الإسلاموفوبيا

 

14 سبتمبر, 2022

مظاهر "الإسلاموفوبيا" في اليونان


    إذا أردنا أن نتحدث عن ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في اليونان لا بد من أن نجيب على سؤال: متى بدأ يشعر اليونانيون بالكراهية تجاه المسلمين؟ وللإجابة على هذا السؤال نستطيع القول بأن تاريخ مواجهات اليونان مع الإسلام طويل. حيث يمتد إلى الحِقْبَة البيزنطية المبكرة، مرورًا بسقوط الإمبراطورية البيزنطية، ثم ظهور القومية اليونانية الحديثة عام 1830م، وما تلاها من هجرة العديد من الأتراك والبلغار والمسلمون إليها.
صناعة "الإسلاموفوبيا" في اليونان
هناك ثلاثة مجالات تلعب الدور الرئيس فيما يُسمى بـ "إعادة إنتاج الإسلاموفوبيا" وهي: السياسة من خلال الأحزاب السياسية والمنظمات اليمينية المتطرفة، والدين من خلال بعض الشخصيات الدينية في اليونان، والإعلام والإنترنت.
أضف إلى ذلك القضايا الرئيسة التي تم استغلالها لاستنساخ "الخطابات المعادية للإسلام" وهي: الهجمات الإرهابية في المجتمعات الغربية التي تتم نسبتها للمسلمين، وقضية اللاجئين والمهاجرين التي تبوح بالجديد كل يوم سواء في العاصمة اليونانية أثينا أو الجزر اليونانية، وبناء مسجد في أثينا للمسلمين يؤدون فيه صلواتهم ومقبرة يدفنون فيها موتاهم.
في مجال السياسة، يلعب حزب "الفجر الذهبي"- بأيديولوجيته اليمينية المتطرفة- الدور الرئيس في تغذية وإذكاء ظاهرة "الإسلاموفوبيا" وشعور الكراهية تجاه المسلمين. فمنذ عام 2010 حين ظهر هذا الحزب للمرة الأولى في الانتخابات المحلية في أثينا، وهو يواصل إنتاج وتصدير خطاب الكراهية صراحةً ضد الإسلام والمسلمين عبر الموقع الرسمي للحزب، تحت ذريعة أن وصول المهاجرين واللاجئين المتواصل إلى اليونان سيؤدي في النهاية إلى أسلمتها، وهو ما يمكن اعتباره جزءًا من نظرية المؤامرة المعروفة عند الأوروبيين بـ"الاستبدال العظيم" في شتى بقاع أوروبا. ويرى أيضًا هذا الحزب أن موجات اللاجئين والمهاجرين المسلمين المتتالية إلى أوروبا ستؤدي إلى محو هُوِيَّة الدول الأوروبية فيما أسموه بـ "التطهير العرقي للبرابرة". لقد حارب حزب "الفجر الذهبي" كثيرًا خلال المناقشات البرلمانية من أجل عدم إقامة مسجد في أثينا، متعللين بأن المتطرفين يقتلون الأطفال في جميع أنحاء أوروبا، مما يعني أن بناء مسجد كهذا يدعم أولئك في مسعاهم، وهي حيلة خبيثة بها يروجون بها فكرة الخوف من المسلمين عمومًا، بغض النظر عن أن من ينفذ تلك العمليات الإرهابية قلة تستغل الدين لأهدافها، وهناك من يفعلون المثل في باقي الأديان. وبصرف النظر عن حزب "الفجر الذهبي" روج سياسيون من أحزاب أخرى يمينية أو ليبرالية أو حتى من يسار الوسط عن فكرة تربط بين مشكلة الإرهاب ومعضلة هجرة المسلمين صوب أوروبا، حيث يربطون بين الهجمات الإرهابية التي تتم نسبتها إلى الإسلام والهجرة غير الشرعية إليها. ومن هنا كان الخوف من الإسلام الذي جعل السياسيين اليونانيين يمنعون بشتى الطرق وصول حزب مسلم إلى البرلمان.
وفي مجال الدين؛ نستطيع القول بأن الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية عامةً لا تنتهج أيديولوجية معادية للإسلام والمسلمين. لكن في الوقت نفسه، هناك حالات فردية لا تُعبر عن الاتجاه العام مثل مطران بيرايوس صرافين الذي يلعب دورًا مِحْوَرِيًّا في الخطابات المعادية للإسلام. وتصديقًا لكلامنا هذا فإن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في سينودوس عام 1965م كانت قد قررت عمل مقاربة بين الأديان التوحيدية، على أساس الشفافية والحوار، وأشادت بالإسلام على خلفية "الحقائق" التي نقلها للبشرية. لذا اكتسبت علاقة أوروبا بالإسلام بعدًا وَطَنِيًّا أكثر.
أما إذا أردنا التحدث عن دور الإعلام فنجد أن إعلام اليمين المتطرف- عبر مواقعه الصحفية على الإنترنت- يتزعم إنتاج الخطابات المعادية للإسلام فعلى سبيل المثال هناك صحف مثل: Makeleio، Stokhos، Eleftheri Ora، Golden Dawn، التي تنتهج هذا النهج، إضافة إلى الإنترنت والذي يُعد أرضًا خصبة لاستنساخ الآراء المعادية للإسلام والتعبير عن كراهية المسلمين، حيث تواصل الكثير من المواقع اليمينية المتطرفة نشر أخبار عن الدول الإسلامية تتعلق بالعنف في شتى صوره مثل القتل والاغتصاب والإرهاب.
وتتعمد تلك المواقع نشر مثل تلك القصص الخبرية لنشر الخوف من الإسلام وتكوين صورة ذهنية سلبية عنه، ملامحها أنه دين يدعو إلى القتل والوحشية. وبصرف النظر عما سبق، يمكن للمرء أن يجد بعض المدونات التي تحتوي على صور معادية للإسلام.
كيف يرى اليونانيون الإسلام والمسلمين؟
مع أن وسائل الإعلام العامة اليونانية تلعب دورًا مُهِمًّا في تكوين التصورات الذهنية المتعلقة بالمسلمين، فإنها تفصل الإسلام والمسلمين عن المتطرفين. وعلى الرغم من أنها تساهم في تكوين الرأي العام وتحليل أفعال أو مظاهر "الإسلاموفوبيا" وفقًا لهواها فإننا نجد أيضًا تصريحات من المسلمين أنفسهم، يؤكدون فيها أنهم تلقوا الكثير من صور الدعم والتضامن في مواقف عدة. وهكذا، فإن هالة أكاري، التي تعيش وتعمل في أثينا، تُصرح قائلًة: "أعيش في اليونان التي بها عناصر ثقافية شرقية وغربية مختلفة، ويمكنني التحرك بشكل مريح دون أدنى مُضايقة".
وهنا نريد أن نُشير إلى أحد استطلاعات الرأي التي جرت مؤخرًا حول "أنماط الخطاب المعادي للإسلام". وفيه تم تسليط الضوء على عاملين مهمين هما: أزمة اللاجئين، وتهديد داعش.
علاوة على دورهما المحوري في تشكيل خطاب متصاعد ومتعدد الأوجه للإسلاموفوبيا، حيث لعبت الأفكار القومية دورًا مُهِمًّا في هذا الاتجاه، حيث نشط من ينتمون لهذا الاتجاه واستغلوا الروايات السلبية التاريخية القديمة. لقد تم توثيق صورة واضحة عن الإسلام والمسلمين خلال ثلاثة استطلاعات جرت في الأعوام الأخيرة. خلال هذه الاستطلاعات اتضح أن غالبية اليونانيين يتشاركون في مشاعر سلبية تجاه الإسلام لكنها تتباين وفقًا للتوجه الأيديولوجي. فنجد أن اليمينيين تجمعهم وجهة نظر سلبية تمامًا عن الإسلام والمسلمين، في حين أن اليساريين يتبنون وجهات نظر أكثر إيجابية. وتتباين وتختلف نسب تلك المشاعر بين إيجابية وسلبية حول الإسلام تارة والمسلمين تارةً أخرى. فنجد أن اليونانيين حين تم سؤالهم عن وجهة نظرهم في الإسلام كانت آراؤهم سلبية بنسبة 72,3 %، لكن اختلف الأمر عندما سُئلوا عن المسلمين، حيث انهارت نسبة الآراء السلبية من 72 % إلى 46 % وارتفعت نسبة الآراء الإيجابية من 15 % إلى 36 %.
ولا بد أن نشير إلى أن غالبية اليونانيين يتشاركون في وجهات نظر متعاطفة تجاه كل هذه القضايا، فالغالبية تؤيد بناء مسجد في أثينا، وتفصل المسلمين عن الإرهابيين وتتفاعل بشكلٍ إيجابي عند سؤالهم عن اللاجئين. ومع ذلك وللأسف، فإن الرأي القائل: "إن المسلمين لا يستطيعون الاندماج الكامل، ولا يريدون الاختلاط بالمجتمع المضيف" هي وجهة نظر مركزية في "الإسلاموفوبيا"، وراسخة بقوة في المجتمع اليوناني، أكثر من أي دولة أوروبية أخرى.
تدابير مواجهة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" داخل المجتمع اليوناني
إن الرأي السابق يقودنا بالضرورة للحديث عن قضية من أهم القضايا في سبيل مواجهة وتخفيف حدة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" وهي قضية اندماج المسلمين داخل المجتمع اليوناني، حيث يعيش الشباب المسلم، المهاجرين أو اللاجئين حَيْرَة وازدواجية قد تكون سببًا مباشرًا في تشويش هويتهم. حيث نجدهم داخل أسرهم يتلقون تعاليم إسلامية، وعادات وتقاليد مجتمعية مصدرها الأب والأم، إضافة إلى المساجد التي يتعلمون فيها قيمهم الدينية. ثم يخرجون إلى المجتمع الغربي حيث المدرسة والنادي والأصدقاء بعاداتهم وتقاليدهم التي قد تختلف وأحيانًا قد تتنافى مع ما تربوا عليه داخل بيوتهم. مما يجعلهم يعانون من الازدواجية بين تعاليم وقيم شرقية وأخرى غربية. إن وضعهم هذا يدعوا للإشفاق عليهم، فهم حيارى بين ثقافتين وحضارتين ومجتمعين، وفي ظل تلك الحَيْرَة يتحتم عليهم أن يحافظوا على دينهم وما تربوا عليه من قيم مجتمعية متوارثة، وفي الوقت نفسه يجب عليهم السعي نحو الاندماج داخل المجتمع الغربي. إن الحل لتلك المُعضلة يكمن في تعاليم الإسلام السمحة التي تستوعب جميع الثقافات وتُمكن المسلم الوسطي المعتدل من التأقلم في أي مجتمع، والمحافظة في الوقت نفسه على تعاليم دينية وقيمه مما يدل عظمة الإسلام وعالميته.
وإذا أردنا الانتقال للحديث عن تدابير أو إجراءات محددة لمواجهة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" داخل دولة مثل اليونان، فإننا نجد أنفسنا في حَيْرَة ويصبح الموقف غير واضح. حيث لا يتعدى الأمر بعض المبادرات، مثل تلك التي تتخذها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، ومركز البحوث بين الثقافات، والتدخل التربوي لجامعة أثينا، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وعلى قلة تلك المبادرات، فإن توصيات تلك المنظمات لا تصل إلى المدارس ولا إلى المجتمعات التعليمية، مما ينتج عنه نقص في المعلومات، وأيضًا الفهم لكلٍّ من الإسلام والمسلمين. وعلى الرغم من ذلك فإن الأجيال الحالية من اليونانيين أدركت أن الخوف من الإسلام أو المسلمين يعني الخوف من "الآخر"، ومن ثم رفض "الغريب"، مما يؤدي على المستوى الشخصي إلى رفض مفهوم المحبة ذاتها، وفقًا لما جاء في الإنجيل.
تلك المحبة التي تُترجم عَمَلِيًّا على أنها اعتراف بالكرامة الإنسانية، التي أصبح احترامها مبدأً أَسَاسِيًّا في عالم متعدد الثقافات، تعتمد فيه حقوق الإنسان على خلق عالم تحكمه العدالة والتفاهم والمساواة والتضامن بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين.
بالنظر إلى أن أي تحليل لظاهرة "الإسلاموفوبيا" في اليونان يجب أن يأخذ بالضرورة في اعتباره الطبيعة الأيديولوجية للأحزاب السياسية في اليونان كما سبق أن ذكرنا. وهو ما نجده جليًّا في تلك الدراسة التحليلية التي حاولت الإجابة على سؤال: لماذا يشكل المسلمون تهديدًا على غيرهم؟ وتوصلت تلك الدراسة للأسباب التالية:
1. يوفر المسلمون القوة البشرية لتنظيم الهجمات الإرهابية في اليونان (اليمين المتطرف، واليمين المحافظ، والليبراليون).
2. يتم استخدام المسلمين أدواتٍ عمياء ضد المصلحة الوطنية (اليمين المتطرف واليمين المحافظ).
3. يتم استخدام المسلمين من قبل الاتحاد الأوروبي أو العلمانيين لتفكيك الدولة القومية الأوروبية (اليمين المتطرف).
4. يحاول المسلمون عمدًا نزع الطابع المسيحي عن اليونان وتحويلها إلى دولة إسلامية (معظمها يمين محافظ، ويمين متطرف بدرجة أقل).
5. أن المسلمين يؤدي وجودهم حتمًا (وليس كجزء من خطة معدة مسبقًا) إلى فقدان أو إفساد الهُوِيَّة الوطنية اليونانية (يمين محافظ).
6. أن المسلمين يتم استخدامهم أدواتٍ للهجمات اليسارية على المؤسسات الثقافية والقومية اليونانية (اليمين المتطرف واليمين المحافظ).
7. أن المسلمين سوف يقضون- بوصفهم مجتمعًا لا يمكن استيعابه- على التماسك الاجتماعي والثقافي في اليونان (اليمين المحافظ والليبراليون).
8. أن المسلمين سوف يقضون- بوصفهم مجتمعًا لا يمكن استيعابه- على التماسك الاجتماعي والثقافي لأوروبا (معظمهم من الليبراليين، وبدرجة أقل المحافظون).
9. أن المسلمين سوف يساعدون في نشر ثقافة عدم احترام حقوق الإنسان (معظمهم من الليبراليين، وبدرجة أقل المحافظون).
10. أن عدم توافق المسلمين يرتكز على رفضهم الدولة العَلمانية (الليبراليون).
إن الصورة الذهنية للإسلام التي تكونت في عقول اليونانيين عبر عشرات بل مئات السنين، تحتاج لمزيد من الجهود على الأصعدة كافة، بداية من الإعلام الذي لا بد أن يقوم بدوره في توضيح صورة الإسلام الصحيحة، مرورًا بالمقررات التعليمية كالمدارس والجامعات، ثم المنصات الثقافية التوعوية على شبكة الإنترنت وغيرها؛ بهدف محاربة ظاهرة "الإسلاموفوبيا".
لذا يرى مرصد الأزهر أنه لا بد من تكاتف الجهود، أولًا من أجل توضيح صورة الإسلام الصحيحة عبر كل الوسائل المتاحة، للقضاء على شعور الكراهية ضد الإسلام والمسلمين. وثانيًا من أجل مخاطبة الجهات المعنية في دولة اليونان والتفاوض معهم بشأن حصول الأقلية المسلمة على حقوقهم العادلة والتي لا تخالف القانون؛ مما يُسهم في عملية اندماجهم داخل المجتمع اليوناني ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع مع الحفاظ على هويتهم الإسلامية والعربية.
إن التحرك من أجل حصول الجالية العربية والمسلمة على حقوقهم: مثل حقهم في استخراج تصريح الإقامة القانوني، ولمّ شمل الأسرة، وتوفير فرص العمل المناسبة إن أمكن، وتمكينهم من الوصول إلى التعليم المدرسي والتعليم عمومًا، مع تنظيم برامج تعليمية أيضًا باللغة الأم؛ حيث لا يعني إدماجهم انسلاخهم عن لغتهم وثقافتهم. وكذلك مساعدتهم في الحصول على الخدمات الاجتماعية والصحية، مع حقوق التأمين والرعاية الصحية، إضافة إلى توفير الحرية الدينية لهم وممارسة شعائرهم الدينية بكل أريحية ودون أدنى مضايقة أو تضييق، كل ذلك وغيره يُسهم في القضاء على الإسلاموفوبيا. وفي النهاية على الجميع احترام الاختلاف بين البشر باعتبار ذلك حقًّا أساسيًّا من حقوق الإنسان في جميع الأزمنة والثقافات.

وحدة الرصد باللغة اليونانية


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.