| 27 أبريل 2024 م

نبي مكارم الأخلاق

"جبر الخواطر".. خلق نبوي يدل على سمو النفس

  • 17 نوفمبر 2018
"جبر الخواطر".. خلق نبوي يدل على سمو النفس

قال الدكتور غانم السعيد، عميد كلية الإعلام بنين بجامعة الأزهر بالقاهرة، إن من العبادات العظيمة التى قد يغفل عنها كثير من الناس فى زماننا «جبر الخواطر»، مؤكدا أنه خلق إسلامى ونبوى رفيع يدل على سمو النفس وسلامة القلب، ورجاحة العقل، وحسن التدبر، ولا يفطن إلى هذه العبادة إلا أصحاب البصيرة الذين اختصهم الله بمزيد فضله ومنّه، يقول الإمام سفيان الثورى: «ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم».

ولفت السعيد إلى أن جبر النفوس كان من الدعاء الملازم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لى وارحمنى واهدنى واجبرنى وارزقنى»، لافتا إلى أننا فى واقعنا العملى نجد نماذج كثيرة شرعها ديننا الحنيف لجبر الخواطر وتطييب النفوس، ومن ذلك تعزية أهل الميت وتسليتهم ومواساتهم وتخفيف الألم الذى أصابهم عند فقد ميّتهم.

وتابع: وكذلك عند مشاهدة بعض الفقراء أو اليتامى شيئا من قسمة الميراث فمن الأفضل أن يخصص لهم من المال شىء يجبر خاطرهم ويسد حاجتهم حتى لا يبقى فى نفوسهم شىء، قال تعالى: «وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً»، وفى قوله تعالى: «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ».

ونوه إلى أن من أجمل صور تطييب الخاطر وأرقى صور التعامل ما قاله ابن قدامه -رحمه الله-: «وكان من توجيهات ربنا -سبحانه وتعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم، فكما كنت يتيماً يا محمد فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، ولا تذله، بل: طيب خاطره، وأحسن إليه، وتلطف به، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك، فنهى الله عن نهر السائل وتقريعه، بل: أمر بالتلطف معه، وتطييب خاطره، حتى لا يذوق ذل النهر مع ذل السؤال».

وأضح أن كل إنسان منا قد حُفر فى ذاكرته أشخاص كان لهم الدور الفاعل والعمل الدءوب بمواقف سطرت وحفظت سواء بالقول أو الفعل فكان فيها جبرا لنفسه وتبريدا لصدره، فمثل هذه المواقف تحفظ ولا تنسى، كما لم ينس النبى عليه الصلاة والسلام - وهو البار الوفى - موقف المطعم بن عدى حين أدخله فى جواره يوم عودته من الطائف حزيناً أسيفاً، فقال يوم بدر: «لو كان المطعم بن عدى حياً وكلمنى فى هؤلاء الأسرى لأجبته فيهم»، لافتا إلى أن مثل هذه المواقف كثيرة فى حياة رسول الله توضح مدى حرصه الشديد على التمسك بهذا الخلق القويم.

وأشار إلى أن من هذه المواقف جبره صلى الله عليه وسلم لخاطر فقراء المهاجرين عندما جاءوه مكسورى الخاطر وقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: «أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْى عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِى أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِى حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِى الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ».

وأوضح أنه حتى الأطفال كان لهم من جبر الخاطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيب، فعن أنس رضى الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لى أخ يقال له: أبوعمير - أحسبه قال: كان فطيما -، قال: فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير -طائر صغير كالعصفور-؟ قال: فكان يلعب به»، بل إنه عليه الصلاة والسلام جبر بخواطرنا نحن الذين نحبه ونشتاق إليه ونتمنى لو كنا إلى جانبه نذود عنه وننافح عن دعوته، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ووَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا» قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ أَصْحابِى، وَإِخْوَانُنَا لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ»، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَانَى خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟» فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُراً مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ».

وأكد أنه ليت المسلمين يقتدون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتخلقون بهذا الخلق العظيم، ويشيعونه بينهم حتى يتحقق فى المجتمع المسلم السلام والأمان، والرحمة والمودة، بهذا الخلق المهجور بين أبناء أمتنا فى هذا الزمان، مؤكدا أنه يرى أن غياب خلق جبر الخواطر تسبب فى إصابة الناس بكثير من الأمراض المزمنة من ضغط الدم والسكر والأمراض السارية الأخرى بسبب ضغوط الحياة وكتمانها وعدم وجود وقت لـ«الفضفضة» بين الناس، وبث بعضهم الشكوى لبعض للتنفيث عن ما فى قلوبهم.

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg