| 19 مايو 2024 م


24 سبتمبر, 2017

الدكتور عمار علي حسن.. يكتب "تجديد": الكرامة الإنسانية "5 -5"

الدكتور عمار علي حسن.. يكتب "تجديد": الكرامة الإنسانية "5 -5"

يؤدى الشعور بالكرامة إلى نزوع الفرد نحو التحرر والحرية، وهذا هو الاتجاه الثانى لها، بعد تناول الاتجاه الأول فى المقال السابق. فالكفاح من أجل الكرامة يشترك فى كثير من الجوانب مع النضال من أجل الحرية، وإعلاء قيمة الحرية يقود الفرد إلى مقاومة التسلط، فالإنسان المقهور يسعى لحل مأزقه الوجودى والتخفف من انعدام الشعور بالأمن، والتبخيس الذاتى الذى يلحق به، جراء وضعية الرضوخ، عبر التماهى بالمتسلط والذوبان فى عالمه ونظامه، وتمثل عدوانيته وطغيانه ونمط حياته وقيمه المعيشية، ورفع مكانته، وتثمين كل ما يمت إليه بصلة، وذلك فى ظل هروب واسع من الذات، وتنكر فاضح لها، وتهرب من الجماعة، وتنصل من الانتماء إليها.

فالمقاتل الذى يحمل السلاح قد يتردى من النضال إلى ممارسة ما كان يقوم به المتسلطون عليه، وبدلا من أن يعامل الناس بروح الأخوة، ويرى نفسه حارسا أمينا على حريتهم واستقلالهم،  يتعالى عليهم، ويتباهى مختالا باستعراض قوتهم، متمسكا بالمظاهر، بشكل يتنافى مع الروح النضالية الحقة، التى تفرض على المقاوم أن يتطامن ويتواضع حيال الجماهير.

و شيوع التماهى بالمتسلط سلوكيا ونفسيا عند المقاتلين  والمسلحين يحمل أشد الأخطار على عملية التغيير والتحرير، فبدلا من تقويض العلاقات السابقة ( السيد والتابع المتسلط الراضخ)، وإخلال الإخاء محلها، نلاحظ بروزا لسادة جدد، ومتسلطين جدد، يشتطون بقدر حاجتهم للتعويض عن دونيتهم المزمنة.. وإذا بالممارسة المسلحة تتعرض للتزييف والتحوير والوقوع فيما قامت أصلا لتغييره.

وحين يصل المقاوم إلى الحد الذى يمارس فيه نوعا من "السادية " على من فى محيطه الاجتماعى، يكون قد انزلق إلى الضعف الكامل، وكما يقول أريك فروم: «ليست الشهوة للقوة كامنة فى الاقتدار، بل فى الضعف، إنها عجز النفس الفردية عن أن تطيق الوحدة، وتظل حية، إنها المحاولة اليائسة لكسب اقتدار ثانوى، حيث ينقص الاقتدار الأصيل ".

والنزوع إلى الحرية، القائم على الشعور بالكرامة، يحمى المقاوم من الوقوع فى فخ التسلط على الناس، والانزلاق إلى أعمال وممارسات استعراضية، فالكريم يحترم الآخرين، عن اقتناع بأن هذا هو المسلك الصائب فى الحياة، وعن رغبة فى أن يقابل منهم باحترام شديد، لأن الإهانة فى نظره أقسى من أن يتحملها، وإن جرت وتكررت فهى تمس كيانه ووجوده، وهو أمر فوق طاقة المقاوم والمناضل الحقيقى.

وثالث هذه الاتجاهات يتمثل في إعلاء الممتلئ شعورا بالكرامة للوجود الإنسانى أو «الكينونة »، مفضلا إياها عن التملك، الذى يدور حول الغرائز، التى إن انصاع الإنسان لها، ورضخ لإلحاحها، صار أقرب إلى الحيوان. أما الكينونة فتسلك طريقا مختلفة، تتعبد فوق الحاجة إلى الانتماء والتعالى أو التجاوز، والحاجة إلى الارتباط بالجذور والهوية، والحاجة إلى إطار توجيهى، يحكم الفهم والسلوك. والميل إلى الكينونة أو الوجود يحمى الإنسان من التردى فى الجشع والحسد والعدوان، والانسحاق أمام المادة ومنطق السوق المتوحشة، ويمده بمتعة التجربة المشتركة، والتحلى بالقيم الإنسانية السامية، وهى حالات وأمور غاية فى الأهمية والحيوية بالنسبة للمقاوم، الذى يجب أن يكون مستعدا فى أى وقت لأن يدفع روحه ثمنا للدفاع عن القضية التى يؤمن بها.

وهناك اتجاه رابع الذي يرسبه الشعور بالكرامة في نفس المقاوم وعقله، ألا وهو "الولاء"، الذى يعنى الارتباط وعيا وسعيا بمجموع الشعب، والميل إلى ما يتبناه من قيم وأفكار، وما يصبو إليه من أهداف ومصالح. ويعنى كذلك "الروابط والعواطف المعنوية والقانونية التى تربط الفرد بجماعة أو مؤسسة أو وطن". ومثل هذا الشعور يبلغ مكانة من المقاومة تماثل تلك التى يبلغها الدم من حياة الإنسان، فلا مقاومة من دون ولاء، فالمنتمى فقط هو الذى يحوز استعدادا للدفاع عن المعتقدات والمعانى والأفكار التي يؤمن بها، والذود عن الشخصيات الاعتبارية والإنسانية التى يرتبط بها.

عدد المشاهدة (1289)/التعليقات (0)

كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.







حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg