اللاجئون

 

07 فبراير, 2022

الشائعات وخطورتها على اندماج اللاجئين في إسبانيا

     تشكل قضية اللاجئين في العالم، وخاصة في أوروبا، تحديًا رئيسًا يتطلب المزيد من تضافر الجهود والتعاون بين الدول وبين الهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية داخل الدولة الواحدة، للتغلب على صعوباتها والتعامل معها بالصورة المُثلى، التي يتأتى من خلالها معالجة تلك القضية الإنسانية في المقام الأول.
وتشتمل قضية اللاجئين عدة جوانب، منها الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومن هذا المُنطلق تتباين الرؤى في التعامل مع هذا الملف ما بين مرحب متعاون وبين رافض يخشى من المخاطر التي ربما يجلبها اللاجئون له، ضاربًا عرض الحائط بالمبادئ الإنسانية والقوانين الدولية التي تُرسِّخ مبدأ التكافل الاجتماعي والتضامن الدولي، لا سيما في وقت الأزمات.
وإذا تطرقنا للحديث عن التعامل الأوروبي مع ملف اللاجئين، فبشكل عام فإن أغلب الدول الأوروبية، ومن بينها إسبانيا، قد رحبت بوفودهم إلى أراضيها، مع تباين في أعداد من يتم استقبالهم من اللاجئين والإجراءات المتخذة حيالهم لتخفيف معاناتهم، بل سُنَّت تشريعات وقوانين لتسهيل انتقالهم وضمان حقوقهم.
وفيما يتعلق بإسبانيا فهي كما يعلم الجميع أحد البوابات الرئيسة للقارة الأوروبية، كما أنها تعتبر أبرز نقاط استقبال اللاجئين والمهاجرين، سواء للإقامة فيها أو الانتقال من خلالها إلى دول أوروبية أخرى.
وبعد وصول اللاجئين إلى إسبانيا، كما هو الحال في دول أوروبية أخرى، تعترضهم مجموعة من التحديات والصعوبات التي تتعلق على سبيل المثال بالمناخ الثقافي والديني والاجتماعي والفكري المختلف للمجتمعات الوافدين إليها، ويصبح الشاغل الأكبر هو كيفية اندماجهم مجتمعيًّا بأسرع صورة ممكنة.

ولا شك أن هناك العديد من المبادرات والمشروعات والبرامج التضامنية على المستويين الرسمي والشعبي التي تسعى إلى سد احتياجات اللاجئين الخاصة بتوفير مأوى لهم، والمساعدة في تعلم لغة البلد المضيف وفهم الجوانب الثقافية والاجتماعية له، غير أن التحدي الأكبر الذي غالبًا ما يواجه اللاجئين هو ترويج الشائعات حولهم وإثارة الكراهية ضدهم، وتمثل هذا الأمر في إسبانيا في انتشار مجموعة كبيرة من الشائعات حول اللاجئين والمهاجرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ودُشنت حملات إعلامية من شأنها تشويه صورتهم وإثارة الكراهية المجتمعية ضدهم.
وكان من جملة ما رُوَّج من أخبار زائفة ضد اللاجئين في إسبانيا، وتحديدًا خلال عام 2021م، ما نشرته جريدة "إل دياريو" الإسبانية في 29 ديسمبر 2021م، حيث سلطت الضوء على أبرز (6) شائعات وأسرعها انتشارًا وشيوعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول اللاجئين والمهاجرين في إسبانيا خلال عام 2021م. وذكرت الصحيفة أن هذه الشائعات تمثلت في الترويج بأن المهاجرين في جزر الكناري -على سبيل المثال- يسرقون دراجات نارية من المشتغلين بخدمة توصيل الطعام؛ أو قيام البعض منهم ببيع كميات من الكوكايين. ومن بين تلك الإشاعات أيضًا القول بأن الإسبان يدفعون للمهاجرين مساعدات تبلغ (1000) يورو شهريًّا. وقد أدى انتشار هذه الرسائل خلال 2021م إلى الاعتقاد بأن المهاجرين في إسبانيا متورطون في تلك الادعاءات. وقد استُخدِم في الترويج لتلك الشائعات مجموعة من الفيديوهات المجتزئة من سياقاتها للتأكيد على صحة هذه الادعاءات، ولكن الحقيقة أن الأمر على خلاف ذلك.
ففي بداية عام 2021م، انتشرت عبر تطبيق "واتس آب" صور لعملية سرقة لرجل يعمل في خدمة التوصيل مصحوبة برسائل أدت إلى الاعتقاد بأن مرتكبي الواقعة هم من «المهاجرين غير القانونيين» وصلوا لتوهم إلى جزر الكناري، ولكن بالبحث والتدقيق تبيَّن أن هذه الصور تعود لحادث وقع في إيطاليا في 1 يناير 2021م.
كما انتشرت فيديوهات أخرى لرجل يقول بأنه يحصل على ألف يورو إعانة شهرية، وآخر يبيع كمية من الكوكايين بألف يورو، وكان ذلك في فيديو عبر تطبيق "تيك توك"، ولكن وفقًا لما أفادته صحيفة "إل دياريو"، فإن هذا الفيديو لم يُسجَّل في إسبانيا من الأساس.
وكذلك انتشرت رسالة أخرى تفيد أن المسلمات المحجبات يحصلن على منحة خاصة. وبرفقة هذه الشائعة انتشر مقطع فيديو في مايو 2021م لسيدة محجبة تزعم أنها تلقت مساعدات خاصة باعتبارها واحدة من النساء المسلمات المحجبات، ولكن الجهات المسؤولة نفت هذا الأمر، وتبين أن الفيديو منزوع من سياقه، وأن جميع المعلومات التي ذكرتها السيدة في الفيديو مُختَلقة.
وانتشرت شائعة أخرى تفيد بأن القُصَّر الأجانب حصلوا على (1125) يورو في بلنسية، و(400) يورو في مدريد، والحقيقة أن الأرقام الواردة في هذا الفيديو ليست حقيقية وأنهم لم يتلقوا أية مبالغ من التي تم تداولها، وغير ذلك من الشائعات والادعاءات التي لا أساس لها من الصحة.
وللأسف فقد أصبح ترويج الأكاذيب وتلفيق التهم لللاجئين والمهاجرين أمر شائع ومستساغ لدى البعض، فالأحكام الاجتماعية المسبقة في قضية اللاجئين والمهاجرين تمثل تهديدًا كبيرًا لهم، وبشكل عام تستند إلى مفاهيم خاطئة وتصورات مسبقة كاذبة عنهم.
ومن بين ما شاع عن اللاجئين أيضًا بوجه عام منذ بداية الأزمة في عام 2014م أنهم على سبيل المثال يجلبون الأمراض، فقد انتشرت شائعات لا أساس لها من الصحة حول زيادة الأمراض المعدية في أوروبا بسبب قدوم المهاجرين. وعارضت منظمة الصحة العالمية هذه الادعاءات منذ عام 2015م.

ومنها أيضًا زيادة معدلات الجريمة، وهذه هي الحجة الأكثر شيوعًا ضد اللاجئين هي أن وجودهم أدى إلى زيادة في معدلات وقوع الجريمة. وقد أوضحت الشرطة في أكثر من مناسبة في دول أوروبية كثيرة من بينها ألمانيا أنه لا توجد علاقة بين الزيادة في عدد اللاجئين وزيادة معدلات الجريمة.
كما يُنظَر إلى اللاجئين أيضًا على أنهم إرهابيون متخفون، فنتيجة للهجمات الإرهابية الأخيرة في أوروبا، أشارت بعض الأصوات إلى أن اللاجئين المسلمين هم إرهابيون محتملون، ومع ذلك، فإن العديد من اللاجئين من الشرق الأوسط، ومعظمهم من المسلمين، يفرون من ديارهم على وجه التحديد بسبب هذه الظاهرة. ووفقًا للمركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب، فإن ما بين 82 و97٪ من ضحايا الإرهاب في العالم هم من المسلمين. ولهذا السبب فإن جميع اللاجئين المسلمين عمليًّا هم إما ضحية للإرهاب أو يتخذون موقفًا معاديًا له. وهذا لا يمنعهم من الاستمرار في الوقوع ضحايا لهذا التحيز بطريقة غير عادلة على الإطلاق.
ولا يخفى على أحد مدى الانعكاس السلبي الذي تسببه هذه الشائعات على اللاجئين والمهاجرين في أوروبا، ومن بينها إسبانيا، بما يهدد استقرار حياتهم الاجتماعية وانتظام تعاملاتهم اليومية، فضلًا عن المضايقات والاعتداءات اللفظية والجسدية وأفعال التنمر والتحرش التي يتعرضون لها نتيجة للأحكام المسبقة والأخبار الكاذبة والمغلوطة المنتشرة عنهم. ولا شك أن هذه الاعتداءات تترك جرحًا عميقًا وتسبب أضرارًا نفسية ومادية كبيرة في نفوس وعقول هؤلاء المهاجرين، الأمر الذي يشكل عائقًا أمام عملية اندماجهم بصورة طبيعية.
وفي هذا الإطار ذكر أحد التقارير الصادرة في إسبانيا في يونيو 2020م وجود (40) حالة إهانة عنصرية وعدوان وتمييز مسجلة ضد المهاجرين واللاجئين في إسبانيا في آخر خمس سنوات فقط، إضافة إلى الحالات الأخرى التي لم توثق بشكل رسمي في صورة بلاغات. والأمثلة على ذلك في إسبانيا كثيرة، منها ما هو على مستوى فردي كمهاجمتهم على أساس لون البشرة أو تغير اللغة في الأماكن العامة ووسائل المواصلات، ومنها ما يحدث على مستوى جماعي، نذكر منها مثلًا ما تداولته مجموعة من المنتديات من رسائل، في أول فبراير من عام 2021م، تشتمل على دعوات صريحة إلى الانتقال إلى جزر الكناري لمهاجمة المهاجرين الأجانب بعد توافد أعداد كبيرة منهم هناك.
وكعادتها تسهم الأحزاب اليمينية المتطرفة، كحزب "فوكس" في إسبانيا، في الترويج لهذه الشائعات والأحكام المسبقة لتشويه صورة المهاجرين واللاجئين وذلك بذريعة الحفاظ على الهوية الوطنية والقيم المجتمعية، وعلى ثروات إسبانيا ومكتسباتها ومواردها من النفاد.
كما تمارس تلك اليمينية تمييزًا بين اللاجئين أنفسهم فنجدهم على سبيل المثال يتقبلون اللاجئين الأفغان ويرفضون سواهم باعتبارهم لا يشكلون خطرًا أو تهديدًا على أمن بلادهم القومي، بل والأدهى من ذلك أنهم ميزوا بين اللاجئين الأفغان أنفسهم على أساس الدين، حيث نشر حزب "فوكس" الإسباني اليميني المتطرف عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" في أغسطس2021م تغريدة حول استقبال إسبانيا لبعض اللاجئين الأفغان - طالب فيها الحكومة الإسبانية باستقبال المئات منهم غير المسلمين فقط؛ لأن الديمقراطيات الغربية هي ملاذهم الأخير لإجلائهم من "كابول".

ومن الادعاءات الكاذبة أيضًا أن اللاجئين يتقاضون المزيد من الإعانات من الدول القاطنين بها، وهي حجة أخرى واسعة النطاق يراد منها الترويج لفكرة احتكار الإعانات مما يعرض استدامة الرفاهية للخطر. والحقيقة هي أنه لا توجد بيانات لدعم هذا الادعاء. بل على العكس تمامًا، هناك العديد من الدراسات تشير إلى أن غير المواطنين هم الأقل استفادة من الدعم الحكومي. علاوة على ذلك، فإن الدور الذي يمكن أن يلعبه المهاجرون واللاجئون في الحفاظ على الرفاهية في أوروبا هو دور أساسي، فمع شيخوخة السكان بشكل واضح في أوروبا، فإن وصول تعزيز ديموغرافي شبابي من شأنه أن يضمن بقاء النظام لعدة أجيال.
ومن النظريات الأخرى ضد اللاجئين أنهم جزء من خطة لجعل أوروبا قارة ذات أغلبية مسلمة في حين أن جزءًا كبيرًا من اللاجئين الذين يصلون إلى أوروبا ليسوا مسلمون. وفي عام 2015م كشف مقال، لرجل الأعمال "بلومبرج"، زيف أسطورة المدن التي يقطنها المسلمون فقط، والتي ترددت شائعات عن انتشارها في أوروبا.
بدوره يؤكد مرصد الأزهر أن قضية الهجرة واللجوء من القضايا الإنسانية التي لا تحتمل المتاجرة بها، لأنها تتعلق بأرواح ومصائر أشخاص اضطرتهم الظروف العصيبة إلى ترك أوطانهم بحثًا عن ملاذ آمن لهم في بلاد أخرى، ومن هذا المنطلق ينبغي توطيد التعاون وتضافر الجهود الحكومية والمجتمعية في البلدان المضيفة لللاجئين في سبيل دعمهم والتخفيف من معاناتهم، والعمل على الحد من انتشار الشائعات المضللة بحقهم من خلال فرض رقابة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لإزالة المحتويات الزائفة والمثيرة للكراهية والمحرضة على العنف ضد الأجانب.
كما يؤكد المرصد على أهمية إطلاق المبادرات التوعوية التي من شأنها تذليل العقبات في طريق تعايش اللاجئين واندماجهم مجتمعيًّا وثقافيًّا ولغويًّا، وتحسين صورتهم في الأذهان والعمل على إزالة الأحكام المسبقة الكاذبة عنهم. كما يؤكد المرصد على أهمية توجيه الرعاية الصحية والنفسية للاجئين والمهاجرين، لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية والصحية التي تعصف بالعالم في وقتنا الحالي، وأن يراعي دائمًا تقديم البعد الإنساني في التعامل مع هذه القضية باعتباره عنصرًا رئيسًا في تخطي هذه الكبوة العالمية.


وحدة رصد اللغة الإسبانية


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.