أو موضوع للتلاعب والاهواء... فذلك إيذاناً بانهيار حياة هذه الأمة ووجودها.

ومن ثم كل أمة تدافع عن مقدساتها، وتموت من أجلها، سواء أكانت هذه المقدسات ديناً أو حتى اختراعاً.

فهناك رموز مثل علم الدولة يتحول من مجرد قطعة قماش، إلى رمز مقدس تحْيى له وتموت لأجل بقائه مرفوعاً لأنه رمز لا ند له ولا مثيل.

• والإسلام الدين الخاتم اتخذ رموزاً حقيقية وليست رموزاً أسطورية، هذه الرموز هى وحى من عند الله، ومن هذه المقدسات - بيت المقدس - «ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ» {الحج/30}.

• مكانة بيت المقدس: -

لبيت المقدس مكانة فى الإسلام جاء التنويه بها فى القرآن والسنة النبوية، وتجلت كذلك فى مشاعر المسلمين وعواطفهم الدينية، وفى تعلقهم القلبى والروحى بهذا المقدس الدينى العظيم.

• وبيت المقدس فى أرض مباركة، وجاءت الآيات المباركات فى قرآن رب الأرض والسماوات تشير إلى البركات التى جعلها الله من حول هذا المسجد المبارك منها: -

قال عز وجل فى الحديث عن سيدنا إبراهيم «وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ، وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ» {الأنبياء 70/71}.

وفى الحديث عن سيدنا موسى مع قومه «يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ» {المائدة/21}.

وفى إسراء نبينا صلى الله عليه وسلم «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ» {الإسراء/1}.

• وهذه البركة تشمل كل شىء «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً» {البقرة/58}.

• ومن بركة هذا المكان أن الصلاة تضاعف فيه خمسمائة مرة، والسيئات فيه تزداد قبحاً وفحشاً، لأن المعاصى التى ترتكب فى زمان شريف أو مكان شريف تكون أشد جرأة على الله جل جلاله.

• وبيت المقدس أولى القبلتين، وثالث المسجدين الشريفين فى الأجر، وثانى الحرمين فى البناء، وثالث المساجد التى تشد إليها الرحال بنية العبادة.

• وكان واسطة العقد فى معجزة الإسراء والمعراج.

فيجب أن تظل قضية بيت المقدس فى قلب كل مسلم ولا يُقبل التنازل والتغاضى عنها فى يوم من الأيام.

• وقال الله عز وجل «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ» {التين1-3}.

بدأ الله السورة بـ«وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ» رمز الأرض المقدسة، ليتنا نعظم ما عظم الله «ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج/32}.

• يحكى التاريخ أن رجلاً دخل على زوجته وقال: وامصيبتاه، قالت الزوجة: ما المصيبة؟

أفأغار أعداء الإسلام على أرض الإسلام؟ قال: لا، قالت: أفقتل خليفة المسلمين؟ قال: لا، قالت: أفانتهكت مقدسة من مقدسات المسلمين؟ قال: لا، قالت: إذاً ما المصيبة؟.

امرأة من آلاف السنين ترى أنه طالما لم يحدث شىء للإسلام والمقدسات فلا مصيبة، لأن كل شىء غير ذلك هين ويتحمل ولا مصيبة فيه.

• تاريخ المسجد الأقصى: -

من المعلوم يقيناً أن الدين عند الله الإسلام، فدين الله واحد والأنبياء جميعاً جاءوا من عند رب العالمين، برسالة واحدة فى الاعتقاد، وإن اختلفوا فى التشريعات، وعليه فالنبى الموجود تكون الأماكن تبعاً له خاصة الأماكن المقدسة.

نقول ذلك حتى لا يظن أحد أن المسجد الأقصى ملك لأعداء الأمة الإسلامية.

فالأنبياء جميعاً كلما أرسل الله واحداً منهم أوصاه على هذا المكان، حتى جاء خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فكان هو المسئول.

ولذا كان الإسراء برسولنا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فى القدس وكان فى هذا الحادث إشارة بان المسئول عن هذه البقعة المباركة هو الأمة الإسلامية.

• ومن عظم هذه البقعة جعلها الله الترمومتر الذى يبين درجة إيمان الأمة الإسلامية فعندما يبتعد المسلمون عن دينهم ويتركوا منهجهم يؤخذ منهم هذا المسجد عقاباً لهم، وعندما يعودوا إلى الله وإلى منهجهم يعود المسجد الأقصى.

• روى البخارى ومسلم من حديث أبى ذر الغفارى رضى الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع فى الأرض؟ قال: صلى الله عليه وسلم «المسجد الحرام» قلت: ثم أى؟ قال: «المسجد الأقصى» قلت: كم بينهما؟ قال: صلى الله عليه وسلم «أربعون سنة» ثم الأرض لك مسجد فحيثما أدركتك الصلاة فصل»

وقد أجمع المحققون من أهل العلم على أن الذى رفع بناء المسجد الأقصى سيدنا يعقوب عليه السلام، وإذا كان سيدنا إبراهيم عليه السلام رفع قواعد البيت الحرام الذى بمكة ومعه ابنه سيدنا إسماعيل، فإنه من المعقول أن يكون حفيده «يعقوب» هو الذى رفع قواعد المسجد الأقصى فى الأرض التى بارك الله تعالى فيها وهى: أرض القدس بفلسطين.

ويرى كثير من المؤرخين أن ميلاد سيدنا يعقوب - عليه السلام - كان فى القرن العشرين قبل ميلاد عيسى - عليه السلام - وأن ولادته كانت ببلدة بيت لحم بفلسطين، وأنه أنجب من الذكور اثنى عشر ولدا، ثم جاء سيدنا يعقوب إلى مصر تلبية لدعوة ابنه سيدنا يوسف ومعه أكثر من مائة فرد من أفراد أسرته واستقبلهم سيدنا يوسف على مشارف مصر قائلاً لهم: «ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ» {يوسف/99}.

من خلال ذلك نرى أن سيدنا إبراهيم عليه السلام عاش فى الأرض المباركة وذريته كذلك، وكذلك المسجد الأقصى فى هذه الفترة فى أيدى المسلمين من ذرية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام.

• وبعد ذلك تفرقت الذرية وابتعدت عن منهج الله، فوقع المسجد الأقصى فى أيدى الجبارين، فسيطروا عليه وعاثوا فى الأرض فساداً، فأرسل الله نبيه سيدنا موسى عليه السلام لتحرير المسجد الأقصى.

وقد قص علينا القرآن الكريم فى مئات الآيات القرآنية المحاورات التى دارت بين سيدنا موسى عليه السلام وبين فرعون، والتى انتهت بغرق فرعون وجنوده. خلال خروج سيدنا موسى وبنى إسرائيل من مصر، متجهين إلى فلسطين، وعندما وصل إلى حدود الأرض المباركة قال لقومه «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ، يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ» {المائدة/21- 20}، وكان جواب القوم فى نهاية الحوار «قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، قَالَ رَبِّ إِنِّى لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِى وَأَخِى فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ، قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ» {المائدة24/26}.

• وتوفى سيدنا موسى خلال هذه الرحلة، وخلفه فى قيادة بنى إسرائيل (يوشع بن نون) الذى دخل بهم فلسطين بعد أن عادوا إلى الله وأحسنوا فى عبادتهم ومعاملتهم وكان ذلك على يد نبى الله سيدنا داوود عليه السلام قال تعالى»... وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ» {البقرة250/251}.

• وكان عهد سيدنا داوود وسليمان عليهما السلام، وقد جمع الله له الملك والنبوة، وكانت فترة حكمهما لبنى إسرائيل خلال القرن العاشر والحادى عشر قبل الميلاد، وقد مدحهما الله تعالى مدحاً عظيماً، وكانت وفاة سيدنا سليمان سنة 975ق.م تقريبا، وكان المسجد الأقصى فى أيدى المسلمين وقد ظفر بنو إسرائيل بالأمان والرخاء.

وبعد وفاة سليمان عليه السلام حلت ببنى إسرائيل الفتنة والمصائب والنكبات والمفاسد، وانقسمت مملكتهم إلى مملكة بنى إسرائيل فى الشمال، وعاصمتها «شكيم» أى نابلس الآن، ومملكة يهوذا بالجنوب وعاصمتها «أورشليم» أى: القدس، وسقطت على يد بختنصر البابلى سنة 586ق.م. أنزل أشد الضربات باليهود، وسافر الكثير منهم أسرى إلى بابل، وهكذا زالت المملكتان بسبب ما حل بهما من فتن وشقاق ومفاسد ومنكرات.

• وظل المسجد بعيداً عن المسلمين، حتى عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه سنة 15هـ سنة 636م، تم الفتح الإسلامى لبلاد الشام ولفلسطين فكان هذا الفتح الإسلامى نعمة وبركة لأهل هذه البلاد؛ لأن الإسلام دين يقوم على العدل والرحمة وإعطاء كل ذى حق حقه، والعباد قلوبهم سليمة وأخلاقهم عظيمة.

• ثم تفرقت الأمة وابتعدت عن منهج الله فأخذ المسجد الأقصى من أيدى المسلمين، وكانت الحملات الصليبية سنة 1099م، فاستطاع الصليبيون فى الجولة الأولى منها أن يستولوا على فلسطين وأن يجعلوها تحت نفوذهم حتى سنة 1187م.

• إلى أن توحدت الأمة وطهرت قلوبهم وأصلحوا ما بينهم وبين ربهم وما بينهم وبين الناس، حتى قيادة البطل المسلم «صلاح الدين الأيوبى» وكانت معركة حطين وانتصر صلاح الدين ودخل مدينة القدس فى يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر رجب سنة 583هـ الموافق 12/10/1187م.

• إلى أن جاء عام 1917م واحتل الانجليز فلسطين وبقيت تحت احتلالهم إلى أن سلموها لليهود سنة 1948م.

وخلال تلك العهود الطويلة والمتعددة ومنذ الفتح الإسلامى الفلسطينى ظل المسجد الأقصى مكاناً للعبادة، وإن كان تحت الأسر الصهيونى.

• والآن علينا أن نعلم علم اليقين أن النصر قريب وهو محقق بإذن الله، فنحن ندافع عن حق، واليهود يدافعون عن باطل، وما وجدت إسرائيل لتبقى وإنما وجدت لتزول.

• وإن دولة إسرائيل هذه لن تبقى فى فلسطين ولو اجتمع يهود العالم، فقد جاءتنا بشارة من وراء الغيب تقطع أن اليهود لن تقوم لهم دولة، قال تعالى: «لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً» {الإسراء/7}.

• وروى الإمام مسلم عن سيدنا عبدالله بن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لتقاتلن اليهود فلتقاتلنهم حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودى تعالى فاقتله»

وفى رواية «... يختبئ اليهودى وراء الحجر والشجر فيقول الحجر يا مسلم يا عبدالله هذا يهودى خلفى فتعال فاقتله»

وهذه الأحاديث تدل على أن الأرض ستتنكر لهم، وتضيق بهم، وأن الرأى العام العالمى سينقلب ضدهم، وهذا من أعظم المبشرات.

«وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» {الروم4/5}

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

د.سعيد عامر الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg