الجماعات المتطرفة

 

17 مايو, 2018

عائلات داعش

     بعد إعلان هزيمة وخروج تنظيم داعش من الأراضي السورية والعراقية، دخل العالم لاسيما الأراضي المنكوبة -التي تشبع ترابها من بارود القنابل والدماء- مرحلة جديدة، تَتسَمَ فيها ولو لوقت قليل ببهجة النصر والأمل، في العودة إلى حياة جديدة خالية من أصوات القذائف وصراخ الأطفال، وركام الأبنية التي تتهدم صباح مساء فوق رؤوس الأبرياء.
ومع تشتت مقاتلي داعش في بقاع مختلفة، انتقلت المواجهة مع التنظيم الإرهابي من مواجهة مسلحة إلى مواجهة تَرَصُّد وتَعقُّب، ربما يمكننا القول إن قوات الأمن أصبحت كصائد الذئاب الذي لا تكاد تغفل عينه عن أي أثرٍ، وبات داعش يلملم جراحه الغائرة وشتاته، بدعوات إلى مقاتليه بالتحرك في أعمال منفردة.
الأمر الذي يؤكد أن الإرادة الأمنية قادرة على الإجهاز والخلاص من هذا السرطان اللعين، وبخاصة حالما نتحد جميعًا يدًا واحدة ضد كل مُتَبِعٍ لهواه، غير مُبالٍ بأرواحٍ تُزهق ودماءٍ تسيل وأطفالٍ تُشَتَت.
لقد خَلّفَ داعش وراءه أرقامًا لا تحصى من الضحايا والمشردين، ولن يكون كابوس داعش سهلًا على النسيان، سواء للذين اضطروا إلى هجر أراضيهم، لينجون بأرواحهم من هذا الجحيم، أو لأولئك الذين تم تعذيبهم بوحشية، إلى أن صاروا عبيدًا وخدمًا للتنظيم.
فهذا الظِلُ الخبيث لداعش لا يزال يمثل حاضرًا لآلاف النساء والأطفال من أفراد عائلات الجهاديين، نتحدث هنا عن نساء وأطفال داعش، ممن أُجبروا بعد التعذيب على الانضمام إليه كخدم، دون أن يشاركوا بحمل السلاح، أولئك هم ضحايا النارين، نار داعش وما عانوه على أيدي هؤلاء الجنود عديمي القلوب، ونار المجتمع الذي يرفضهم وينظر إليهم على أنهم قنابل تطرف موقوتة.
بالنسبة للمجتمع العراقي، فإن كل شخص كان على صلة بالإرهابيين، هو شخص مُدان ومن ثم يتعرض للإيذاء في مخيمات اللاجئين، وبالعراق أيضًا، حيث تتخذ السلطات الخطوات الأولى بعد الانتصار، وتُمَثل عائلات مقاتلي التنظيم الإرهابي، عُقْدة ليس من السهل حلها، وهي في ذات الوقت تَحَدٍ أخلاقي وسياسي وأمني، ولغز للقانون الدولي.
جاء في تقرير منظمة العفو الدولية "المدانون،": "إن الآلاف من النساء العراقيات والأطفال الذين لهم صلات مفترضة مع داعش، قد تمت إدانتهم بجرائم لم يرتكبوها، وهم موسومين باسم "عائلات داعش" ومحرومون من الطعام والمياه والرعاية الصحية"، وبالمثل، فإن أمر الحصول على بطاقات الهُوية والشهادات بجميع أنواعها هو أمرُ غاية في التعقيد والبطء بالنسبة لهم.
يترتب على ذلك أن أي حراك أو بحث عن وظيفة للكبار أو لإلحاق الأطفال بالمدراس، هو أمر مستحيل في ظل غياب الوثائق الرسمية، وهم بالإضافة لما سبق سجناء في المخيمات، معزولين عن اللاجئين الآخرين الذين يكرهونهم، فهؤلاء النازحين "مُدانين" حتى قبل محاكمتهم، وهم في الغالب ضحايا للعنف وسوء المعاملة من قبل الجنود أنفسهم.
فما الذي يجعل من النسب العائلي إدانة؟ هناك تواطؤ تجاه الناجين من احتلال وقبضة داعش، في الموصل والرمادي وتلعفر وغيرها من المراكز الحضرية العراقية المغايرة، فإنه باختصار قد تم وضع علامة حمراء دائمة، على أولئك الذين لديهم قريب قد تم تجنيده طوعًا أو بالقوة بين الجهاديين.
بالحديث عن المجندين لدى داعش يجب الأخذ بعين الاعتبار أن كلمة "المجندين" تعني أيضًا الموظفين الإداريين والطهاة والعاملين، وأي شخص عمل مع المقاتلين، واندمج في السلسلة الهرمية للتنظيم منذ عام 2014 فصاعدًا دون حمل السلاح، إلا أنه على الرغم من ذلك لا يُستثنى من التعرض للخطر والإيذاء، حتى وإن كان كُل جُرمه، أنه قد عاش وسط حي يسيطر عليه التنظيم، حسب ما ذُكر في تقرير منظمة العفو الدولية.
ووفقًا لما أفادته وسائل الإعلام العربية، فقد تضاعفت طلبات الطلاق أو إلغاء الزواج من النساء العراقيات، اللواتي أُجبرن على الزواج من رجال ميليشيا داعش، وقد تحررن الآن من ظلم وطغيان أزواجهن المسجونين، لكن السلطات العراقية لا تعرف كيف تتصرف بحقهن، خشية أن يستغل الموالون للأفكار الجهادية ذلك الأمر.
وفيما يخص الزوجات الأجنبيات لمقاتلي داعش وأطفالهن، فالأمر أكثر تعقيدًا، فقد تم إيداع مجموعة كبيرة منهم، تتألف من حوالي 1400 مدني في مخيم للاجئين جنوبي الموصل، كما ذُكر في بغداد أواخر عام 2017، وإن الغالبية العظمى من النساء الأجنبيات هي من الأتراك، الجمهوريات السوفيتية السابقة (طاجيكستان، أذربيجان، الاتحاد الروسي)، ثم تأتي أعداد صغيرة لآسيويات وأوروبيات، خاصة من فرنسا وألمانيا.
في الأسابيع الأخيرة، أمرت العدالة العراقية، بالاتفاق مع موسكو، بتسليم المواطنات الروسيات زوجات مقاتلي داعش مع أطفالهن، بينما  فضلت باريس أن تتم محاكمة، النساء الفرنسيات اللواتي سافرن طواعية إلى  سوريا والعراق، وهي حالة النساء المنضمات إلى داعش،و اللاتي اعتقلتهن القوات الكردية في شمال سوريا، وكانوا محل نقاش في فرنسا في بداية عام 2018.
 وتتساءل برلين كيف يجب أن تتعامل مع مواطنين، يحملون جواز سفر ألماني وعائدون من سوريا والعراق، خاصة أن معظمهم من النساء والأطفال المشتبه في تطرفهم.
وقد أطلقت صحيفة ديلي ميل البريطانية ناقوس خطر شديد بقولها إن: "ألف "عروس داعشية" من المحتمل دخولهن مجددًا إلى القارة العجوز في الأشهر القادمة، بحكم جوازات السفر الأوروبية التي في حوزتهن.
ومع نهاية عِقْدٍ من الصراع والعدوان، يكافح العراق ليقدم رؤية قانونية موحدة في شأن هؤلاء النساء، بالقول إنه يجب محاكمة الكبار منهم من قبل المحاكم العراقية، حتى لو كانوا أجانب، هذه هي الفلسفة التي برزت على الساحة في البلد الشرق أوسطي مع مرور الأشهر.
وبالنسبة للقاصرين ترى ذات الفلسفة، إن برنامج إعادة التأهيل ضد التطرف يجب أن تكفله مختلف بلدان المنشأ لمن لهم صلة بداعش، لكن الجميع في حقيقة الأمر عديمو الخبرة على حد سواء أمام تحد ذي أبعاد عصرية كبيرة وخطيرة.
إنها لحقيقة مؤكدة، فالمجتمعات على اختلافها تعيش حالة من التحدي الصارخ إزاء ضحايا خَلّفَهَا الإرهاب، ليس من السهل الكشف عن ما في مكنونها من خواطر أو أفكار، ومن آمال في مستقبل وحياة جديدة خالية من الدماء والجراح، ولهذا ينبغي الحذر كل الحذر أمام هذه القضية، وعندما نتحدث عن الحذر لا يعني أبدًا النبذ أو الإقصاء، وإنما التؤدة في اتخاذ القرارات دون إغفال الحق الإنساني لهؤلاء البشر.
 ينبغي على الجميع التكاتف في برامج إعادة تأهيل هؤلاء الناجين من ويلات التطرف والإرهاب، وهم تحت مجهر الإنسانية والأمن، فالإنسانية كما تطالبنا بالحفاظ على أرواح هؤلاء ومعاملاتهم بالحسنى، تتطلب منا في الوقت ذاته، أن نحافظ على دماء الأبرياء، وأن لا ندع للمتطرفين مجالًا ينفذون من خلاله إلى قلوب المجتمعات.   

 
وحدة الرصد باللغة الإيطالية