عقد الجامع الأزهر أمس الإثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان: "الصراع بين الحق والباطل.. من دروس الهجرة.. رؤية فقهية”، بحضور: أ.د/ حسن الصغير، المشرف العام على لجان الفتوى بالأزهر الشريف، والأمين المساعد لمجمع البحوث الإٍسلامية، وأ.د/ مجدي عبد الغفار، الرئيس السابق لقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين، وأدار الحوار د/ هاني عودة، مدير الجامع الأزهر.
في مستهل الملتقى، أكد الدكتور/ مجدي عبد الغفار، أن الصراع الدائر بين الحق والباطل متواصل، وعلينا الحذر من مسلك أهل الباطل الذين يكونون سببًا في الضرر لكل من حولهم، مع ضرورة الانحياز إلى سبيل أهل الحق؛ لما يجلبه من رحمة وخير وعدل؛ لأن الأمة الإسلامية هي أمة الحق؛ لهذا قال القرآن الكريم: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}. وفي هذا دليل على أن هذه الأمَّة تنطلق إلى الحق؛ لتظل رايته خفاقة في كل مكان. كما أن نصرة الحق شرف لا يحاذيه شرف، ولنعلم أن نصرة الحق تتطلب عزيمة وصبرًا وتَحمُّلًا للمشقة؛ لما يترتب على ذلك من جزاء عظيم، وهو رضا الله سبحانه، ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأوضح الدكتور/ مجدي عبد الغفار، أن هناك أربع قواعد أساسية للدفاع عن الحق، أولًا- من الخطأ الاعتقاد بأن من لا يعرف الحق سيدافع عنه أو ينصره في يوم من الأيام، وعلينا ألا ننخدع بالشعارات التي في ظاهرها دعوة للحق، وفي باطنها مكيدة وخدعة لإلحاق الإضرار بنا. ثانيًا- لا يمكن أن يدافع عن الحق من لا يحسن عرضه، أو لا يستطيع الدفاع عنه؛ لأنه سيكون في هذه الحالة كمن يقتل نفسه. ثالثًا- يجب أن يمتلك المدافعون عن الحق الفراسة لمعرفة المواطن الصحيحة لنصرة هذا الحق. رابعًا- من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يعرف مسالك أهل الباطل؛ حتى لا ينخدع، ففي هذه القواعد الأربع ضرورة لازمة لانتصار أهل الحق وغلبتهم، وبهذه القواعد الأربع كانت دولة المسلمين الأوائل مثالًا يُحتذى به في الحق، مشيرًا إلى أنه بالنظر في سيرة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نجد أنه بعدما تآمر عليه المشركون -سعيًا لإجهاض الدعوة التي جاء بها- جاءت مكيدتهم؛ لتؤكد أن أهل الباطل يتكاتفون فيما بينهم، وأن ما يجمعهم هو التكالب على الحق؛ ولذلك، اختاروا فتًى شابًّا من كل قبيلة؛ درءًا لمطالبة أي طرف بالثأر لنبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- هذا هو الواقع الذي نشهده اليوم، أن تجمع مواطن القوة في كل دولة كبرى؛ لتوحيد جهودهم ضد هذه الأمة.
من جانبه، أوضح الدكتور/ حسن الصغير، أن الصراع بين الحق والباطل هو في حقيقته صراع داخلي، وهجرة كل منَّا من الباطل الكامن في داخله هي هجرة واجبة في هذه الأيام، وهذا هو ما يفهم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية" وحديثه صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه"، ونحن أحوج ما نكون هذه الأيام إلى هذه الهجرة الداخلية التي تحقق صلاح الإنسان مع ذاته ومع من حوله، ويجب أن ندرك الحق الحقيقي كي لا ننخدع بالدعوات الزائفة، وعلينا أن نكون أكثر تفاؤلًا، فالنظرة السوداوية قد تُسقط الإنسان في شراك الباطل.
وبيَّن الدكتور/ حسن الصغير، أن الوفاء بالحقوق المتبادلة بين الناس يعتمد بشكل كلي على هذه الهجرة الداخلية؛ فمن المستحيل أن تؤدى هذه الحقوق ما لم يتمسك الإنسان بالحق، وينتصر داخليًّا على رغبات الباطل، ويتجرد منها كليًّا، وأشار إلى أن الخلافات المستشرية في مجتمعاتنا اليوم بين الأزواج، وبين الأخوة في قضايا الميراث، وبين التجار، إلى آخره، لا سبيل لإصلاحها إلا بامتلاك الإنسان القدرة على هذه الهجرة الداخلية، وما نرصده اليوم من أنماط من الانحراف في السلوك تحتاج منَّا إلى ضرورة العودة إلى طريق الحق. كما أن ما تواجهه أمتنا اليوم من تحديات لا يمكن لأمَّتنا أن تحقق النصر فيه، دون هذه الهجرة الداخلية لأفرادها؛ لأن انتصار الحق داخل الأفراد ينعكس على الواقع العام لهذه الأمَّة.
وفي السياق ذاته، شدَّد د/ هاني عودة، على ضرورة أن يتوافق الحق مع شرع الله تعالى، وأن يدعو إلى الخير والعدل والرحمة؛ إذ إن كل ما يخالف ذلك ويقود إلى الظلم والفساد والضلال- فهو باطل، لا خير فيه، وهذا أمر يجب أن ندركه جميعًا؛ فالصراع بين الباطل والحق لن يحسم لصالح الحق؛ ما لم نلتزم بالحق والخير في كل شيء، فرسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- رغم كل ما تعرض له من أذى، كان دائمًا داعيًا للحق والصلاح؛ لهذا كان النصر حليفه في كل خطوة يخطوها، ولو تأملنا في صراعات الحق والباطل عبر الأمم السابقة؛ حينها سندرك أن الغلبة في نهاية المطاف كانت دائمًا للحق، وهذه سُنَّة كونية نتيجتها حتمية لهذا الصراع الأزلي، الذي مهما تعددت أشكاله؛ فإن نتيجته لا تتغير، وما يحدث في العالم اليوم من كيل بمكيالين ليس دعوات للحق والصلاح كما يحاولون أن يخدعونا، بل هو باطل يسعون من خلاله إلى باطل آخر.
يُذكر أن الملتقى الفقهي يُعقد الإثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات الأستاذ الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، ويهدف الملتقى إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وَفقًا للشريعة.