الروهينجا

مساجد إسبانيا ودورها في تعزيز التعايش السلمي

مساجد إسبانيا ودورها في تعزيز التعايش السلمي

تُسهم الأعمال الإرهابية، وبعض وسائل الإعلام، في رسم صورةٍ مغلوطة عن المسلمين، وزيادةِ ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، التي يعاني منها المسلمون في كثير من دول العالم، ومَن يتخذ مِن المسلمين موقفًا معاديًا ينظر لدُور عبادتهم على أنها تُمَثّل مصدرَ خوفٍ وقلق للمناطق الموجودة بها.                                                                                                        
وانطلاقًا من وعي المسلمين في إسبانيا بضرورة العمل على تغيير تلك الصورة المغلوطة، سعَوْا إلى بعْث رسائلَ تُطمئن أفراد المجتمع الذي يعيشون فيه، ومن أهم الوسائل التي يتخذها المسلمون لتوضيح ذلك: دعوة أفراد مجتمعهم من غير المسلمين إلى التعرُّف عليهم عن قُرب، تاركين وراءهم تلك المخاوف المزعومة.       
لذا رأينا المسلمين هناك يبادرون إلى تطبيق سياسة "الأبواب المفتوحة"؛ لاستقبال غير المسلمين في المساجد والمراكز الإسلامية ودعوتهم إلى أنشطةٍ شبابية ومجتمعية، تُسهِم في كسر الحواجز التي بناها الإرهاب أو صنعها الإعلام، وقد تَبَنّى هذا التوجُّهَ مسلمو العاصمة الإسبانية مدريد، وكثيرٌ من المدن الإسبانية الأخرى.
وإيمانًا من المسلمين هناك بأن التعايش السلمي يلعب دورًا مهمًّا في بناء المجتمعات واستقرارها، وأن أفراد المجتمع يُمَثِّلون نسيجًا واحدًا، شارَكَ المركزُ الثقافي الإسلامي في مدريد، والمعروف بمسجد”M-30”، في الدورة الخامسة من فعالية "الأبواب المفتوحة"، في الـحادي والعشرين من أكتوبر 2017، ضمن مبادرةٍ على مستوى المدينة؛ لإبراز الموروث الثقافي والفني للعاصمة الإسبانية، وإظهار ما تنعم به من تعددية وتعايش سلمي بين جميع الأطراف.
وتُمثّل مشاركةُ المركز في فعالية "الأبواب المفتوحة"، نوعًا من الوعي لدى المسلمين، بأهمية تعرُّف غير المسلمين على أنشطة المركز، والقيام بجولةٍ تفقُّدية للراغبين في التعرُّف على ما يضمّه من أماكنَ، وما يقوم به من دَورٍ في إسبانيا.                                                               
ويُذكر، أن مسجد”M-30” ، كثيرًا ما يتمّ إلقاء التهم عليه جُزافًا، في أمور تتعلق بتمويل الإرهاب أو وجود متطرفين داخل المركز؛ لذا تُعدّ مشاركة المركز الإسلامي في هذه الفعالية، طريقةً عملية لمكافحة "الإسلاموفوبيا"، حيث تُمثّل المشاركة في مثل هذه المبادرات، وسيلةً جيدة للتعريف بأنشطته وإزالة الخوف، وكسْر الحواجز في عَلاقة المسلمين مع غيرهم في إسبانيا.

Image


كذلك شاركت الجمعية الثقافية الإسلامية "هداية" بمدريد حديثًا، في ‏الدورة الثانية من فعالية "الأبواب المفتوحة من أجل التعايش"، معلنةً عزمَها على المساهمة في دعم سُبُل التعايش السلمي بين أبناء المجتمع كافّةً، وإزالة الأحكام المُسبقة حول المسلمين، وما يتصوّر البعض وجودَه من عنفٍ وإرهاب وكراهية.
وكان البدء في تنفيذ مبادرة "الأبواب المفتوحة" قد تَزامَنَ مع الهجوم الإرهابي الذي ضَرب ‏برشلونة؛ لذلك أكّدت الجمعية مُضيَّها في تنفيذ المشروع، الذي يَهدِف إلى تعزيز التعايش والتسامح؛ لتؤكّدَ أن الأعمال الإرهابية ‏لا تُمثّل دينًا أو مجتمعًا بعينه، وكذلك لتوضيح أن مرتكبي هذه الجرائم لا يُمثّلون سوى الكراهية المرفوضة ‏والمُدانة من الجميع،  كما تُمثّل هذه الفعاليات في الوقت ذاتِه، نوعًا من الدفاع عن الحريات والنهوض بالحوار المجتمعي المشترَك بين الثقافات والديانات المختلفة، ممّا يَدعم حماية سكان المنطقة وتكاتُفَهم أمام أيِّ تهديدٍ إرهابي.  
ونظرًا لأن هذه المبادراتِ تَهدِف إلى التعايش والمشاركة المجتمعية، فهي لا تقتصر على زيارة المركز الإسلامي والتعرُّف على الأنشطة الدينية، وإنما تشمل القيام بالعديد من الأنشطة؛ كورشةٍ لعمل الحِنّاء، وورشةٍ للخَطّ العربي، والمكتبة المُتنقّلة، إلى جانب الحِرَف اليدوية، وفَنّ الطهي، والمناقشات المصحوبة بتناول الشاي والحلويات العربية.
 كذلك تُنظّم جمعية "هداية" بالتعاون مع وزارة الثقافة الإسبانية، دوراتٍ مجانيةً لتعليم اللغة العربية، لسكان البلدية من الراغبين في ذلك، في إطار البرنامج الثقافي للجمعية، بما يَهدِف إلى التعرُّف على ثقافة المسلمين وتعزيز رُوح التعدُّدية الثقافية.
أما عن المشاركات الدينية التي تَضمّ عددًا من أتباع الديانات المختلفة، وإشارةً إلى الاندماج مع الآخَر؛ نجد مسجد مدريد يفتح أبوابه لاستقبال 15 شخصًا من مدرسة التدريب التبشيري “ La Escuela de Formación misionera”، حيث اصطحبهم بعض أعضاء المركز الثقافي الإسلامي، في جولةٍ إرشادية للمبنى والرد على أسئلتهم، في صورةٍ تُمثّل الحوار الرائع بين الأديان، كما قَدّم المركز محاضرةً تعريفية للزوار حول العقيدة الإسلامية، وفي ختام الزيارة، تمّ التأكيد على رسالة السلام التي تحملها كلُّ الأديان.
وليست العاصمة الإسبانية وحدها هي التي تشهد مثل هذه الفعاليات، بل يؤمن المسلمون في جميع المدن الإسبانية بأهمية المساجد ودورها الفعّال، في كشف زَيْف الجماعات الإرهابية، وإظهار الصورة الحقيقية للمسلمين؛ من حرصٍ على السلام والتعايش المجتمعي.
فعلى سبيل المثال؛ في شهر رمضانَ الماضي، فتَح المسلمون في مدينة "مالقة" ‏أبواب المسجد الكبير بالمدينة خلال الإفطار، لاستقبال مجموعةٍ من الشخصيات والقيادات الدينية المختلفة؛ للاجتماع في هذه المناسبة، ولتَبادُل التعارُف فيما بينهم، حيث جمَع هذا الإفطارُ قياداتٍ دينيةً: مسيحية ويهودية وإسلامية؛ وذلك لترسيخ مفهوم التعايش والمواطنة بين جميع أبناء المجتمع الواحد.

وذكَر أحد ممثلي الديانة المسيحية خلال الإفطار؛ أن هناك مشكلة بالفعل حول وجود العديد من الأحكام المُسبقة عن المسلمين، التي يمكن مواجهتها من خلال التعارف المتبادل بين أبناء الديانات المختلفة، وكذلك من خلال هذه التجمُّعات التي تكسر الحواجز، وتنفي ما يحدث من ربطٍ بين الإسلام والإرهاب.  
وكما كان للمسجد دورٌ أساسي في التوعية ونشر الثقافة في الإسلام منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن المسلمين في إسبانيا يحاولون استثمار هذا الدور من خلال العديد من الندوات والمحاضرات، التي يتمّ التعاون خلالها مع جهاتٍ أخرى حكومية أو مَدَنية.
ومن أبرز ما بين أيدينا من أمثلةٍ على ذلك؛ تعاوُن الجمعية الإسلامية في "بالما دي مايوركا" مع الشرطة الإسبانية، والإدارةِ العامّة للطوارىء، ووزارةِ الداخلية، لعقْدِ ندوةٍ عن تعزيز التعايش؛ بهدفِ تَبادُل وجهات النظر بين الجانبين، وصُنْع بيئةٍ تعمل على إثراء التعايش وتعزيزه في المجتمع.
وقد أكّد رئيس الجمعية الإسلامية في "مايوركا"، خلال الندوة؛ أن المسلمين والإسبان تجمعهم قواسمُ مُشترَكةٌ وأمورٌ كثيرة، لا يمكن أن ينتج عنها أيُّ انفصال أو تَفَكُّك مجتمعي، وتُعَدّ هذه الندوةُ الأولى من نوعها؛ حيث شارَكَ فيها العديد من مُمَثّلي الجمعيات الإسلامية في البلديات المختلفة، واتفق الجميع على ضرورة الاستمرار في عقْد مثل هذه الندوات مستقبلًا.
وكنموذجٍ آخَرَ لما يبذله القائمون على المساجد من جهد، لدعْم التعايش والاندماج المجتمعي؛ نَظّم مسجد النور في بلدية "تالايويلا" ندوةً بعنوان: "الأبواب المفتوحة والتعايش بين الثقافات"، في حضور عمدة البلدية، والعديدِ من أعضاء المجالس، ومُمَثّلين عن الأوساط التعليمية والمؤسسات المحلية؛ للتأكيد على ضرورة التعايش والتسامح بين جميع المواطنين، وترسيخ الاندماج بصورةٍ فِعليّة، وتحقيق التعايش والاحترام المُتبادَل بين الجميع.
وممّا لا شَكَّ فيه؛ أن رُقيَّ المجتمعات لا يُبنى على الانقسام والتشتُّت ورفْض الآخَر، وإنما يُبنى على الأمن والاستقرار، اللّذَيْنِ لا يتحققان إلا بحرص جميع الأطراف على الاندماج والتعايش، والتعرُّف على الآخَر عن قرب، وعدم الاعتماد بشكلٍ أساسي على ما تنشره وسائلُ الإعلام، أو يُرَوِّج له البعض.
ولا سبيلَ إلى اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية، إلا بتحقيق مبادئ المواطنة التي تكفل للجميع الحقوقَ والواجباتِ نفسَها.
 واتّخاذُ المساجد كسبيلٍ للتعرُّف على المسلمين، وتنظيمُ الندوات والأنشطة التي يَتشارَك فيها المُمثّلون عن مُختلِف الديانات، يُعَدّ بلا شَكٍّ من أكثرِ الطُّرُق فاعليّةً، في تحقيق السِّلْم والتعايُش المجتمعي.

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

 

الموضوع السابق المسلمون في جمهورية الدومينيكان
الموضوع التالي المنهج الصحيح لتطبيق الشريعة
طباعة
3231