استكمالًا لما بدأته وحدة رصد اللغة الإنجليزية بمرصد الأزهر، الأسبوع الماضي، من متابعة مظاهر الإسلاموفوبيا حول العالم، خاصة بعد هجمات بروكسل الأخيرة، التي ضربت قلب القارة العجوز في 22 من الشهر الماضي مخلفة 32 قتيلا و270 مصابًا –طبقا لآخر التحديثات التي وردتنا- حاولنا تتبع تلك المظاهر التي ارتفعت بالفعل كما توقعنا؛ حيث وردت أخبار كثيرة خلال الفترة القصيرة السابقة تدل على الارتفاع النسبي للإسلاموفوبيا. وبغض النظر عن المتسبب فيها –سواء أكانت الجماعات المتطرفة التي تنشر الرعب في العالم بأسره أو السياسيون والإعلام الذي يهاجم المسلمين ليل نهار ويربط الإرهاب بهم- فإن عقلاء العالم لابد أن يقفوا وقفة رجل واحد ضد تلك السلبيات التي زادت أضعافًا كثيرة خلال السنوات الماضية، وذلك إعمالًا للمبدأ الإنساني العام الذي يقرره القرآن بقوله: "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" وهو المبدأ الذي حاول شيخ الأزهر التأكيد عليه خلال كلمته أمام البرلمان الألماني.
لقد أكد شيخ الأزهر مرارًا وتكرارًا ما يدعو إليه كثير من السياسيين والمثقفين الغربيين من دعوة المسلمين إلى التسامح الديني والاندماج داخل مجتمعاتهم والمساهمة الفعالة في رقي تلك المجتمعات، لكنه في الوقت نفسه وجه خطابه للغرب ولهؤلاء المثقفين والسياسين بضرورة نشر التسامح الديني وتقبل المسلمين، وعدم إلقاء اللوم عليهم بسبب أفعال تخالف دينهم في المقام الأول.
إن قصور الإعلام العالمي والغربي خاصة في هذه الناحية ظاهر للعيان، فقلما نجد من ينتقد ويوبخ هؤلاء الذين يقومون بجرائم كراهية ضد المسلمين –فقط لمظهرهم أو اسمهم الذي يدل على أنهم مسلمون- في حين أنهم أولى بتسليط الضوء عليهم إذ هم من يعطون للمتطرفين الفرصة لجذب عدد جديد من المؤيدين بحجة أن الغرب وأمريكا يضطهدون المسلمين.
ومن المظاهر التي يجب على الإعلام الغربي والعقلاء جميعًا التصدي لها ما نشره عدد من الصحف العالمية، حيث قام شاب متطرف كارهٌ للإسلام وللمسلمين بدهس سيدة مسلمة تعاني من إعاقة في العاصمة البلجيكة بروكسل؛ حيث انتشر مقطع فيديو على شبكة الانترنت لحادثة عنصرية احتوت على قدر كبير من الفظاعة في العاصمة البلجيكية في حادثة دهس لإحدى النساء المسلمات التي تعاني من إعاقة. وذكرت الإندبندنت البريطانية بأن الشاب الذي صدم الشابة المسلمة لم يتوقف عقب الإطاحة بها أرضا، بل التقط صورة "سيلفي" لها وهي مطروحة أرضًا، حين حاصرته قوات الشرطة كي تقوم باعتقاله. كما أوقفت الشرطة البلجيكية، متظاهرين من اليمين المتطرف في بروكسل، بعد احتدام المواجهات بحي "مولينبيك" بين قوات الأمن وشباب من الحي الذي تقطنه أغلبية من المسلمين. وكانت السيدة المسلمة تحاول التقاط صور لاستعراض سيارات أطلقها يمينيون متطرفون، تنديدًا بهجمات بروكسل الأخيرة، حين دهسها الشاب، وقد ازدادت حدة الخوف من الإسلام في الآونة الأخيرة بعد أحداث بلجيكا وفرنسا، طبقًا لما ذكرته الإندبندنت.
وبالرغم من أن كثيرًا من العقلاء يحاولون مواجهة تلك المظاهر، إلا أنهم يقعون في تصريحات مشابهة لهؤلاء العنصريين، فعلى سبيل المثال نقل موقع (triblive) تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه ضد مصطلح "الإرهاب الإسلامي"؛ لأنه يعتبره تعبير عنصري لأن الولايات المتحدة ليست –ولا ينبغي أن تكون- في حرب مع الإسلام ولا أي دين، لكنه في الوقت ذاته صرح بتصريح مشابه لما يطلقه بعض العنصريين حيث وصف أوباما الإسلام في إندونيسيا بأنه ينتقل تدريجيًا من مرحلة الإسلام الوسطي إلى مرحلة الإسلام المتطرف؛ حيث لاحظ ارتداء العديد من النساء الإندونيسيات للحجاب. فهل أصبح الحجاب الإسلامي في حد ذاته مظهرًا من مظاهر التطرف والإرهاب؟ هذا ما يجب أن نسأله لأوباما وغيره من السياسيين؛ لأنهم بذلك يشجعون الإعتداء على المسلمات المحجبات بقصد أو بدون.
وفي الإطار ذاته صرحت وزيرة حقوق المرأة الفرنسية، في حوار إذاعي لها، بأن المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب "أشبه بالزنوج الأمريكيين الذين دعموا العبودية"، مستخدمة لفظًا مهينًا في الإشارة إلى الأمريكيين من أصل أفريقي. كذلك هاجمت روسينيول دور الأزياء التي تقدم ملابس مخصصة للمحجبات، إذ قالت إنها "تُروج التصالح مع هذا القمع لأجساد النساء"، وتعرضت روسينيول لانتقادات واسعة، ودشن حقوقيون فرنسيون وثيقة احتجاجية إلكترونية للمطالبة بإقالة الوزيرة الفرنسية وجمعت الوثيقة المطالبة بإقالتها حوالي 18 ألف توقيع حتى الآن، طبقًا لما نشرته صحيفة (NEWS WEEK). وانتقد رئيس المرصد الوطني لمناهضة الإسلاموفوبيا، عبدالله ذكري، تصريحات الوزيرة، وقال إنها "تساعد في التجنيد لصالح تنظيم الدولة الإسلامية". وأضاف ذكري أن روسينيول: "وصمت النساء المسلمات، ملقية القوانين العلمانية عرض الحائط بمحاولتها التدخل في زي النساء".
وفي مظهر آخر من مظاهر الكراهية، نشرت (The Independent) فيديو لوصف أحد الأشخاص امرأة مسلمة منتقبة بـ "بات مان" وقد أعربت السيدة "أحلام سعيد" عن مدى استيائها من الاعتداء اللفظي الذي تعرضت له في أحد الأسواق غرب لندن، إثر وصف أحدهم لها بـ "بات مان" وسط تزايد مخاوف الإسلاموفوبيا. وأضافت أن ذاك الرجل قد عرض أطفالها لسماع مثل تلك العبارات العدوانية، حيث صرخ في وجهها قائلًا "لماذا ترتدي مثل هذه الملابس وكيف لي أن أعلم إذا كنت امرأة أم رجلاً!" وأوضحت أن مثل هؤلاء يروجون لمفهوم الإسلاموفوبيا. لكن مما يجب التنويه إليه أن أحد المتواجدين بالمكان دافع عنها قائلًا للرجل "هذا ليس من شأنك.
وفي الإطار ذاته نقلت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية أن كابتن طائرة تابعة لخطوط الطيران الأمريكية “United Airlines” طلب من عائلة مسلمة مكونة من خمسة أفراد أن يتركوا الطائرة قبل إقلاعها بسبب مظهرهم الإسلامي، ولكنه لم يعلن ذلك، وتعلل بأن ذلك لأسباب متعلقة بـ”السلامة”. وأضافت الصحيفة أن إيمان سعد شلبي، وزوجها وأطفالها الثلاثة طُلب منهم النزول من الطائرة المتجهه من شيكاغو إلى واشنطن قبيل إقلاعها، مشيرة إلى أن العائلة كانت قد طلبت من المضيفة تزويدها بمقاعد سلامة للأطفال، وجدير بالذكر أن السيدة قامت بتصوير مقطعي فيديو يظهران كيف طلبت منهم المضيفة وتبعها كابتن الطائرة النزول قبيل الإقلاع. ورغم أن إيمان سألت كابتن الطائرة ما إذا كان القرار “تمييزى”، فرد قائلا إنه متعلق “بسلامة الطائرة”، إلا أنه لم يعطها أى تفاصيل أخرى، وفي سياق متصل قالت الصحيفة إن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) أرسل خطابًا لشركة الطيران الأمريكية، مستنكرًا الموقف الذي تعرضت له الأسرة، وجاء فيه على لسان مدير فرع المجلس في شيكاجو، أحمد رحاب: “لقد سئمنا من طرد ركاب مسلمين من الطائرات لأسباب غير منطقية، تحت زعم الدواعي الأمنية، فالأمن يعني تأمين المسافرين، وليس مضايقتهم وإهانتهم”. وجدير بالذكر أيضًا أن السيدة إيمان عبرت عن استنكارها للموقف عبر حساب الفيس بوك الخاص بها، وأضافت أن أطفالها مازالوا صغارا ليمروا بهذه التجربة المهينة، ويذكر أن شركة الطيران قدمت اعتذارًا للأسرة، وقامت بإعادة الحجز لهم على متن رحلة أخرى.
ومن الجدير بالذكر هنا أن واقعة مشابهة أخرى كانت قد وقعت منذ فترة طويلة ضد سيدة مسلمة تدعى "طاهرة أحمد" تعمل في جامعة "نورس ويسترن" حيث رفضت المضيفة إعادة علبة مشروبات غازية إليها بحجة أنها يمكن أن تستخدمها كسلاح.
ومن المظاهر التي توجه الرأي العام للتطرف ولا تفرق بين مذنب وبريء، راهب تايلاندي يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على العنف ضد المسلمين- طبقًا لما نقله موقع صحيفة (News Week) حيث ذكرت الصحيفة أن راهبًا تايلانديا حرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي كل أتباعه لارتكاب أعمال عنف ضد المسلمين، بل وحرق المساجد؛ ثأرًا لكل راهب بوذي قُتِل في جنوب تايلاند، وذلك إثر مقتل عشرين راهبًا وإصابة حوالي أربعة وعشرين آخرين منذ عام 2007م، علمًا بأنه قد تم مقتل ما يزيد عن 6500 شخصًا عام 2004 معظمهم من المسلمين المدنيين، بيد أنهم لم يلقوا لهم بالًا. ومن الجدير بالذكر أن الحكومة التايلاندية حاولت إغلاق حسابه من موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" إلا أن تلك المحاولة باءت بالفشل بل وساعدت في شهرته حيث أُعجب حوالي أربعة آلاف شخص بصفحة على الفيس بوك باسم "مناهض للمسلمين المتطرفين في الثلاث محافظات الجنوبية". وأوضح الراهب أن غاية مراده هو إعلام جميع البوذيين أن المسلمين لا يريدون فقط الثلاث مقاطعات الجنوبية، بل الاستحواذ على الدولة ككل. وأضاف أنه ينتظر الوقت المناسب لتنفيذ تلك المنشورات على أرض الواقع، مؤكدًا أن هناك المزيد والعديد ممن ينتظرون تلك اللحظة.
تلك التصريحات والجرائم التي تندرج تحت الجرائم العنصرية لابد لعقلاء لعالم بأسره أن يقفوا في وجهها ويتصدوا لها؛ حتى لا تكون أفعال هؤلاء وأقوالهم مدعاة لانضمام عدد جديد من المتعاطفين مع المضطهدين لجماعات متطرفة تدعي أنها تفعل ذلك نصرة للمظلومين.