مآسي العالم الإسلامي فريدة من نوعها
ممّا يؤسف له أن حال الدول الإسلامية يصير أسوأَ يومًا بعد يوم، فلم نَكَدْ نحزن اليوم على حالِ دولةٍ حتى نرى في الغد دولةً أخرى تُنسينا هذا الحزنَ وتُشعرنا بأن هذه الدولة التي حَزِنّا عليها أمسِ حالها بالرغم من كارثيته أفضلُ بكثيرٍ من غيرها من الدول الأخرى، وكأن العالم الإسلامي قد كُتبت عليه الفتن الطائفية والمذهبية والقتل والدمار والخراب وسقوط الدول واحدة تلو الأخرى.
إن الكوارث والمآسي تكون دائمًا في عالمنا الإسلامي جديدة وفريدة من نوعها. فأزمة اللاجئين السوريين وصفَها الكثير من قادة ورؤساء الحكومات والدول بأنها أكبرُ كارثةٍ إنسانية شهدها العالم في العصر الحديث، كما تحدث عنها الإمام الأكبر، الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في مؤتمر السلام الذي عُقد في القاهرة مايو الماضي بقوله: "مأساة إنسانيَّة بالِغة الحُزنِ، لا نَعْدُو الحَقِيقةَ لَوْ قُلنَا: إنَّ التَّاريخَ لَمْ يَعْرِف لها مَثيلًا مِن قَبلُ".
كما أن عام 2016 تمّ وصْفُه في الصحف العالمية بعام الموت؛ لأن البحر المتوسط شهد في هذا العام أكثرَ حوادثِ غرقٍ في تاريخه، والغالبية العظمى من هؤلاء الغَرْقى -إن لم يكن كلهم- كانوا من اللاجئين المسلمين وخصوصًا السوريين، واليوم نحن مع قضيّةِ أكثرِ أقليّةٍ دينيّةٍ مُضطهَدةٍ في العالم؛ وَفقًا لتصنيف الأمم المتحدة لها، وهي قضية مسلمي ولاية "أراكان" في دولة "ميانمار" والمعروفين باسم "الروهينجا".
حيث تُمارَس ضد المسلمين هناك منذ الخامس والعشرين من أغسطس الماضي إبادةٌ جماعية وتطهيرٌ عِرْقيٌّ مُمنهَجٌ يَستهدِف قتلَهم جميعًا في وقتٍ ينشغل فيه العالَم ببحث أسباب هذه الإبادة والتطهير؛ هل هما قائمان على أساسٍ "عِرْقي"، أم أساسٍ "دينيّ"؟ وهل البوذيون والجيش يقتلونهم لأنهم "روهينجا" أم لأنهم مسلمون؟ وكأن بحْثَ أسباب القتل أهمُّ بكثير من إيقاف القتلِ ذاتِه! مهملًا عملياتِ القتل والتهجير والحرق والإبادة الجماعية التي تُمارس في حقهم، والتي وصفها فضيلة الإمام الأكبر بقوله " لقد تابع العالَم على مدار الأيام الماضية ما تنقله وسائل الإعلام ومواقعُ التواصُل الاجتماعي؛ من صورٍ مفزعةٍ ومروّعةٍ لأعمال القتل والتهجير، والحرق والإبادة الجماعية، والمجازر الوحشية التي راح ضحيتها مئات النساء والأطفال والشباب والشيوخ الذين حوصروا في إقليم "راخين" في "ميانمار"، وأجبرتهم السلطات هناك على الفرار من أوطانهم تحت ضغط هجماتٍ وحشيّةٍ بربريّةٍ، لم تعرفها البشرية من قبلُ، ومنهم مَن مات مِن أَلَم المشي وقسوة الجوع والعطش والشمس الحارقة، ومنهم مَن ابتلعته الأمواجُ بعد ما ألجأه الفرار إلى ركوب البحر"
وكما قال الإمام الأكبر؛ فإن ما يحدث لمسلمي "الروهينجا" همجيّةٌ وبربريّةٌ "لم تعرفها البشرية"، فالمسلمون هناك محاصرون بين القتل من قِبَل البوذيين والجيش، وبين الهروب إلى "بنجلادش" في رحلةِ موتٍ لا تقلّ صعوبةُ النجاةِ منها عن صعوبة النجاة من البوذيين، ولقد رصدنا الكثير من الأخبار التي تفيد غرق بعض الهاربين من "أراكان" إلى "بنجلادش" في نهر "ناف" الواقع بين "ميانمار" و"بنجلادش"، حيث غرق تسع نساءٍ وعشرة أطفالٍ في نهر "ناف" كانوا هاربين من المذابح في "أراكان"، لكنهم لاقَوْا حتفَهم قبل الوصول.
لو كان هذا الحادثُ وقع في دولةٍ غربيّةٍ لأعلنَ العالَمُ كلُّه الحِدادَ، وتلقّى رئيسُ الدولة التي ينتمى إليها الغرقى ووزراؤه وحكومتُه التعازيَ من قادةِ وزعماء الدول الأخرى، وارتدى لاعبو كرة القدم الشاراتِ السوداءَ في الملاعب حِدادًا على أرواح الضحايا، وكأنّ العالَم يرسل رسالةً مُفادُها: "نحن لا نحزن إلا على الأقوياء".
لقد أدانتْ عدة دول غربية ما يحدث لمسلمي "الروهينجا"، وهذا شيءٌ جيّدٌ وإيجابيٌّ، لكن يؤخذ على بياناتهم أنها كانت بياناتٍ هادئةً تحمل بين ثناياها مساواةً بين الجاني والمجنيّ عليه، بين الظالم والمظلوم، وبين القاتل والمقتول، وإننا لنتساءل: ما هو معنى الجملة المشترَكة التي -تقريبًا- شملتها جميعُ بيانات الدول الغربية والتي تقول:"ونُطالِب جميعَ الأطراف بالهدوء وضَبْط النفس"؟ لو قالوا: "نطالب حكومة ميانمار وجيشها بضبط النفس" لكان من الممكن أن نتفهّمَ ذلك، لكن كيف يُطالَب شعبٌ يُقتل ويُباد وتُمارَس ضده إبادةٌ جماعيّةٌ على مرأى ومسمعِ العالم كلِّه، ثم نطالبه بضبط النفس؟ فكيف يَضبط المظلوم نفسَه أمام الظالم؟ والأعزل أمام المسلح؟ والضعيف أمام القوي؟ إن هذا لشيءٌ عجيبٌ وغريب وفريد من نوعه تمامًا، مثل الكوارث التي تحدث في العالم الإسلاميّ. نسأل اللهَ العظيمَ أن يَفُكَّ كَرْبَ المسلمين في "ميانمار" وأن يحلّ السلام في بلادهم.
وحدة رصد اللغة التركية
2817