المسلمون في جمهورية الدومينيكان
انطلاقًا من حرص مرصد الأزهر على متابعة أحوال الإسلام والمسلمين في شتى البقاع؛ وذلك للوقوف على أهم المشكلات والمصاعب التي تواجه الجاليات المسلمة، قامت وحدة الرصد باللغة الإسبانية بمرصد الأزهر بإعداد مجموعة من التقارير المُفصلة عن أحوال الإسلام والمسلمين في إسبانيا، وفي دول أخرى من قارة أمريكا اللاتينية، والتي كان من بينها الأرجنتين وكولومبيا وكوبا. وفي هذا التقرير نستعرض أحوال الإسلام والمسلمين في جمهورية الدومينيكان، باعتبارها إحدى دول البحر الكاريبي المتحدثة بالإسبانية، والتي انتشر فيها الإسلام خلال الآونة الأخيرة بشكلٍ ملحوظ.
بدايةً, تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن التعداد السكاني في جمهورية الدومينيكان وصل إلى ما يقرب من 10,65 مليون نسمة لعام 2016، وتبلغ مساحتها 48,442 كم2. وتقع جمهورية الدومينيكان في شرق جزيرة "لا إسبانيولا" La Española والتي تحيط بها مياه الأطلنطي من الشمال ومياه البحر الكاريبي من الجنوب والشرق، ويعتنق 95.2٪ من سكانها المسيحية، بينما هناك نسبة قليلة من المسلمين (0.02%) وكذلك من اليهود والبوذيين وبعض الديانات الأخرى.
والمسلمون في هذا البلد ليسوا فقط من المهاجرين أو أحفادهم، لكن هناك بعضٌ من السكان الأصليين ممن اعتنقوا الإسلام. وفي هذا السياق، تقول "إيفلين إليزابيث" وهي إحدى المواطنات والتي أطلقت على نفسها اسم "أمينة" بعد إسلامها" إنها تعيش في منطقة يوجد فيها حوالي أربعين مسلمًا كلهم من الدومينيكان، وتؤكد أنها فخورة بكونها مسلمة. وتروي أنها خلال فترة الثمانينات، كان جدها يرتبط بصداقة قوية مع عائلة باكستانية، وبعدها أخبر الأُسرة أنه قد اعتنق الإسلام، وبعد مدة وجيزة تمكن من إقناع ابنته -وهي والدة "أمينة"- أن تفعل ذلك أيضًا. ولهذا السبب أشارت "أمينة" أنها وُلدت في كنف واحدة من الأسر الدومينيكية القليلة المسلمة، ومع مرور الوقت، اعتنق العديد من أقاربها وأصدقائها الإسلام.
وتؤكد التقارير أن الجالية المسلمة في تزايد مستمر بعد 30 عامًا من دخول الإسلام لجمهورية الدومينيكان، وتأتي هذه الزيادة الملحوظة في ظل تنامى أعداد المسلمين في قارة أمريكا اللاتينية بشكلٍ عام، وفقًا للمنظمة الإسلامية لأمريكا اللاتينية، حيث أوردت على سبيل المثال أنه يوجد في البرازيل أكثر من مليون ونصف مسلم، وفي الأرجنتين أكثر من 700 ألف مسلم.
دخول الإسلام إلى الدومينكان
يعتنق الإسلام في الدومينيكان ألفان و300 مسلم فقط من السكان الأجانب والأصليين، ويتواجدون في أنحاء مختلفة من البلاد، ونسبة المعتنقين للإسلام من الدومينيكان من هذا العدد هي 14% بما يعادل 300 مسلم تقريبًا، والبقية من المهاجرين العرب ومن الجنسيات الأخرى ممن يعملون في مختلف المجالات. وتشكل المناسبات الدينية الإسلامية وخاصة شهر رمضان المبارك فرصة لتعزيز روح التضامن بين أفراد الجالية المسلمة المقيمة في الدومينيكان، والتي تعمل في ذات الوقت على الحفاظ على هويتها العربية والإسلامية، خاصة وأن الشارع الدومينيكاني لا يعكس أي مظهر من مظاهر شهر الصيام. وتحرص الجالية المسلمة على اختلاف جنسياتها خلال هذا الشهر الكريم على أداء صلاة التراويح في محاولة لاستشعار الأجواء الرمضانية الروحانية المفقودة.
وقد دخل الإسلام جمهورية الدومينيكان خلال ثمانينيات القرن العشرين، ويرجع الفضل في دخول الإسلام لهذا البلد إلى الطلاب المتوافدين إليها لدراسة الطب آنذاك، والذين كانوا يأتون من بلدان الشرق الأوسط مثل السعودية وسوريا والعراق وغيرها، وذلك – طبقاً لإحدى وجهات النظر- لانخفاض معدلات القبول في كليات الطب ببلدانهم أمام الأعداد الهائلة من الراغبين في هذه الدراسات. وهناك وجهة نظر أخرى تقول: إن أول موجة من المسلمين جاءت إلى جزيرة "لا إسبانيولا" La Española كانت مع الاستعمار، عندما جُلب عدد ممن تم اتخاذهم عبيدًا من الإسبان، أو إنهم جاءوا تُجارًا وبحّارةً هاربين بدِينهم من محاكم التفتيش، ولاحقهم ملوك إسبانيا داخل الجزيرة. الجدير بالذكر أنه في عام 1543م أصدر ملك إسبانيا كارلوس الخامس أمرًا بطرد المسلمين المقيمين في أمريكا من المستعمرات الإسبانية. ورغم هذا التعسف، استمر المسلمون في الدومينكان وهايتي في جزيرة إسبانيولا محافظين على عقيدتهم سرًّا، بل نشروا الإسلام بين أهل المنطقة بصورة سرية.
المساجد في الدومينيكان
فى عام 1989 أُنشئت أول جمعية إسلامية تحت اسم "الجمعية الإسلامية الدومينيكية". وفى أوائل التسعينيات شُيد أول مسجد في العاصمة "سانتو دومينجو" وهو مسجد النور، الموجود بشارع "فرانثيا جاسكوي"، والذي يشتمل كذلك على عيادة طبية وصيدلية، وتقام فيه الصلاة بجانب الدروس الدينية، خاصة للدومينيكيان الذين اعتنقوا الإسلام حديثًا، وهو قريب من مقر الشرطة الوطنية والجامعة الأيبيرية الأمريكية. كما يشكل المسجد دورًا مهماً مع المتحولين عن قناعة للإسلام؛ في تعليمهم أركان الدين ونطقهم للشهادة، أو مع من يثيرهم حب الاستطلاع والفضول من غير المسلمين، والذين لديهم دوافع ورغبة لمعرفة الإسلام.
وقد افتُتح مسجد آخر عام 2012 في "سان خوسيه دي لوس يانوس"، ويوجد حاليًا في جمهورية الدومينيكان ثلاثة مساجد كبيرة يتردد عليها مئات المصلين من مختلف الجنسيات أحدهما في " ديستريتو ناثيونال"، والآخر في "سان بيدرو دي ماكوريس" والثالث في "لا بيجا". وهناك مساجد أخرى صغيرة مخصصة للصلاة في مدن "بافارو"، و"سانتياغو"، و"بوكا تشيكا"، و"كونستانثا". وفي الوقت الحاضر، يعيش المسلمون كغيرهم من المواطنين، ويعملون في مؤسسات مختلفة مثل البنوك والمحال التجارية والشركات والجامعات.
من جانبها أشارت "مريم بينتورا" -وهي معلمة لغة إنجليزية- إلى إنها تشعر بــ "سلام أفضل" بعد أن دخلت الإسلام قبل 18 عامًا، مشيرة إلى أن الإسلام علمها أن تكون أكثر تنظيمًا.
كما أعلن "جراسى ريجالادو" - الذي اعتنق الإسلام منذ خمس سنوات- عن انزعاجه مما تروجه وسائل الإعلام التي تسعى لتحقيق مصالح اقتصادية، من خلال ربط الإسلام بالأعمال الإرهابية كالتفجيرات والهجمات الانتحارية وغيرها؛ لأن هذا ليس له علاقة بالدين الإسلامي، فالإسلام دين سلام ولا يدعو إلى القتل.
وفى السياق ذاته أوضح "كليمنتي نونيث" - الذي اعتنق الإسلام أيضًا- أن الإسلام لا يدعم الإرهاب، ولكنها حملات تشكيكية لا مُسَوِّغَ لها.
كما أكد الشيخ حمدي محمود، وهو مصري يقيم في الدومينكان ويعمل في أحد مسجدها - أن هناك كثيرين يدخلون إلى المسجد؛ للاستفسار والسؤال حول الإسلام، وتدريجيًّا يعتنقون الإسلام والغالبية العظمى من الدومينيكيين لا يستخدمون اسمهم الأصلي، ولكن يستخدمون أسماء عربية للتعريف بأنفسهم. وأشار إلى أن الغالبية العظمى من المسلمين يتبعون المذهب السني، ولكن الانقسام بين السنة والشيعة لا ينبغي أن يكون موجودًا. ويرى أن كون الشخص مسلمًا في بلد كاثوليكي هو أمر يمثل تحديًا كبيرًا، مؤكدًا أن المشكلة الرئيسية هي أن أغلب الناس لا يقرءون، بل يستمعون ويصدقون الشائعات دون تحقق.
المرأة المسلمة في جمهورية الدومينيكان
إن الفكرة القائلة بأن المرأة تعاني من القمع في الإسلام تحظى بتأييد كبير في البلدان الغربية بدءً بأنها يجب أن تغطي رأسها مرورًا بعدم المساواة وغيرها من الأفكار غير الصحيحة. والمشاكل التي تعاني منها المرأة المسملة في جمهورية الدومينيكان هي تقريبًا ذات المشاكل الموجودة في بلاد أمريكا اللاتينية الأخرى، مثل التعرض لمضايقات في الشارع خاصة بالنسبة للنساء المحجبات حيث يسهل تمييزهن والسخرية منهن، كما أن بعضهن يلاقين صعوبة في العثور على العمل بسبب ارتدائهن للحجاب، أو وصفهن بالإرهابيات، وهو الأمر الذى انتشر بصورة ملحوظة منذ ظهور الجماعات الإرهابية التى تتخذ الإسلام شعارًا لها مثل داعش والقاعدة.
وفي هذا الصدد، أكد الإمام حمدي محمود أن المرأة لها قيمة كبيرة في الإسلام، فالرجال والنساء متساوون في الحقوق والواجبات، ولكن لكل منهم دور يؤديه، موضحًا أن المرأة لها مطلق الحرية في العمل، ومثال على ذلك وجود عدد من الوزيرات في بعض الدول العربية، مشيرًا إلي أن بعض النساء المسلمات يخترن عدم ارتداء الحجاب في الشارع؛ لكي لا يتعرضن للعنصرية، وهذا هو الأكثر شيوعًا خاصة لأولئك الذين ولدوا لأسرة غير مسلمة وقرروا اعتناق الإسلام.
من جانبه، أوضح رئيس الجمعية الإسلامية الدومينيكية "سعد مشكور" أن عدد النساء المسلمات في الدومينيكان يصل إلى 100 تقريبًا، ومعظمهن من ربات البيوت أو من طلبة الجامعات، والغالبية منهن من المهاجرات من البلدان العربية، وشبه القارة الهندية، والولايات المتحدة أو غيرها من الدول، كما أن هناك بعض النساء اللاتي اعتنقن الإسلام عن طريق الزواج، أو أنهن اعتنقين الإسلام عن اقتناع، كما أوضح من خلال تجربته الشخصية أن العقبة الرئيسية للمسلمين هي اللغة.
ومن هذا المنطلق، أوضحت الدومينيكية الأصل والمنشأ "سايونارا دياز" في لقاءٍ عبر موقع "يوتيوب"، أنها اعتنقت الإسلام قبل عامين، وبسبب معتقدها تواجه معركة ضد العنصرية والتمييز والإرهاب مع الكثيرين عندما يرونها في الأماكن العامة مرتدية الحجاب. وذكرت أنها اعتنقت الإسلام بسبب تأثير ابنتها اليهودية التي تدرس علم النفس وتاريخ الإسلام والشرق الأوسط، وبعد قراءاتها العميقة قررت أن تعتنق الإسلام، وهو ما قوبل بالرفض من بعض أفراد عائلتها. وذكرت أنها تعرضت للتمييز والعنصرية خلال إحدى جلسات العلاج الطبيعي حيث نظرت إحدى السيدات إليها بسخرية بسبب حجابها، ولكنها سألتها بشجاعة لماذا فعلت ذلك؟ وعلى الفور اعتذرت السيدة، بعد أن أخبرتها بأنها اعتقدت أنها واحدة من "الإرهابيين" وتحمل قنبلة داخل ملابسها.
وقد استغلت "سايونارا دياز" هذا الموقف لتوجيه رسالة إلى أولئك الذين يرفضونها - وليست لديهم الشجاعة للتحدث إليها والاقتراب منها- وسؤالها لماذا تحولت إلى الإسلام، وأوضحت أن الحجاب أمر اختياري غير إلزامي، وقد قررت ارتدائه.
وفي هذا الصدد، تقول "ميرفت محمد"، التي ولدت في الأردن، وتعيش في "سانتو دومينجو" منذ أربع سنوات مع زوجها وأولادها: إنها تحافظ على ثقافتها دون أية مشكلة، ففي البيت تعيش كما لو كانت في بلدها الأصلي، ولكن عندما تخرج إلي الشارع تدرك أنها في مجتمع آخر ولكنها تقبل ذلك. وأضافت أن المجتمع الدومينيكاني يحتوي على مختلف النظرات الطيبة والسيئة. فعلى سبيل المثال، تدور بعض الأسئلة حول ملابسها أو حول حمل قنبلة لدى مررورها في الشوارع. وعلى الرغم من ذلك، ترى "ميرفت" أن جمهورية الدومينيكان مكان جيد للعيش.
وتقول سيدة أخرى ممَّن اعتنقنَ الإسلام في جمهورية الدومينيكان وتدعى "مريم": إنها قد أسلمت في سن الرابعة والعشرين بعد قرائتها للقرآن الكريم لمدة تجاوزت سبعة أشهر، وبعدها أعلنت إسلامها عندما وجدت فيه أسلوب الحياة الذي تريده، وتزوجت من مسلم جزائري. وترى كل من "ميرفت محمد" الأردنية، و"مريم" أن هناك تمييزًا عمليًّا ضد النساء المسلمات في الدومينيكان لا سيّما بسبب الملابس، ففي العمل يمكن للمسلمات ارتداء الملابس وفقًا للقواعد الإسلامية، ولكن العائق الوحيد هو الحجاب الذي لا تقبله الشركات. ويروي شاب مسلم ويُدعى "محمد" أنه درَسَ المحاسبة في بلده الأصلي ولم يتمكن من العمل في البلد لأسبابٍ ترجع إلى التمييز.
كما أوضحت "باميلا فرياس"، وهي محامية دومينيكية، أنها عرفت الإيمان بسبب تعاملها مع المسلمين. وأكدت أن الدين الإسلامي رفع من شأن المرأة وقيمتها؛ لأن الإسلام يعترف بأن للمرأة الحق في التصويت والميراث واختيار الزوج وغير ذلك من الأمور. وأشارت فتاة أخرى - تدرس في كلية الأعمال التجارية الدولية- إلى أنها اعتنقت الإسلام بعد مطالعتها لبعض المطبوعات الإسلامية في معرض الكتاب، وهي من عائلة دومينيكة كاثوليكية، وقالت في البداية: إن عائلتها صُدمت من هذا القرار، إلا أنهم اليوم يشعرون بالهدوء لأنهم رأوا تحول شخصية ابنتهم إلى الأفضل. وتقول: إنها لم تواجه أي نوع من المضايقات من جانب زملائها في العمل، بل يُكنِّون لها بعض الاحترام.
ويرى مرصد الأزهر أن هناك حاجة ماسة إلى توضيح مبادئ الإسلام السمحة في تلك المناطق من خلال إيفاد أئمة يُتقنون اللغة الإسبانية؛ حتى يتمكنوا من نشْر صحيح الدين، خاصة في ظل سعي الجماعات المتطرفة إلى نشر أفكارها في محيط أمريكا اللاتينية، واستغلال حالة الفقر التي تسيطر على بعض تلك البلدان في تجنيد متطرفين لتستقبل أفكارًا مغلوطة أو مفاهيم مشوشة.
كما يوصي مرصد الأزهر بضرورة التواصل مع الجمعيات الإسلامية هناك ودعمها بكُتب مترجمة إلي الإسبانية موجهة لحديثي العهد بالإسلام، وذلك يأتي انعكاسًا لمواصلة الأزهر جهوده في الحفاظ على نشر الدين السمح ومجابهة الفكر المتطرف.
وحدة رصد اللغة الإسبانية
17881