الإسلاموفوبيا

 

14 مارس, 2022

تطور ظاهرة الإسلاموفوبيا في إسبانيا خلال عام ٢٠٢١م

(3) - وسائل الإعلام والإسلاموفوبيا: سلاح ذو حدين

استكمالًا لسلسلة التقارير الخاصة بتطور ظاهرة الإسلاموفوبيا في إسبانيا خلال عام ٢٠٢١م، والتي ‏تحدثنا في جزئها الأول عن أبرز الاعتداءات والانتهاكات وسبل مواجهتها مجتمعيًّا ومؤسسيًّا داخل ‏إسبانيا، وكذلك تسليط الضوء في الجزء الثاني على دور اليمين المتطرف في ‏تغذية الإسلاموفوبيا، نستعرض في الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة دور وسائل الإعلام في تغذية الإسلاموفوبيا، على اعتبار أن تلك الوسائل تمثل سلاحًا ذا حدين، مع ذكر أبرز توصيات مرصد الأزهر الخاصة بمكافحة تفشي تلك الظاهرة.
دور وسائل الإعلام في تغذية الإسلاموفوبيا.. سلاح ذو حدين:
تلعب وسائل الإعلام دورًا بالغ الأهمية في التوعية المجتمعية بالظواهر الإيجابية لدعمها، والسلبية للحد من خطورتها وتجنبها، وفيما يخص ظاهرة الإسلاموفوبيا فإن التناول الإعلامي يشكل نقطة فارقة سواء في الحد من تفشيها أو انتشارها بين الأوساط المجتمعية المختلفة.
ولا شك أن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وكذلك شبكات التواصل الاجتماعي تحمل على عاتقها دورًا مهمًّا في نشر الوعي والأفكار الإيجابية، ‏ومواجهة التطرف الفكري والسلوكي وخطابات الكراهية، وإزالة الأحكام المسبقة؛ وذلك ‏من خلال عرض مضمون جيد مع طرح عقلي للقضايا المجتمعية بطريقة تؤلف بين أبناء ‏المجتمع الواحد، وترسخ مفهوم احترام تعدديتهم الثقافية والدينية والاجتماعية.

وفي هذا السياق سلّط موقع "موندو إسلام" بالإسبانية في 24 فبراير 2021م الضوء على دراسة تبين أن المحتوى المقدم على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة من مسلسلات وأفلام وبرامج ترفيهية واجتماعية وغيرها من المواد الإعلامية يمكن أن يسهم في القضاء على الأحكام المسبقة أو يقللها، والعكس صحيح. والمعلوم أن الأحكام المسبقة هي آراء تنشأ بين مجموعة معينة من الأشخاص دون معرفة أو تحقق، وعادة ما تكون سلبية، كما يحدث مثلًا في الغرب تجاه اللاجئين والمسلمين، فعادةً ما يتم ربطهم بالإرهاب والتطرف. وتوضح هذه الدراسة أن مشاهدة مجموعة متنوعة من البرامج والمسلسلات التي تشمل الأقليات وتتناولهم بشكل إيجابي ستجعل الناس أكثر تعاطفًا وأقل تحيزًا تجاههم.
وفي هذا الإطار أكدت الكاتبة الإسبانية المسلمة "أماندا فيجيراس" في حوار صحفي مع موقع "بيننا" بالإسبانية في 2 نوفمبر ٢٠٢١م، أن الإسلاموفوبيا حقيقة واقعة في أوروبا والعالم، وتُعد من أخطر الظواهر التي تحدث في إسبانيا، ولا تُؤخذ بعين الاعتبار، ولا يُعطى لها أهمية على القدر المطلوب، لا سيما في التقرير السنوي حول تطور جرائم الكراهية، وأكدت "فيجيراس" أن وسائل الإعلام تلعب دورًا أساسيًّا في إعادة إنتاج الخطابات السلبية حول الهجرة والمسلمين وكل ما هو أجنبي. وأشارت إلى أهمية احترام التنوع والتعددية في المجتمع، وأنه يتعين على المؤسسات الإعلامية أن تراعي ذلك في ممارساتها، فالطبيعة البشرية متنوعة، ولا ينبغي تسليط الضوء على جانب في قضية ما وإغفال الجوانب الأخرى.
ومن النماذج التي توضح خطورة انحراف وسائل الإعلام عن مسارها وتغذيتها للعنصرية والإسلاموفوبيا نذكر تفصيلًا ما أفادت به لجنة الأخلاقيات التابعة لجمعية الصحافة في إشبيلية أن صحيفة «آه بيه ثيه» الإشبيلية ارتكبت خطأ يتعلق بسوء ‏التصرف المهني حين نشرت خبرًا حول اعتقال رجل مسلم، مع استخدام صورة يظهر فيها أشخاص آخرون، فقط ‏لأنهم يعتنقون الدين ذاته، مستهجنة أن يرفق بهم كلمات تصفهم بـ«الإرهاب». وأكدت اللجنة أنها تهدف -من ‏خلال هذا الاستهجان- إلى النضال من أجل ترسيخ التعايش والتسامح والاحترام في سبيل الحفاظ على مجتمع صحي ‏وقوي ومتَّحد.
وبدورها، أدانت الجمعيات الإسلامية والحقوقية في إسبانيا ذلك العمل، مشيرة إلى أنه اعتداء صريح ‏على الأشخاص الذين ظهروا ضمنيًّا في تلك الصورة التي أعاد نشرها مئات الأشخاص، فضلًا عن استغلاها من قِبَل ‏حزب «فوكس» اليميني المتطرف في كتابة تعليقات معادية للإسلام. ونظرت محكمة إشبيلية في الدعوى ‏التي رفعها (4) مسلمين بشأن تضررهم من الصورة التي نشرتها الصحيفة الإشبيلية إلى جانب صورة رجل تم اعتقاله ‏في 17 أبريل 2019م؛ بزعم تخطيطه لارتكاب هجوم في مدينة إشبيلية في فترة أعياد مسيحية، حيث نشرت صورة خاصة باجتماع للجمعيات الإسلامية ظهر فيها إمام وثلاثة مسلمين، مستخدمة إياها في خبر خاص باعتقال إرهابي مزعوم، مع التعليق عليها بمصطلح "الإرهاب". وخلال المحاكمة ذكرت القاضية "صوفيا باريرا باردو" في حكمها الصادر في 8 أبريل 2021م، أن انتهاك الحق في الصورة الشخصية يبدو واضحًا، لأن نشر صورة المدعين لم يكن ضروريًّا لدعم المعلومات المتعلقة باعتقال المتهم وهو "الإرهابي المزعوم".
وفي ضوء ذلك، قُبلت جميع نقاط الدعوى الخاصة بالمتضررين الأربعة، وحُكم على الجريدة بـ"إزالة" الصورة على الفور، ونشر النص الحرفي وتحمل تكاليف المحاكمة وتعويض مقداره عشرة آلاف يورو لكل من المدعين الأربعة من بينهم إمام مسجد "الهداية" بحي (لا ماكارينا) في إشبيلية؛ وذلك نظير الأضرار النفسية والمعنوية الناجمة عن فعل التدخل غير المشروع الذي ارتكبته الصحيفة بحق هؤلاء المدعين. وقد حاز هذا الخبر المرفق به صورة هؤلاء الأشخاص -والذي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي للجريدة-على 9349 "إعجاب" وأعاد تغريده 5548 شخصًا، من بينهم أنصار اليمين المتطرف في إسبانيا وعلى رأسهم رئيس حزب "فوكس" الإسباني "سانتياجو أباسكال"، واستخدمت هذه الصورة في توجيه إهانات للمسلمين. كما تعرض ذوو هؤلاء الأشخاص وفقًا لشهاداتهم للعديد من المضايقات في مجال العمل وعلى المستوى الاجتماعي على خلفية نشر هذه الصورة ووصموا بالإرهابيين.

وأعرب المدعون عن رضاهم بهذا الحكم مشيرين إلى أهميته الوطنية في الوقت الحالي، ويأملون في أن تصبح وسائل الإعلام والمسؤلون عن إداراتها على دراية بمسؤوليتهم تجاه المجتمع، وعدم وصم المسلمين بالتطرف أو إقران صورتهم بجرائم خطيرة مثل الإرهاب، وأكدوا أنهم يسعون منذ سنوات إلى تحقيق الاحترام والتعايش. كما أشاروا إلى أنه لا يوجد بينهم وبين أحد أي عداء، وأنهم طالبوا الصحيفة وعلى مدار عام كامل بإزالة الصورة التي تسيء إليهم، ثم اضطروا بعد ذلك إلى اللجوء للقضاء.
وتُعد التحركات القانونية والحقوقية التي تسعى إلى دفع وصم المسلمين بــ"الإرهاب"؛ للحفاظ على النسيج الوطني والمجتمعي داخل المجتمعات إيجابية للغاية، كما أنها تسهم في إزالة الأحكام المسبقة التي تكدِّر صفو التعايش المجتمعي. وعلى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في إسبانيا والعالم تحري الدقة والتزام ‏الحيادية في نقل الأخبار بصفة عامة، والمتعلقة بالمسلمين بصفة خاصة، مع العودة إلى مدونة ‏قواعد السلوك التي أعدتها الجمعية العامة لاتحاد جمعيات الصحافة الإسبانية والمتعلقة بضرورة ‏التزام الصحفي أخلاقيًّا بتحري الحقيقة والمصداقية في نشر المعلومات. وينبغي أن يكون الخطاب الإعلامي على دراية بتلك الأبعاد الخطيرة، وأن يسهم في إزالة الأحكام ‏المسبقة من خلال تقديم محتويات مناسبة تعمل على أُلفة المجتمع وتماسكه، أما إذا اتخذ الخطاب ‏الإعلامي منحى آخر وقدم محتويات من شأنها بث الفرقة وترسيخ العنصرية والتمييز فمن المؤكد ‏أنه في تلك الحالة سيكون معول هدم للبناء المجتمعي. ‏
خاتمة وتوصيات
يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على أن ظاهرة الإسلاموفوبيا – ونرى أنه من الأفضل أن نطلق عليه "معاداة الإسلام والمسلمين" - آفة مجتمعية تُهدد حالة السلم المجتمعي وتتطلب تضافر الجهود واتخاذ الإجراءات والتدابير الرسمية والمجتمعية اللازمة للحد من خطورتها والقضاء عليها.
كما يُشدد المرصد على أن إثارة تيارات اليمين المتطرف للكراهية والتحريض على العنف ضد فئة مجتمعية بعينها، مثل المسلمين والمهاجرين من خلال وسائل الإعلام، لا يقل خطورة عن أنشطة التنظيمات المتطرفة وتأثيراتها المدمرة على الأفراد والمجتمعات.
وفي هذا الإطار يوصي مرصد الأزهر بعدة أمور من شأنها الحد من تفشي هذه الظاهرة المقيتة أبرزها:
● ترسيخ مفهوم المواطنة واحترام الآخر وقبول التعددية الثقافية والفكرية والدينية، والعمل على توعية المجتمع بهذه المحاور بكل الوسائل الإعلامية والميدانية الممكنة حتى ينعكس ذلك على السلوكيات الفردية في المجتمع.
● إدانة الأعمال العدائية ضد فئات المجتمع بشكل قوي وحاسم، وعلى السلطات القضائية أن تضطلع بدورها في هذا الأمر بكل حزم؛ لمنع استباحة تلك الفئات وجعلها عرضة للانتهاك، والحيلولة دون بث رسائل الكراهية ‏والشقاق بين أبناء المجتمع الواحد، لا سيما من أصحاب المصالح السياسية كاليمين المتطرف.
● تفعيل مواد الدستور والقوانين التي تنص على احترام الحرية الدينية وتحقق الضمان لممارسة الشعائر الدينية لكل طائفة، وكذلك احترام اختيار المرأة المسلمة في ارتداء الحجاب في الأماكن العامة وفي العمل.
● توعية النشء من خلال وسائل الإعلام وعن طريق محتوى المواد الدراسية بأهمية المواطنة وترسيخها في نفوسهم حتى تنعكس ‏إيجابًا على أفكارهم ‏وسلوكياتهم اليومية في التعامل مع الآخرين، بما يسهم في نماء المجتمع وتقدمه ‏ثقافيًّا ‏وحضاريًّا.
● التضييق على الخطابات المتطرفة والمروجة للكراهية والعنف ومنع انتشارها على شبكات التواصل الاجتماعي، ويعول هذا الأمر بشكل رئيسي على مسؤولي تلك المواقع والمنصات؛ للحد من انتشار الكراهية ويرسخ احترام القوانين والمواثيق الدولية.
● دعم مبادارت المنظمات الحكومية وغير الحكومية الرامية إلى توعية المجتمع بخطورة ظاهرة ‏‏"الإسلاموفوبيا" ومدى تأثيرها السلبي على تماسك المجتمع وتقدمه في المجالات كافة، وعقد الفعاليات والأنشطة اللازمة لذلك بشكل دوري.
● عدم ربط الإسلام بالإرهاب والمساهمة في إزالة الأحكام المسبقة التي تؤثر على عملية التعايش السلمي وتهدد الاندماج الاجتماعي. ‏
● ضرورة تحري وسائل الإعلام، المقروءة والمسموعة والمرئية للدقة، والتزام ‏الحيادية ‏في نقل الأخبار بصفة عامة، والمتعلقة بالمسلمين بصفة خاصة، مع العودة إلى ‏مدونة ‏قواعد السلوك التي أعدتها الجمعية العامة لاتحاد جمعيات الصحافة الإسبانية الخاصة ‏بضرورة ‏التزام الصحفي أخلاقيًّا بتحري الحقيقة والمصداقية في نشر المعلومات.
● نشر الصورة الحقيقة للإسلام، وإزالة الحواجز النفسية من خلال التأكيد على المعلومات الصحيحة وعدم ترويج الشائعات ضد المسلمين.


كلمات دالة: مرصد الأزهر

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.