وكيل الشريعة والقانون بالدقهلية :
الزوج الذي يهين زوجته ويضربها .. يخالف الأمر الإلهي في المعاشرة بالمعروف
بعد أن صبرت 38 سنة فى منزله متحملة قسوة وغلظة قلب زوجها فاض بها الكيل وقررت التمرد واللجوء لمحكمة الأسرة للحصول على الخلع قائلة "كرهته ومش عايزة أموت وأنا على ذمته" بعد رفضه طلاقها خوفا من كلام الناس فواجهت الكل وفتحت على نفسها أبواب جهنم من قبل أبنائها، وعندما اشتكت وهى فى هذه السن من عدم تحملها لم يرحمها أحد واستهانوا بطلبها الرحمة والحنية من قبل زوجها واتهموها بالعته وأن من فى مثل سنها ليس له حقوق وتنتظر ملك الموت .
تلك حالة الزوجة "ر. ب" فى الدعوى التى أقامتها أمام محكمة الأسرة بزنانيرى ضد زوجها "م. س".
وذكرت الزوجة فى الدعوى التى أقامتها أمام المحكمة: طوال سنوات عشت مع زوجى فى غلب وعنف وإهانة ولم أسمع يوما كلمة طيبة منه ووقفت معه وكنت زوجة صالحة، وبعد أن بدأ الكبر فى الظهور على صحتى تزوج بأخرى وعاملونى كأننى جارية لديهم على خدمتها مقابل الحصول على اللقمة لولادى، وحاولت أن أعيش من أجلهم حتى تزوجوا وتلاشى سبب بقائى معه وتحملى القهر وقررت الطلاق، وأعلنت رغبتى فى عدم استطاعى أن أموت وأنا زوجته.
وأكملت: رغم كبر سنى استمر زوجى فى ضربى وإهانتى بما يخالف شرع الله ولم يتراجع عن ما هو فيه احتراما لما وصلنا له من العمر فكان يعتدى على أمام الجيران وعندما أشتكى لا أحد يستمع إلى ما أقول ويسبنى بأبشع الألفاظ، مضيفة: كنت الوحيدة التى يحدث فيها ذلك فقد وصلت لمرحلة كراهيته وعدم استطاعتى النظر فى وجهه .
قاضي القضاة
يعلق على هذه القضية د. عبد الحليم منصوروكيل كلية الشريعة والقانون بالدقهلية ..قائلا :
1 – العلاقة الزوجية تقوم في أساسها على الحب ، والود ، والاحترام المتبادل ، لتحقيق السكن والمودة والرحمة ، وحتى يتحقق ذلك لابد من توافر ثلاثة أسس ينبغي أن تتوافر في البيت المسلم ، أو أن تظهر في كيانه المعنوي ليؤدي رسالته ، ويحقق وظيفته ، هذه الثلاثة هي : السكينة ، والمودة ، والتراحم ، وأعني بالسكينة الاستقرار النفسي ، فتكون الزوجة قرة عين لرجلها ، لا يعدوها إلى أخرى ، كما يكون الزوج قرة عين لامرأته ، لا تفكر في غيره ، أما المودة فهي شعور متبادل بالحب يجعل العلاقة قائمة على الرضا والسعادة ، ويأتي دور الرحمة لنعلم أن هذه الصفة أساس الأخلاق العظيمة في الرجال والنساء على حد سواء ، وعندما تقوم البيوت على السكن المستقر ، والود المتصل ، والتراحم الحاني فإن الزواج يكون أشرف النعم وأبركها أثرا . وبهذا يتبين أن أغراض التشريع الإسلامي من الزواج نبيلة سامية ، وأنه مظهر من مظاهر الرقي البشري ، ولعل هذا هو السر في قول الله تعالى :" وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " وقال تعالى في معرض الامتنان على عباده :" وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ "
2 – العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة يجب أن تقوم على الوضوح ، والحب ، وكل واحد من الزوجين هو مرآة للآخر ، ومن ثم فمن يرى شيئا لا يعجبه من رفيق دربه ، وشريك حياته ، عليه أن يوجهه إليها بالتي هي أحسن ، وأن يلفت انتباهه تارة بالإيماءة ، وأخرى بالإشارة ، وثالثة بالعبارة ، وتارة بالنصح اللين ، فكل هذا من شأنه أن يؤتي أكله ، وأن يستجيب الطرف الآخر لنداء صاحبه ، ويضطلع بواجباته على النحو الأكمل ، حتى تنجو سفينة الحياة الزوجية من الغرق ، ومن عواصف الحياة وأمواجها المتلاطمة .
3- الزواج رباط شرعي وروحي وديني قبل أن يكون مجرد علاقة مادية بين طرفيه ، فهو علاقة يستولي فيها كل طرف على كل المعاني الجميلة لدى الطرف الآخر ، من حب ، وأنس ، وتملك لمشاعره ، وأحاسيسه ، والامتزاج بقلبه وروحه ، فضلا عن ثمرة كل ذلك ، وهي المودة والسكن والرحمة ، المشار إليهم في قول الله عز وجل :" وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "
4 – في الواقعة الماثلة معنا علاقة بين رجل وامرأة لم تقم على الود ، ولا الاحترام ، وإنما هي علاقة كلها نفرة مستحكمة ، وضرب ، وإهانات ، وكل ذلك غير سائغ شرعا ، فالرجل له حقوق ، وكذا المرأة لها حقوق هي الأخرى ، وكذا هناك حقوق لهما ، ويجب على كل منهما أن يؤدي ما عليه للآخر بأمانة ، ومسئولية ، وعلى الرجل وهو ربان السفينة ، أن يتحلى بالحكمة والموعظة الحسنة ، وحسن التعامل مع زوجته بالتي هي أحسن ، حتى يستميل قلبها ، ومشاعرها ، ولابد من التوجيه ، والوعظ اللذين ندبها القرآن في مثل هذه الأحوال ، أما انتهاج أسلوب الضرب على النحو الوارد في الواقعة فهو أسلوب غير سوي ، ولا يعبر عن احترام الآدمية ، التي عبر عنها القرآن الكريم بقوله :" ولقد كرمنا بني آدم "
5 – إن الإسلام نهى عن الضرب، ولم يثبت عنه قط أنه ضرب زوجة من زوجاته، فقد قالت أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها: " ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا قَطُّ بيده ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ، وما نِيلَ منه شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ من صَاحِبِهِ إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ من مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عز وجل " ، ولهذا يجب على الأزواج أن يتخذوا منه قدوة لهم في حياتهم الزوجية، ولهذا قال الله تعالى: «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» (آية 21) سورة الأحزاب.
وقال عز وجل أيضا :" وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا " (آية 58) سورة الأحزاب.
6 - إن الزوج الذي يهين زوجته ويضربها يعد مخالفاً للأمر الإلهي في المعاشرة بالمعروف، حتى لو كره الزوج زوجته، فقال الله عز وجل: " وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً " (الآية 19) سورة النساء. ويجب أن يعلم الزوج أن من ضرب زوجته سوطاً واحداً بغير حق، فإن الله توعده بالعقوبة يوم القيامة، ولهذا قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " مَنْ ضَرَبَ سَوْطاً ظُلْماً اقتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَة ".
ولقد سأل أحد الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: " يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ: " أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ ".
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم معيار الخيرية في الأزواج قائمًا على حسن معاملتهم لزوجاتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي" وحض الشرع على الرفق في معالجة الأخطاء، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفق في الأمر كله، فقال: "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ " كما أن الثابت في السنة الصحيحة أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يضرب أحدًا من زوجاته أبدًا، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: " مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
7 – إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة الذي يجب على الأزواج أن يقتدوا بسيرته الكريمة العطرة في معاملة زوجاتهم، كما قال تعالى: " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " ( الأحزاب : 21 ) وكثيرا ما يدعي كثير من الأزواج أنهم متبعون للرسول مقتدون به ، ولكن هذا الادعاء على غير الحقيقة ، فالادعاء الحق بتطبيق سنة المعصوم عليه الصلاة والسلام يكون بالاتباع لا بالابتداع ، وإهانة الغير ، ثم حمل ذلك كذبا على الإسلام ، ثم تكون الطامة الكبرى في إلصاق تهم بالإسلام هو منها بريء ، ويروج المرجفون هنا وهناك أن الإسلام دين يمارس العنف ضد المرأة ، ويضطهدها ، وهذا على غير الحقيقة ، وإنما الحقيقة الواضحة للعيان أن هناك أزواجا لم يراعوا حرمات الله ، ولا وصية رسول الله بالنساء وهو على فراش الموت ، ولم يراعوا مباديء حسن الخلق ، ولا قواعد الاحترام الإنساني بين الرجل والمرأة .
8 – بعض الأزواج يتذرعون بما رود في سورة النساء في قوله تعالى: { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } ( النساء : 34 )
وخيار الضرب المذكور في الآية: قد أجمع الفقهاء على أنه لا يقصد به هنا إيذاء الزوجة ولا إهانتها، وإنما جاءت إباحته في بعض الأحوال على غير جهة الإلزام، وفي بعض البيئات التي لا تعد مثل هذا التصرف إهانة للزوجة ولا إيذاءً لها، وذلك لإظهار عدم رضا الزوج وغضبه بإصرارها على ترك واجباتها؛ وذلك بأن يضربها ضربة خفيفة على جهة العتاب والإنكار عليها بحيث لا تترك أثرا، ويكون ذلك بالسواك وفرشة الأسنان وغيرهما مما ليس أداة فعلية للضرب، فأخرج ابن جرير عن عطاء قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: ما الضرب غير المُبَرِّح؟ قال: بالسواك ونحوه
وفارق كبير بين هذا الضرب بالسواك على غير جهة الإيذاء، وبين العنف أو الجلد أو الأذى أو الإهانة، وقد نص الفقهاء على أن هذا الضرب -مع كونه رقيقًا غير مبرح- يجب أن يكون آخر ما يمكن أن يلجأ إليه الزوج .
9 – إن الجهل بثقافة الحياة الزوجية يورث كل يوم مشاكل اجتماعية ، وجنائية ، وأسرية ، لا حصر لها ، لذا يجب على الدولة أن تنشيء مؤسسات تعنى بالقيام بهذا الدور ، وأن تنص في المناهج الدراسية والتعليمية على بعض أحكام فقه الأسرة وكيفية التعامل بين الزوجين ، وفقه المعاشرة بالمعروف ، وفقه الاحترام للآخر ، وعدم خيانته ، وفقه قداسة الرباط المقدس ، والميثاق الغليظ بين الزوجين ، فلا يزال كثير من الشباب والفتيات ، لا يدركون كثيرا من ثقافة الزواج الناجح ، وكيفية التعامل مع شريك الحياة ، وهذا أمر من الأهمية والخطورة بمكان ، حتى نستطيع أن نبني أسرا مستقرة ، وبيوتا ناجحة ، لأن في هذا استقرارا للمجتمع بأسرة ، وانهيار الأسر على النحو سالف الذكر يهدد بانهيار المجتمع ، وانهيار الأخلاق ، وانهيار كل معاني الخير والجمال . وبالله التوفيق ،،
10- إن العلاقة الزوجية نظام اجتماعي يرقى بالإنسان عن الدائرة الحيوانية إلى العلاقة الروحية ، ويرتفع به من مكان الوحدة والانفراد ، إلى أحضان السعادة وأنس الاجتماع ، ففيه ترويح للنفس ، وبعد لها عن السآمة والملل ، وبه تتكون الصفات الإنسانية الراقية ، كالإيثار ، وحب الغير ، ومعرفة ما للإنسان من حقوق ، وما عليه من واجبات ، وفيه راحة حقيقة لكل من الزوجين : أما الزوج فعندما يعود من مشاق عمله ، ومتاعب الحياة الدنيا ، يجد في بيت الزوجية أنسا ، وبهجة ، وراحة لضميره ، وإرضاء لعواطفه ، وتحقيقا لأغراضه ، وأما الزوجة ، فلأنها مطمئنة إلى من يكد نفسه للحصول على رزقها ، ومتاع أولادها ، فتأخذ نفسها جادة في إدارة شئون المنزل ، وما يتطلبه الأولاد من عناية ورعاية ، وفي ذلك موافقة لطبعها ، وغرائزها ، وراحة لضميرها ، وداع إلى الإشفاق على صيانة ماله ، وحفظ غيبته في بعده عن داره ، وبهذا يتبين أن أغراض التشريع الإسلامي من الزواج نبيلة سامية ، وأنه مظهر من مظاهر الرقي البشري .
إن الحياة الزوجية إن لم تكن سكنا ومودا ورحمة بين الزوجين ، فأفضل منها أبغض الحلال عند الله ، وهو الطلاق ، حتى يعيش كل منهما الحياة التي ينشدها ، في أمن وأمان ، وسلم وسلام . بدلا من أن تنتهي بهم الحياة المرة نهاية غير مأسوف عليها بالمرة . وصدق الله العظيم إذ يقول :" وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما " وبالله التوفيق .