Français (France)

Une grande phare pour répandre le juste-milieu d'Al- Azhar dans toutesles langues du monde

 

من كتاب "نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي" المفكر الإنجليزي "توماس كارليل"
Anonym
/ Categories: مقالات

من كتاب "نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي" المفكر الإنجليزي "توماس كارليل"

نبي الإسلام في مرآة الفكر الإنجليزي

"توماس كارليل"[1]

تناول "توماس كارليل" في كتابه الأبطال، حياة محمد بالبحث والتحليل قائلاً: من العار أن يصغى أي إنسان متمدين من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين أن دين الإسلام كذب وأن محمدا لم يكن على حق، لقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاءات السخيفة المخجلة، فالرسالة التي دعا إليها هذا النبي ظلت سراجا منيرا أربعة عشر قرنا من الزمان، لملايين كثيرة من الناس، فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التي عاشت عليها هذه الملايين وماتت أكذوبة كاذب أو خديعة مخادع؟!

ولو أن الكذب والتضليل يروجان عند الخلق هذا الرواج الكبير، لأضحت الحياة سخفا وعبثا، وكان الأجدر بها ألا توجد. هل رأيتم رجلاً كاذبا يستطيع أن يخلق دينا ويتعهده بالنشر بهذه الصورة؟ إن الرجل الكاذب لا يستطيع أن يبني بيتا من الطوب لجهله بخصائص مواد البناء، وإذا بناه فما ذاك الذي يبنيه إلا كومة من أخلاط هذه المواد، فما بالك بالذي يبني بيتا، تبقى دعائمه هذه القرون العديدة وتسكنه هذه الملايين الكثيرة من الناس؟!

وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعد محمدا رجلاً كاذبا متصنعا، متذرعا بالحيل والوسائل لغاية أو مطمع. وما الرسالة التي أداها إلا الصدق والحق وما كلمته إلا صوت حق صادق صادر من العالم المجهول وما هو إلا شهاب أضاء العالم أجمع، ذلك أمر الله. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وهب جدلاً أن لمحمد هفوات، فإنه ليس في مقدور هذه الهفوات أن تستر تلك الحقيقة الكبرى وهي أنه رجل صادق ونبي مرسل.

ثم استرسل توماس كاريل يقول: أحب محمداً لبراءة طبعه من الرياء والتصنع، ولقد كان ابن الصحراء مستقل الرأي، لا يعتمد إلا على نفسه، ولا يدعي ما ليس فيه، ولم يكن متكبراً ولا ذليلاً، فهو قائم في ثوبه المرقع، كما أوجده الله، يخاطب بقوله الحر المبين أكاسرة العجم وقياصرة الروم، يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة، وللحياة الأخرى.

وما كان محمد بعابث قط، ولا شاب قوله شائبة لعب ولهو؛ فكانت المسائل عنده مسألة فناء وبقاء، أما التلاعب بالأقوال والعبث بالحقائق فما كان من عادته قط.

وكان "محمد" إذا سئل أن يأتي بمعجزة قال حسبكم بالكون معجزة. انظروا إلى هذه الأرض، إلى ست من عجائب صنع الله؟!  إلى ست آية من آيات عظمته. انظروا إلى هذه الأرض التي خلقها الله لتمشوا في مناكبها ولتأكلوا من رزقها. انظروا إلى هذا السحاب المسير في الآفاق كيف يتحول إلى ماء يروي الأرض ويخرج به النبات والزرع. ألستم أنتم معجزات؟ لقد كنتم صغاراً، وقبل ذلك لم تكونوا أبداً، ثم لكم جمال وقوة وعقل، ثم يأتيكم المشيب ثم تموتون، لقد كان الكون نفسه في نظره معجزة! لقد كان يرى كل ما كان يراه كبار المفكرين، وهو أن هذا الكون المادي إنما هو في الحقيقة لا شيء. وهو ظل علقه الله في الفضاء لا غير، وإن دل على شيء فهو يدل على أنه آية من آيات الله.

ويزعم المتعصبون أن محمداً لم يكن يريد بدعوته غير الشهرة الشخصية والجاه والسلطان، كلا وأيم الله، لقد انطلقت من فؤاد ذلك الرجل الكبير النفس-المملوء رحمة وبراً وحناناً وخيراً ونوراً وحكمة-أفكار غير الطمع الدنيوي وأهداف سامية غير طلب الجاه والسلطان.

ويزعم الكاذبون أنه الطمع وحب الدنيا هو الذي أقام محمداً وأثاره، حمق وسخافة وهوس إن رأينا رأيهم، أي فائدة لرجل على هذه الصورة في جميع بلاد العرب، وفي تاج قيصر وصولجان كسرى وفي جميع ما بالأرض من تيجان!

لم يكن كغيره يرضى بالأوضاع الكاذبة، ويسير تبعاً للاعتبارات الباطلة، ولم يقبل أن يتشح بالأكاذيب والأباطيل.

لقد كان منفرداً بنفسه العظيمة وبحقائق الكون والكائنات. لقد كان سر الوجود يسطع أمام عينيه بأهواله ومحاسنه ومخاوفه.

لهذا جاء صوت هذا الرجل منبعثا من قلب الطبيعة ذاتها. لهذا وجدنا الآذان إليه مصغية والقلوب لما يقول واعية. لقد كان يجول في خاطره منذ رحلاته وأسفاره آلاف من الأفكار. ماذا أنا؟ ماهي الحياة؟ ما هو الموت؟ ماذا أفعل؟ لقد أحس هذا الرجل ابن الصحراء أن هذه هي كبرى المسائل وأهمها. وكل شيء في هذا الوجود عديم الأهمية بجنبها.

ثم استطرد توماس كارليل يصور شخصية هذا النبي الكريم إلى أن قال: "لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره وأحواله، فكان طعامه عادة الخبز والماء، وكثيراً ما تتابعت الشهور ولم توقد بداره نار، فهل بعد ذلك مكرمة ومفخرة؟ فحبذا محمد من رجل متقشف، خشن الملبس والمأكل، مجتهد في الله، دائب في نشر دين الله، غير طامح إلى ما يطمح  إليه غيره من رتبة أو دولة أو سلطان.

ولو كان غير ذلك لما استطاع أن يلاقي من العرب الغلاظ احتراماً وإجلالاً وإكباراً؛ ولما استطاع أن يقودهم ويعاشرهم معظم وقته، ثلاثاً وعشرين حجة، وهم ملتفون حوله، يقاتلون بين يديه ويجاهدون حوله؟

لقد كان في قلوب هؤلاء العرب جفاء وغلظة، وكان من الصعب قيادتهم وتوجيههم، لهذا كان من يقدر على ترويضهم وتذليلهم بطلاً وأيم الله.

ولولا ما وجدوا فيه من آيات النبل والفضائل لما خضعوا لإرادته ولما انقادوا لمشيئته.

وفي ظني أنه لو وضع قيصر بتاجه وصولجانه وسط هؤلاء القوم بدل هذا النبي لما استطاع قيصر أن يجبرهم عبى طاعته كما استطاع هذا النبي في ثوبه المرقع".

هكذا تكون العظمة؟!

وهكذا تكون البطولة؟!

وهكذا تكون العبقرية؟!

وتناول هذا المفكر الإنجليزي رسالة هذا النبي وما لاقى فيها من صعاب فكتب يقول:

كانت زوجته "خديجة" في طليعة الذين آمنوا برسالته، لقد رأى في إيمانها بكلمته المخلصة جميلاً يفوق كل ما أسدت إليه من قبل؛ فليس أجمل على النفس من أن يجد الإنسان له شريكاً في أفكاره ومعتقداته.

وهذا هو الذي دعا "نوف إلى سNovalis-" الألماني المتوفي عام (1272ه-1801م) أن يقول: ما رأيت شيئاً قط يقوي العزيمة وإلى قين أقوى انضمام إنسان آخر إلي في الرأي.

لهذا ظل محمد يذكر خديجة حتى لقي ربه، لقد سألته عائشة زوجته الصغيرة البارعة الجمال المتقدة الذكاء ذات يوم قائلة:

ألست الآن أفضل من خديجة؟ لقد كانت أرمل مسنة ذهب جمالها وولى أراك تحبني أكثر مما كنت تحبها.

فأجابها النبي:

كلا والله. لست أفضل منها وكيف يكون ذلك وهي التي آمنت بي والكل كافر ومنكر؟!

واستمر النبي يذكر رسالته لهذا ولذاك، فما كان يلقى غير الجمود والسخرية، حتى أنه لم يؤمن به في خلال ثلاثة أعوام إلا ثلاثة عشر رجلاً، وذلك منتهى البطء وبئس التشجيع، وبعد هذه السنين الثلاث أدب مأدبة لأربعين من أهله ثم قام بينهم خطيبا فذكر دعوته وأنه يريد أن يذيعها في سائر أنحاء الكون، وأنها المسألة الكبرى. فأيهم يمد  إلى ه يده ويأخذ بناصره؟، وبينما القوم صامتون في حيرة ودهشة وثب "علي" وكان غلاماً في السادسة عشرة، كان قد غاظه سكوت الجماعة، فصاح في قوة أنه ذاك النصير والظهير، ولا يحتمل أن القوم كانوا منابذين محمدا ومعادينه وكلهم قرابته، وفيهم أبو طالب عم محمد وأبو علي، ولكن رؤية رجل كهل يعينه غلام في السادسة عشرة يقومان في وجه العالم بأجمعه، كانت مما يدعو إلى العجب فنفض القوم ضاحكين، ولكن الأمر لم يكن بالمضحك، بل كان غاية في الجد والخطر!، أما "علي" فلا يسعنا إلا أن نحبه ونتعشقه فإنه فتى شريف النفس، يفيض قلبه رحمة وبراً، وكان أشجع من أسد، ولكن كانت شجاعته ممزوجة برقة ووداعة وحنان.

واستمر النبي يؤدي الرسالة إلى كل من أصغى  إلى ه وينشر مذهبه بين الحجيج مدة إقامتهم بمكة ويستميل الأتباع هنا وهناك، وهو يلقى أثناء كل ذلك منابذة ومناوأة ومناصبة بالعداوة ومجاهرة وشراً باديا وكامنا، وكانت قرابته تحميه وتدافع عنه، ولكنه عزم هو وأتباعه على الهجرة إلى الحبشة فوقع خبر ذلك العزم من قريش أسوأ موقع وضاعف حنقهم عليه، فنصبوا الأشراك وبثوا الحبائل وأقسموا بالآلهة ليقتلن محمدا بأيديهم، وكانت خديجة قد توفيت وتوفى أبوطالب، وتعلمون أصلحكم الله أن محمداً ليس بحاجة إلى أن نرثي له ولحاله النكراء ومقامه الضنك وموقفه الحرج، ولكن اعرفوا معي أن حاله وقتئذٍ كان في أشد حالات الضنك والبلاء، لقد كان يختبئ الكهوف ويفر متنكراً من مكان إلى مكان، لا مأوى له ولا ناصر ولا معين، تتهدده المخاوف وتتوعده المهالك.

وفي العالم الثالث عشر من رسالته وجد أعداءه متألبين عليه جميعاً؛ وكانوا أربعين رجلاً كل من قبيلة ائتمروا به ليقتلوه، وعندئذٍ وجد المقام بمكة مستحيلاً فهاجر إلى يثرب حيث التف به الأنصار، والبلدة تسمى الآن بالمدينة، أي مدينة النبي وهي من مكة على بعد مائتي ميل، تقوم وسط صخور وقفار، ومن هذه الهجرة يبتدئ التاريخ في المشرق والسنة الأولى من الهجرة توافق 622 ميلادية وهي السنة الخامسة والخمسون من عمر هذا النبي.

وبهذا بدأ النبي في مرحلة جديدة من مراحل رسالته.

***

وتناول "توماس كارليل" الدين الإسلامي ببعض البحث والتحليل فكتب يقول: لقد أخرج الله العرب بالإسلام من الظلمات إلى النور وأحيا به أمة هامدة، وما كانت هذه الأمة إلا فئة جوالة في الصحراء خاملة فقيرة تجوب الفلاوات، ومنذ بدء العالم لا يسمع لها صوت ولا تحس منها حركة، فأرسل الله لهم نبيا بكلمة من عنده ورسالة من قبله، فإذا بالخمول قد استحال شهرة، والغموض نباهة، والضعف قوة وإذا بالضوء الخافت قد أضحى نوراً وهاجا يملأ الأنحاء ويعم الأرجاء.

وما هو إلا قرن بعد هذا الحادث حتى امتدت دولة العرب إلى الهند وإلى بلاد الأندلس، وظلت هذه الدولة تشرق حقباً عديدة ودهوراً مديدة بنور الحق والمروءة والعدل والشهامة والنبل.

وفي موضع آخر كتب يقول: "وفي الإسلام صفة أراها أشرف الصفات وأعظمها وهي المساواة بين الناس، وهذا يدل على صدق النظر وصواب الرأي".

والإسلام لم يقنع بجعل الصدقة سنة محبوبة، بل جعلها فرضاً على كل مسلم، وجعلها قاعدة من قواعد الإسلام، وقدرها بنسبة من الثروة، تعطي للفقراء والمساكين والمنكوبين.

جميل والله كل هذا!!

جميل والله أن ينبعث صوت الرحمة والإخاء الإنسانية من فؤاد هذا النبي الكريم ابن القفار والصحراء.

وقد نتساءل لماذا اختار "توماس كارليل" هاتين الميزتين من بين مزايا كثيرة؟!

لقد رأى في هاتين الميزتين مظهرين مختلفين من مظاهر إصلاح المجتمعات وتقويمها.

لقد رأى في الصدقات مظهراً من مظاهر التكافل والتضامن الاجتماعي بين طبقات الشعب الواحد.

وفي معرض الدفاع عن الدين الإسلامي كتب يقول: وأي دليل يشهد ببراءة الإسلام من الميل إلى الملذات من شهر رمضان الذي تلجم فيه الشهوات وتزجر فيه النفوس.

إن أمجد الخصال وأشرف المكارم هو أن يكون للمرء من نفسه على نفسه سلطان، وألا يجعل من لذاته أغلالاً تقيده، بل يجعل منها حليا وزخارف متى شاء خلعها ومتى شاء نزعها.

كذلك أمر رمضان، حيث تلجم فيه الشهوان وتخضع. ثم استطرد في دفاعه عن الإسلام يقول: لقد مضت على هذا الدين مئتان وألف عام وهو الدين القويم والصراط المستقيم لأكثر من سدس سكان العالم[2] وما زال فوق ذلك دينا يؤمن به أهله من حبات أفئدتهم، ولا أحسب أن أمة اعتصمت بدينها اعتصام المسلمين بإسلامهم، إذ يوقنون به كل اليقين، ويواجهون به الدهر أبداً، وينادي حارس الليل في شوارع القاهرة أحد المارة: من السائر؟ فيجيبه السائر، "لا إله إلا الله"، إن كلمة التوحيد والتكبير لترن آناء الليل وأطراف النهار في صدور تلك الملايين من البشر، وإن الفقهاء ذوي الغيرة في الله والتفاني في حبه يذهبون إلى الشعوب الوثنية بالهند والصين والمالاي فيهدمون أضاليلهم ويشيدون مكانها قواعد الإسلام، ونعم ما يفعلون.

أما عن القرآن فكتب توماس كارليل يقول: "لقد نظر العرب إليه نظرة معجزة لما بين آياته وأذواقهم من ملائمة، ولعدم وجود ترجمة تذهب بحسنه وإبداعه.

لقد أعطاه العرب من التبجيل أكثر مما أعطاه أهل الأديان الأخرى لأديانهم وما برح في كل زمان ومكان قاعدة التشريع والعمل، والقانون المتبع في شئون الحياة ومسائلها، والوحي المنزل من السماء هدى للناس وسراجا منيراً يضيء  لهم سبل العيش ويهديهم صراطا مستقيما، ومصدر أحكام القضاة، والدرس الواجب على كل مسلم حفظه والاستنارة  به في غياهب الحياة، وفي بلاد المسلمين مساجد يتلى فيها القرآن جميعه كل يوم مرة يتقاسمه ثلاثون قارئاً على التو إلى ، وكذلك ما برح هذا الكتاب يرن صوته في آذان الألوف من خلق الله وفي قلوبهم في كل آن ولحظة".

 

[1] -المستشرق والكاتب الإنجليزي Thomas Carlyle المولود 1895، والمتوفى 1881.

[2] - يكون المسلمون اليوم أكثر من ريع سكان العالم.

Print
7463 Rate this article:
2.0

Please login or register to post comments.

أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصًا لديني ولمصر وللأزهر الشريف, وأن أراقب الله في أداء مهمتى بالمركز, مسخرًا علمي وخبرتى لنشر الدعوة الإسلامية, وأن أكون ملازمًا لوسطية الأزهر الشريف, ومحافظًا على قيمه وتقاليده, وأن أؤدي عملي بالأمانة والإخلاص, وأن ألتزم بما ورد في ميثاق العمل بالمركز, والله على ما أقول شهيد.