اللاجئون

 

20 أغسطس, 2017

مشكلة جديدة تواجه اللاجئين

لاشك أن كل كائن حي في هذه الدنيا  يحتاج إلى مكان يلوذ به، أو مأوى يسكن إليه؛ لذلك يشيد البشر البيوت، و تبني الطيور العشوش، وتحفر الوحوش الجحور، ويشعر كل كائن حي بالراحة والطمأنينة في مكانه الذي يعيش فيه ويشعر بالحزن والضجر عند تعرض هذا المكان للهدم والتخريب، أو إذا شاءت إرادة الله وهجره لأي سبب.

ويزداد حنين الإنسان إلى بيته إذا كان قد تركه رغمًا عنه، وتعرض لظروف قاسية ومفاجئة ما كان سيتعرض لها إن ظل في مكانه وبيته، أو أن يشعر بأنه لن يعود إليه مرة أخرى. ولاشك أن اللاجئين السوريين يعانون معاناة شديدة تزداد يومًا بعد يوم في بلاد ليست بلادهم وفي بيوت ليست بيوتهم، وذلك بعد أن ضاق العالم بهم ذرعًا، وأصبحت كل دولة تبحث عن حل لمشكلتهم من منظورها الخاص ووَفقًا لمصالحها الخاصة؛ فبعض الحكومات تريد الاستفادة السياسية من وجودهم، وتستخدمهم كورقة ضغط في بناء عَلاقات دولية جديدة، وبعض الحكومات كل ما يعنيها ألّا يسبب اللاجئون ضررًا لها، ومِن ثَمّ أحكموا حدودهم وأغلقوها جيّدًا أمام اللاجئين وتركوهم بين البحر والصحراء.

أما الحكومات التي لم تستطع إحكام حدودها، وتدفق إليها عدد كبير من اللاجئين فتسعى باستمرار إلى التخلص منهم عن طريق الشكوى في كل المحافل الدولية تنادي على الدول الأخرى بأن تتحمل معها مسئولية هؤلاء اللاجئين، وتستغيث بالمنظمات الدولية كي تخلصها منهم، حتى وإن كان ذلك مقابل مبالغ مالية تدفعها لدول أخرى يمكن أن تمنع عنها تدفق اللاجئين. ووسط كل هذا لا يُصغي العالم إلى مطالب اللاجئين أنفسهم ولا يسعى لاحتوائهم أو الحديث معهم ومعرفة كيف يفكر اللاجئون في حلّ قضيتهم التي تشغل العالم أجمع، فلا يُعقل في قضية اللاجئين أن يتكلم الجميع إلا اللاجئون أو أن تُسمع جميع الأصوات إلا أصواتهم.   

وإذ يتابع "مرصد الأزهر" قضية اللاجئين عن قرب ويُخصّص لها مكانًا كبيرًا ومهمًّا في تقاريره المختلفة، ويهتم بالنقل عنهم، ليعلن للعالم آهاتِهم، وينقل إليه مشاكلهم؛ إذا به اليوم يَكتشف مشكلة جديدة تؤرّق الكثير من اللاجئين، لأنها متعلقة بمستقبل أطفالهم.

هذه المشكلة هى عدم وجود مصادر تمويل لتعليم الأطفال اللاجئين في العام الدراسي القادم. ففي الخامس عشر من هذا الشهر أعلن "صندوق رعاية الطفولة" التابع للأمم المتحدة أن هناك 9 مليون و200 ألف طفل لاجئ تركوا بلادهم بسبب مشاكلَ وحروبٍ وأزمات إنسانية، وأن هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى 932 مليون دولار من أجل إعدادِ برامجَ تعليميّةٍ لهم في البلدان التي يقيمون فيها، لكن للأسف حتى الآنَ لم يستطع الصندوق تدبير سوى 115 مليون دولار، أي أقل من 15% من المبلغ المطلوب؛ لذلك فإن أزمة التمويل هذه قد تهدد تعليم هؤلاء الأطفال.

ولم نستطع في "مرصد الأزهر" أن نعرف ما إذا كان أطفالُ السوريين المقيمين في المناطق الآمنة في سوريا ضمن هذه الإحصائيات أم لا؛ حيث يوجد في المنطقة الآمنة شمال سوريا والموجودة في مدينة "إعزاز" وحدها أكثر من 300 ألف سوري. وهم بالرغم من أنهم يعيشون في بلادهم إلا أنهم يعيشون في مخيمات على الحدود كاللاجئين تمامًا، لا توجد عندهم مدارسُ أو أي مؤسسات تعليمية، بل لا توجد عندهم أدواتٌ مكتبية لتعليم أطفالهم مبادئ القراءة والكتابة.

Image

 

ويرى "مرصد الأزهر" أن حرمان أطفال اللاجئين من التعليم يُشكّل وحده مشكلة كبرى وكارثة قد تكون أشدَّ من مشكلة اللجوء نفسِها؛ لأن عواقب الجهل مع الفقر واللجوء عواقب وخيمة، فمن يُحرم من التعليم لا تُنتظر منه القدرة على حلّ مشاكله الشخصية، فما بالنا بمشاكل بلدان تبحث عن البناء والتعمير من جديد ومشاكل أمم وشعوب يبحثون عن السلام والأمن والعودة إلى الأوطان؟ إن أطفال اللاجئين اليوم هم الشباب غدًا؛ لذلك يجب تأهيلهم جيّدًا لهذا الغد الذي يُعقد عليهم الأمل فيه لحل مشاكل بلادهم وشعوبهم.

ولقد حذّرت "مزون ألمليحان" سفيرة النوايا الحسنة السورية، من هذا الوضع وقالت: إن عدم تعليم أطفال اللاجئيين يضاعف مشاكلهم ويثقلها ويجعل حلّها صعبًا، كما أن له سلبياتٍ أخرى منها على المدى البعيد: عدم قدرتهم في المستقبل على المشاركة في تطوير بلادهم وتنميتها، وعلى المدى القريب: عِمالة الأطفال والزواج المبكر.  

Image

 

ويُثمّن "مرصد الأزهر" تصريحاتِ "مزون ألمليحان"، فهى قبل أن تكون سفيرةً للنوايا الحسنة فهي لاجئة سورية تشعر بما يشعر به ملايين اللاجئين، وقد تعرضت قبل ذلك لما يتعرض له هؤلاء الأطفال اليوم؛ إذ تركت بلادها عام 2013 وهى في السادسة عشر من عمرها معتقدةً أنها لن ترى تعليمًا مرة أخرى، لكن زالت مخاوفها وازداد أملها بمجرد أن رأت مَدرسة في مخيم "الزعتري" في الأردن التي لجأت إليها مع أسرتها؛ فرارًا من الحرب في سوريا.

كما يحثّ "المرصد" جميع اللاجئين في العالم كله على التشبث بحق أطفالهم في التعليم، ويناشد "المرصد" جميع منظمات المجتمع المدني في العالم أجمع أن يولوا قضية تعليم أطفال اللاجئين الاهتمامَ اللازم، وأن يتعاونوا في إيجاد مصادر تمويل لتعليمهم، كما يناشد "المرصد" حكوماتِ العالم وأثرياءه ورجال المال والأعمال أن يساهموا في توفير التمويل اللازم لـ "صندوق رعاية الطفولة" التابع للأمم المتحدة، فمستقبل العالم لا يتحمل ملايين حُرموا من العلم، وخصوصًا في مناطق الصراع والحروب الداخلية.

كما يناشد "المرصدُ" "صندوقَ رعاية الطفولة" أن يجعل للأطفال السوريين المقيمين في المناطق الآمنة في سوريا نصيبًا من خططه، وأن يضعهم على جدول أعماله؛ فهم لاجئون لكن يعيشون في بلادهم.

وحدة رصد اللغة التركية


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.