بسم الله الرحمن الرحيم

              "مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ " ( فاطر2)

 " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ ، وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ ، إِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ، عَلَانِيَتُهُ وَسِرُّهُ ، فَأَهْلٌ أَنْ تُحْمَدَ ؛ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جَمِيعَ مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِي ، وَاعْصِمْنِي فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِي ، وَارْزُقْنِي عَمَلًا زَاكِيًا تَرْضَى بِهِ عَنِّي " 0

                        (مسند أحمد  حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه برقم 23355 )

" اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ "

   وبعد

 فهذا فَتْحٌ جديدٌ في تطويرِ تَعليمِ الوافدينَ بالأزهر الشريف ، يَحْمِلُ لِوَاءَهُ صَفْوَةٌ مُختارَةٌ مِن أَهْلِ العِلْمِ المُتَخَصِّصِينَ في الأزهرِ الشريفِ ، الذين تَأَهَّبُوا له ، وأَعَدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ : رُؤْيَةً ، وتَخْطِيطًا ، وبَرَامِجَ ، ومَناهِجَ ، تُسَابِقُ زَمَنًا يَتَطَوَّرُ كُلَّ سَاعَةٍ ، ويَلِدُ جَدِيدًا مَعَ شُرُوقِ كُلِّ شَمْسٍ وغُرُوبِها:

              واللَّيَالِي مِنَ الزَّمَانِ حُبَالَى       مُثْقَلاتٌ يَلِدْنَ كلَّ عَجِيبِ

كما تُسَابِقُ تَقْنِيَاتٍ يُنْسِي جَدِيدُها قَديمَها ، ويَنْسَخُ طارِفُها تَليِدَها ، وتَهْدِمُ في يَوْمِها ما شَيَّدَتْ في أَمْسِها ، كأَنَّها مَمْدُوحُ أَبِي تَمَّامٍ الذي قَالَ فيه :

         فَإِذا بَنَيتَ بِجُودِ يَومِكَ مَفخَراً     عَصَفَتْ بِهِ أَرْوَاحُ جُودِكَ في غَدِ

 

 إنَّ الأزهرَ الشريفَ قِبْلَةُ العِلْمِ ، يَأْرِزُ إليهِ العِلْمُ كما يَأْرِزُ الإيمانُ إلى المَدِينةِ المُنَوَّرَةِ ، والبِقَاعِ المُطَهَّرَةِ ، يَأْوِي الوافِدُونَ إلى رِحَابِهِ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، فَيَبْسُطُ عَلِيهِم ظِلَّهُ الظَّلِيل ، وعِلْمَهُ الجَلِيل ، وفِكْرَهُ الأَصِيل ، على اختلافِ أَلْسِنَتِهِمْ وألْوَانِهِمْ ، وتَنَوُّعِ أَفْكَارِهِمْ وثَقَافَاتِهِمْ ، فإذا هُمْ يَتَعَارَفُونَ وَيَتآلَفُونَ ، كأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ بَلَدٍ وَاحِد ، وفِكْرٍ وَاحِد ؛ لأنَّهُمْ شَرِبُوا مِن فِكْرِهِ العَذْبِ ، كما شَرِبُوا مِن نِيْلِنَا العَذْبِ ، فغَذَى فِكْرُهُ أَرْوَاحَهُمْ ، كما غَذَى النِّيْلُ أَبْدَانَهُمْ ؛ فَصَدَرُوا عَنْ رِيّ ، وفِكْرٍ سَوِيّ 0

 

 هذه الخُطَّةُ الاستراتيجيَّةُ للتعليمِ قَبْلَ الجامعيِّ للوافدينَ بالأزهرِ الشريفِ 2018 – 2030 ، هي خُطَّةٌ طَمُوحَةٌ ؛ قَامَ عَلَى إعْدَادِها ثُلَّةٌ مِن العُلَمَاءِ المُتَخَصِّصِينَ ؛ مِنْ أَجْلِ الارْتِقَاءِ بالتعليمِ في هذه المَرْحَلَةِ المُهِمَّةِ ، مَرْحَلَةِ تَأْسِيسِ الطُّلابِ الوَافِدِينَ بالأزهرِ الشريفِ ، تَأْسِيسًا عِلْمِيًّا أَصِيلا قَوِيًّا صَحِيحًا ؛ لِيَكُونُوا مُؤَهَّلِينَ للدراسةِ في المَرْحَلَةِ الجامعيَّةِ ؛ فالتَّأْدِيبُ والتعليمُ إذا وَافَقَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَقْتَهُ المُنَاسِبَ أَعْطَى ثِمَارًا طَيِّبَةً نَاضِجَةً كماقال صَالِحُ بنُ عَبْدِ القُدُّوْسِ :

 وإنَّ مَنْ أَدَّبْتَهُ فى الصِّبَا       كالعُوْدِ يُسْقَى المَاءَ فى غَرْســــِهِ

 حَتَّى تَرَاهُ مُــــــوْرِقَاً نَاضِرَاً       بَعْدَ الذى أَبْصَـرْتَ مِنْ يُبْسِهِ

 

 اِتَّخَذَتْ هذه الخُطَّةُ الطَّمُوحَةُ مِن الواقعِ الذي عَلَيهِ هذه المَرْحَلَةُ مِن التعليمِ أَسَاسًا تَبْنِي عَلَيهِ الآمَالَ في تَطْوِيرِ هذه المَنْظُومَةِ تَطْوِيرًا شاملا للمُعَلِّمِينَ والطُّلابِ والمَنَاهِجِ والمَبَانِي والأَنْشِطَةِ المُتَنَوِّعَةِ والأَخْذِ بأَسْبابِ الحَضَارَةِ والتَّقَدُّمِ ، ولا رَيْبَ في أنَّ التَّخْطِيطَ الجَيِّدَ هو ذلك المَبْنِيُّ على أُسُسٍ مِنَ الوَاقِعِ لا عَلَى سَرَابٍ وأَوْهَامٍ كَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فانْهَارَ بِه 0

 وإنِّي لأَتَوَجَّهُ بالشُّكْرِ والعِرْفانِ للقائمِينَ عَلَى إِعْدَادِ هذه الخُطَّةِ الطَّمُوحَةِ المُتَمَيِّزَةِ ؛ فقَدْ بَذَلُوا جُهْدًا كَبِيرًا ، وغَرَسُوا بُذُورَ الأَمَلِ ، وسَتَنْمُو وتُؤْتِي أُكُلَها بإِذْنِ رَبِّها ، قالَ جَلَّ وَعَلا " وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ " (الأعراف58 ) 0

 بارَكَ الله فيكم ، ووَفَّقَكُمْ لِكُلِّ خَير ، ونَفَعَ بهذا العَمَلِ العِلْمِيِّ الجَلِيلِ 0

       وصَلَّى الله عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّم 0