بعد لحظاتٍ من اختِتام الصحفيّ الأفغاني، "سميم فارامارز"، تقريرَه المباشر حول آخِر الهُجومات الانتحارية، في العاصمة الأفغانية "كابول"؛ انفجرت سيارةٌ مُفَخَّخةٌ على بُعدِ أمتارٍ قليلةٍ منه، وهو ما أسفر عن مقتله، هو والمُصَوِّر الذي كان يصاحبه؛ "رامز أحمدي".
لقد فتح هذا الحادثُ الأليم -الذي وقع على الهواء مباشرةً- البابَ للحديث مرّةً أخرى عن البيئة المحفوفة بالمخاطر، التي يعمل فيها الصحفيّون الأفغان، تلك البيئة التي تَسبّبت في مقتل "فرامارز"، وصديقِه؛ "أحمدي"، في الخامس من سبتمبر الجاري، وغيرهما من الصحفيين الأفغان، ممّن دفعوا حياتَهم ثمنًا لنقل الواقع المَعيش في البلاد، وبلغ عددهم 14 صحفيًّا خلال العام الجاري (2018)؛ وهو ما جعل أفغانستان توصف بأنها البلادُ الأكثرُ دَمويّةً وخطورةً على حياة الصحفيين.
في كلّ مرّةٍ يخرج فيها أيّ صحفيٍّ لنقل الأخبار وترجمة الواقع لصورةٍ أو تقريرٍ أو خَبَرٍ؛ تَتعرّض حياته للخطر، ويواجه احتماليّةَ الموت.
يقول "حميد حيدري"، المُراسِلُ في تلفزيون 1TV، والذي يحتفظ بصورٍ فوتوغرافية للعديد من المُصَوِّرين، ممّن قُتلوا خلال عملهم: "عندما نترك منازلَنا؛ لا نعلم ما إذا كنّا سنعود إليها أحياءً أم لا".
ويقول "لطف الله نجف زاده"، مديرُ شبكة TOLO، والتي تُعَدُّ أكبرَ محطّةٍ إذاعيّةٍ خاصّةٍ في أفغانستان: "لقد كان الأمر في غاية الخطورة بالنسبة لنا، ومع استمرار تدهور الوضع الأمنيّ في أفغانستان؛ فإن الخوف والقلق مستمرّان".
بالرجوع قليلًا إلى الوراء؛ نجد أن ما يَقرُب من 60 صحفيًّا وموظّفًا إعلاميًّا قد قُتلوا في أفغانستان، منذ الهجوم الذي قادَته الولاياتُ المتحدة عام 2001، والذي أطاح بنظام "طالبان"، وساعَد في ازدهار وسائل الإعلام المستقلة، بمُعَدَّل حَوالَي ثلاثةٍ في العام، وذلك وَفْقًا لمنظمة "مراسلون بلا حدود" (RSF).
غيرَ أن رحيل قوّات "الناتو" نهايةَ عام 2014، كان بمنزلة نقطة التحول؛ حيث تُظهِر الأرقامُ الصادرة من قِبَل "مراسلون بلا حدود"، أن 39 صحفيًّا وعاملًا في وسائل الإعلام -أكثر من نصف العدد الإجماليّ- قد قُتلوا منذ ذلك الحين، على يد "طالبان" و"داعش"، الذي ظهَر مؤخّرًا في أفغانستان؛ لهذا قامت وسائل الإعلام بتقليص عملها وتغطيتها في ساحات المعارك، لكن ظلّت الهجماتُ الانتحارية في المناطق الحضَريّة بمنزلة حَجَرِ الأَساسِ لغُرَف الأخبار، التابعةِ لتلك الوسائل.
إن الهجوم المُزدَوَج بالقنابل، الذي وقع في العاصمة الأفغانية، في 30 من أبريل الماضي؛ قد أدّى إلى تغيير ذلك، حيث قُتل 9 صحفيين، بينهم "شاه مرعي"، كبيرُ مُصَوِّرِي وكالة "فرانس برس" (AFP)، وهو الهجومُ الأكثرُ فتكًا ضد وسائل الإعلام، منذ سقوط حركة "طالبان".
وبعد أَقَلَّ من ثلاثة أشهر، قُتل "محمد أختر"، سائقُ وكالة "فرانس برس"، في هجومٍ انتحاريٍّ آخَرَ، أثناء تَوَجُّهه إلى عمله، ثم قُتل كلٌّ من: "فرامارز"، و"أحمدي"، في سبتمبر الجاري.
كلّ هذه الحوادث تَطرح العديدَ من التساؤلات عن مدى الخطورة التي يَتعرّض لها العاملون في المجال الإعلاميّ في أفغانستان، وعن المسئول عن كلّ ما يحدث، وعن توفير الأمان لمَن يعمل في مثل تلك المجالات.
يُلقي الكثيرون باللّوم على الحكومة الأفغانية وقوّات الأمن؛ لفشلهما في حماية هؤلاء الصحفيين، كما تَتعرّض وسائلُ الإعلام لانتقاداتٍ شديدةٍ، للسبب نفسِه؛ "تَعَرُّض موظّفِيها للخطر".
يقول "سيد إكرام أفضلي"، المديرُ التنفيذيّ لمجموعة "إنتيجريتي ووتش" الأفغانية، للدفاع عن حقوق الإنسان: "إن خسارة الصحفيين في أحداثٍ مُشابِهةٍ ومُتعاقِبة، وعدم تَعَلُّمهم من الأخطاء؛ هو بمنزلة سوءِ إدارةٍ من جانب الحكومة والمؤسّسات الإعلامية".
تَجدُر الإشارةُ إلى أنّ المُسَلَّحِين هم مَن يَتصَدّرون العناوينَ الرئيسة؛ لقتلهم المدنيين وقوّاتِ الأمن والصحفيين.