يحاول البعض دَومًا الربطَ بين الإرهاب والدين، وكأن الدين مصدر الإرهاب، ومع ظهور التيارات الإرهابية التي تتحدث باسم الإسلام؛ زعم الكثيرون أن الإسلام دينٌ إرهابي، لكن القراءة الموضوعية للأحداث لا تدعم هذا الربط؛ أوّلًا: من ناحية أن هناك جماعاتٍ إرهابيةً من أديانٍ أخرى، وثانيًا: من ناحية أن الإرهاب قد ينتج بسبب دوافعَ أخرى لا عَلاقة لها بالدين؛ فالحروب الصليبية لم يَشنّها المسلمون، وحتى في عصرنا هذا، مسلمو "الروهينجا" هم المضطهدون، ومسلمو فلسطين هم المغتصبة أرضُهم...
والأمر ليس مقصورًا على ذلك، بل الحقيقة أنه لا عَلاقة للإرهاب بالأديان؛ فالإرهاب هو نِتاج التطرف، والتطرف آفَةٌ نفسية اجتماعية تحاول أحيانًا البحثَ عن مُسَوِّغاتٍ لها في الأيديولوجيا، سواءٌ أكانت أيديولوجيا دينية أم سياسية أم اقتصادية؛ ألم تكن الحركات الاستعمارية الحديثة التي عانت منها كثيرٌ من الدول نِتاجَ داوفعَ اقتصاديةٍ للسيطرة على ثروات العالم؟ وحديثًا، نسمع بكثرةٍ مصطلح "اليمين المتطرف"، و"اليمين" ليس دينًا، إنما هو مذهبٌ سياسي؛ وبالتالي: فإن المطلوب ليس هو مهاجمة الدين.. أيّ دين، بقَدْرِ ما هو مهاجمة الفكر المتطرف ومعرفة أسبابه التي تكون في الغالب أسبابًا اجتماعية واقتصادية.
ربما تبرز أهمية هذا التأكيد ونحن نتابع دراسةً أعدّها موقع Southern Poverty Law Center، والتي وجدتْ أنه من خلال تحليل قواعد البيانات فإن ثلثي الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية العامَ الماضيَ، نفّذها متطرفون يمينيون؛ حيث أفاد بعض الباحثين والصحفيين بـ "مركز كوارتز الإخباري"، أنهم استخدموا البياناتِ التي أعدّتها قاعدة بيانات الإرهاب العالمي، مُتَتبِّعَةً الأحداثَ الإرهابية حول العالم، بدءًا من عام 1970، في تحليلهم للأحداث.
وتَجدُر الإشارة إلى أن قاعدة البيانات تلك مدعومةٌ من الاتحاد الوطني لدراسة الإرهاب والاستجابات للإرهاب، التابعِ لجامعة ميرلاند، وقد أوضح تحليل "كوارتز" لقواعد البيانات؛ أن قُرابَةَ ثلثي الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة العامَ الماضيَ مرتبطةٌ بدَوافِعَ عنصريّةٍ، أو مُعادِية للمسلمين، أو مُعادِية للمثلية الجنسية، أو مُعادِية للساميّة، أو الفاشيّة، أو مُعادِية للحكومة، أو كارِهة للأجانب، أمّا باقي الهجمات؛ فهي نابعةٌ من دَوافعَ أيديولوجيّةٍ يَسارية أو من قبل جماعات متطرفة.
وعلى صعيدٍ آخَرَ؛ نجد جريدة "الجارديان" تنشر خبرًا بعنوان: "بريطانيا: اعتقالاتُ اليمين المتطرف تزدادُ خمسةَ أضعافٍ منذ مقتل البرلمانية العُمّاليّة جو كوكس"؛ حيث أشار الخبر إلى أنه تمّ إلقاء القبض على 28 إرهابيًّا أو مُشتَبَهًا به في قضايا تتعلّق باليمين المتطرف، في نهاية يونيو الماضي، مُقارَنَةً بسِتّةِ مُعتقَلين فقط، قبل مقتل البرلمانية العُمّاليّة "جو كوكس".
إذًا، كما أن هناك إسلاميين متطرفين، فهناك مسيحيّون ويهودٌ وبوذيّون متطرفون، وهناك كذلك يمينٌ متطرف؛ فالآفَةُ التي لا بُدَّ من استهدافها هي التطرف، وليس الالتزامَ الدينيّ، بغَضّ النظر عن هذا الدين، وهذه الآفَةُ يُحَذِّر الإسلامُ نفسُه منها؛ حين يقول نبيّ الإسلام –صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "إيّاكم والغُلوَّ في الدين، فإنّما أَهْلَكَ مَن كان قَبْلَكم الغُلوُّ في الدين"، ويقول –صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "هَلَكَ المُتَنَطِّعون، هَلَكَ المُتَنَطِّعون، هَلَكَ المُتَنَطِّعون".
وحدة رصد اللغة الإنجليزية