د. منال مصباح: من وفَّقه الله لأداء الحج يجب أن يحافظ على نقاء صحيفته
د. غادة البغدادى: معرفة ما عند الله من ثواب عظيم له الأثر فى تيسير الطاعات
د. حياة العيسوى: الاستقامة واتباع الطريق الصحيح أهم طرق مجاهدة النفس
عقد الجامع الأزهر حلقة جديدة من البرامج الموجّهة للمرأة، للحديث عن فضل جهاد النفس بعد موسم الحج، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ومتابعة مستمرة من الدكتور محمد الضوينى، وكيل الأزهر، بحضور الدكتورة منال مصباح، أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الأزهر، والدكتورة غادة البغدادى، مدرس الفقه بجامعة الأزهر الشريف، والدكتورة حياة العيسوى، الباحثة بالجامع الأزهر الشريف.
فى البداية، قالت الدكتورة منال مصباح، أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الأزهر، إن الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فمن أنعم الله عليه بهذه الفريضة فقد استكمل أركان الإسلام، ومن وفَّقه الله لأداء هذه الفريضة فقد أتى من العمل أفضله، ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة: "سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أى العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد فى سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور"، موضحة أنه حرىٌّ لمن وُفق إلى هذه الشعيرة أن يضطلع بآثارها الروحية وفيوضاتها الإيمانية، وحتى يكون للحج أثره فى نفس صاحبه وسلوكه وإيمانه بعد الرجوع إلى بلده، فعليه بمجموعة من الآداب، منها شكر الله على توفيقه على أداء هذه الشعيرة، والمحافظة على نقاء صحيفته، فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، فمن رجع من الحج فليحافظ على ما عاهد الله عليه عند استلام الحجر، وليعلم المرء أن أعدى أعداء المرء نفسه التى بين جنبيه.
وأضافت "مصباح" أن جهاد النفس من أفضل أنواع الجهاد، والمسلم كى يجاهد نفسه لابد له من عُدَّة يتسلّح بها، وأقوى الأسلحة، سلاح الصبر، فمن صبر على جهاد نفسه وهواه وشيطانه غلبهم وكُتب له النصر والغلبة، وملك نفسه فصار ملكاً عزيزاً، قال الله تعالى: "وَالَّذيِنَ جَاهَدُوا فينَا لَنَهْدينَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنِّ اللهَ لَمَعَ المُحْسنينَ"، وليعلم العبد أن الجنة حُفت بالمكاره وأن النار حُفت بالشهوات، كما ورد عن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: "لما خلق اللهُ الجنةَ؛ قال: يا جبريلُ ! اذهبْ فانظر إليها، فذهب فنظر إليها وإلى ما أعدَّ اللهُ لأهلها فيها، ثم جاء فقال: أى ربِّ ! وعزتِك لا يسمع بها أحدٌ إلا دخلها، ثم حفَّها بالمكاره، ثم قال: يا جبريلُ! اذهبْ فانظرْ إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أى ربِّ! وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحدٌ، قال: فلما خلق اللهُ النار؛ قال: يا جبريلُ اذهب إليها، قال: فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أى ربِّ! وعزتِك لا يسمع بها أحدٌ فيدخلها، فحفَّها بالشهوات، ثم قال: يا جبريلُ ! اذهب فانظرْ إليها، فذهب فنظر إليها، فقال: أى ربِّ ! وعزتِك لقد خشيتُ أن لا يبقى أحدٌ إلا دخلها"، فمَن أرادَ دخول الجنة عليه أن يَجتازَ تلكَ المكارِهَ بالامتِثالِ لتلكَ الأوامرِ والنواهى، مشددة على أن الإنسان إذا ما عرف حقيقة نفسه لم يركن إليها، ولم ينقد لها، بل أساء بها الظن، قال تعالى: "إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّى"، وقد كان من وصايا الصديق، رَضى الله عنه، للفاروق حين استخلفه: إن أول ما أحذرك منه هو نفسك التى بين جنبيك، وكان ابن القيم، رحمه الله، يقول: لا يسىء الظن بنفسه إلا من عرفها، ومن أحسن الظن بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه، كما أن من أعظم أسباب الإعانة على المجاهدة: الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، والاستعانة بالصلاة.
وأكدت الدكتورة غادة البغدادى، مدرس الفقه بجامعة الأزهر الشريف، أن هناك طرقاً كثيرة لمجاهدة النفس، منها معرفة الله، عز وجل، ومعرفة صفاته وأسمائه، مما يترتب عليه محبته - عز وجل - وتقديره حق قدره وهذا ييسّر طاعته تبارك وتعالى- ويحفّز على السعى لعمل كل ما يرضى الله وتجنّب ما يسخطه، واستشعار نعمة الإسلام، والاستعانة بالله، عز وجل، فنحن بشرٌ ضعاف لا حول لنا ولا قوة إلا أن يعيننا الله، عز وجل، يقول الله تعالى فى الحديث القدسى: "يا عبادى كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدونى أهدكم، يا عبادى كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعمونى أُطعمكم، يا عبادى كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسونى أكسكم، يا عبادى إنكم تخطئون بالليلِ والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفرونى أغفر لكم" رواه مسلم فى صحيحه، ولقد طلب سيدنا يوسف العون من الله وهو نبى ابن نبى، قال الله تعالى حكايةً عن يوسف، عليه السلام: "قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ"، مشيرة إلى أن معرفة ما عند الله من ثواب يكون له كبير الأثر فى تيسير الطاعات وتجنّب المحرّمات، فتهون المشقة، مؤكدة أنه حين نعلم أن الله تعالى أعد لعباده المؤمنين من النعيم المقيم الأبدى فى دار كرامته، ما لم ترَ عين قط مثله، ولم تسمع أذن بوصفه، ولم يخطر على القلب تصوره، وأنه لا يعلم عظمته إلا الله تعالى، ففى الحديث القدسى: عن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: "أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" رواه البخارى ومسلم.
وأوضحت الدكتورة حياة العيسوى، الباحثة بالجامع الأزهر الشريف، أن من أهم طرق جهاد النفس، الاستقامة فيجب على العبد أن يستقيم على طاعة الله وألا ينقطع عنها فيعتصم بالسير على الطريق ولا يحيد عنه، قال تعالى: "إِنَّ الَّذين قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تتَنَزلُ عَلَيهِمُ المَلاَئِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا"، كما أن المداومة على الطاعة من علامات قبولها، فيجب مواصلة الطاعات حتى يشعر المرء بلذة العبادة، فلقد حذّرنا الله تعالى أن نكون مثل الذى أذاقة الله حلاوة الإيمان وآتاه آياته، ثم انقلب على عقبيه واشترى الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، وانسلخ من آيات الله كما تنسلخ الحية من جلدها، مصداقاً لقوله تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ"، كما حذَّرنا ربنا سبحانه، أن نكون مثل التى كانت تغزل طول يومها غزلاً قوياً محكماً، ثم آخر النهار تنقضه أنكاثاً وتُفسده بعد إحكامه، فقال تعالى: "وَلا تَكُونُوا كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً"، كما حذّر النبى، صلى الله عليه وسلم، من ترك الطاعة بعد التعوّد عليها فقال لعبد الله بن عمرو: "يا عبْد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل"، وسئلت عائشة، رضى الله عنها، عن عمله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان عمله ديمة"، وقد قال أهل العلم إن من أعظم علامات الرد وعدم القبول، عودة المرء إلى قبيح الأعمال بمجرد انتهاء زمان الطاعة.
أحمد نبيوة