الإسلاموفوبيا

 

14 يناير, 2018

التوقعات المستقبلية واستطلاعات الرأي .. معدلات الإسلاموفوبيا

     تبني الدول المتحضرة خططها المستقبلية على دراسة واعية بإمكانات الحاضر، وتوقعاتها لما يمكن أن تكون عليه الدولة أو تحققه في المستقبل، ولكن هذه التوقعات لا تكون مجرد تنبؤ بالمستقبل منبت الصلة عن الواقع، كما لا يمكن التعامل مع التنبؤ على أنه حدث مستقل قائم بالفعل يمكن رؤيته بوضوح، بل إنه يستند إلى المعرفة التجريبية والثقافية. ويستفاد من هذه الدراسات المستقبلية، التي صارت اليوم علمًا يطلق عليه علم المستقبليات، في توفير إطار زمني طويل المدى للقرارات التي يمكن اتخاذها في الوقت الحالي، ومن ثم في وضع خطط طويلة المدى. وهكذا يمكن القول إن مثل هذه الدراسات تساعد في الكشف عن المشكلات قبل وقوعها من أجل الاستعداد لموجهتها أو الحيلولة دون وقوعها.
بناء على ذلك، تهتم المراكز البحثية وبيوت الخبرة الغربية في إجراء استطلاعات للرأي لمعرفة آراء الجمهور بشأن مختلف الأفكار والمبادرات وغير ذلك من خلال استقصاء آراء مجموعات تمثيلية للجمهور المستهدف. ومن بين القضايا التي توليها تلك المراكز اهتمامًا كبيرًا قضية أعداد المسلمين في البلدان الغربية، حيث تحرص مثل هذه المراكز على إصدار استطلاعات سنوية ترصد الاتجاهات السكانية للمسلمين في المجتمعات غير المسلمة ارتفاعًا وانخفاضًا.
وفي هذا الصدد، نجد أن مركز بيو للأبحاث يتوقع أن يكون المسلمون ثاني أكبر فئة دينية في الولايات المتحدة بحلول عام 2040 وذلك وفق بحث جديد أجراه المركز. وتفيد تقديرات المركز أن حوالي 3.45 مليون مسلم تقريبًا يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يشكلون حوالي 1.1% من إجمالي السكان الأمريكيين. وعلى الرغم من أن المسيحيين هم أكبر فئة دينية في الولايات المتحدة، إلا أنه من المتوقع أن يتجاوز عدد المسلمين إجمالي عدد السكان الأمريكيين من أصل يهودي باعتبارهم ثاني أكبر جماعة دينية في الدولة بحلول عام 2040. وتشير الدراسات البحثية لمركز بيو إلى أن عدد السكان المسلمين من المتوقع أن يصل إلى معدل غير مسبوق يبلغ 8.1 مليون نسمة، بمعدل 2.1% من السكان الأمريكيين بحلول عام 2050.
كما أصدر المركز  ذاته تقريرًا يفيد أن عدد المسلمين في الدول الأوروبية سيصل إلى ثلاثة أضعاف العدد الحالي بحلول عام 2050. وذكر التقرير أنه حتى في حال توقف الهجرة إلى قارة أوروبا، فسيستمر عدد المسلمين الأوروبيين في التنامي على مدار العقود القليلة المقبلة؛ حيث إنه مع "توقف الهجرة"، سيصل عدد المسلمين إلى 30 مليون مسلم ما يعادل 7.4 بالمائة من سكان أوروبا بحلول عام 2050، مقارنة بنسبة 4.9 بالمائة التي مثلت مسلمي أوروبا العام الماضي. وتقدر الدراسة أن 58.8 مليون مسلم يمكن أن يمثل 11.2 بالمائة من السكان في سيناريو "الهجرة المتوسطة" الذي يضم هجرة تتميز بسرعة مستقرة، حيث تكون دوافعها اقتصادية وتعليمية وعائلية وليس اللجوء. وفي سيناريو "الهجرة المرتفعة"، تقدر الدراسة أن يصل عدد المسلمين إلى 75 مليون مسلم في أوروبا في منتصف القرن.
إن إصدار مثل هذه التقارير والتركيز عن أعداد المسلمين يخلق حالة من الخوف من المسلمين والإسلام في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، بل وفي جميع البلدان غير المسلمة، لا سيما مع التعامل الصحفي المتحيز من قبل بعض الصحف العالمية التي تضع عناوين تضخم من هذه الأعداد وتوحي بأن المسلمين سيكونون هم الأغلبية وأن هذه الدول ستصبح دولاً "وإمارات" إسلامية، وسيصبح الأوروبيون والأمريكيون كالأغراب في بلدانهم، وهذا بدوره يعزز من حالة الإسلاموفوبيا المتنامية بالفعل في تلك المجتمعات نتيجة صعود اليمين المتطرف في العديد منها.
إن صياغة خبر تحت عنوان " دراسة: من المتوقع أن يشكل المسلمون ثاني أكبر فئة دينية في الولايات المتحدة بحلول عام 2040" كالذي أورده موقع "برايتبارت" الأمريكي في الثامن من يناير 2018 يمكن أن يثير مثل هذه الحالة من الخوف لدى الكثيرين من الأمريكيين، حيث يوحي بأن المسلمين سيكونون مؤثرين جدًا في المجتمع الأمريكي ورسم سياسته؛ مما يمكن أن يعني تغيير نمط حياتهم وأسلوب معيشتهم، ومن ثم يخلق حالة من التحفز لديهم ضد كل ما هو إسلامي، وقد يتطور الأمر إلى الهجوم على المسلمين والاعتداء عليهم. ومن ثم يمكن اعتبار الترويج أداة تستخدمها جهات لا تريد تعزيز التعايش السلمي في المجتمعات، كما تعمل على إيجاد حالة من الخوف المتبادل بين أتباع مختلف الديانات.
يتأكد هذا الأمر من خلال إقرار العديد من الصحف العالمية والمراكز البحثية أن هناك مبالغة كبيرة في أعداد المسلمين، مما يؤكد أن هناك فارقًا كبيرًا بين تصورات العامة بهذا الشأن وبين واقع الأمر. حيث رصدت دراسة أجرتها مؤسسة "إبسوس موري"، وهي مؤسسة متخصصة في الأبحاث واستطلاعات الرأي، بعنوان "مخاطر التصورات" مقدار الفجوة بين التصور السائد لدى العامة وحقيقته في 40 دولة في عام 2016، حيث تناولت الدراسة عدة موضوعات. وكشفت النتائج عن أن معظم المشاركين في الدراسة، وهم من البريطانيين، يعتقدون أنه يوجد مسلم واحد من بين كل ستة مدنيين بريطانيين، في حين أن النسبة الحقيقية أقل من مسلم واحد من بين كل 20 بريطانيًا. كما أظهرت الدراسة أن العامة يعتقدون أنه بحلول عام 2020 سوف تكون نسبة المسلمين في البلاد 22% من إجمالي عدد السكان، بينما أكد الباحثون أن نسبة المسلمين الحقيقية ستكون 6% تقريبًا. وفي ذات السياق، كشفت الدراسة عن أن الفرنسيين هم أكثر المبالغين فيما يتعلق بعدد المسلمين في البلاد سواء في الوقت الحالي أو مستقبلاً، حيث يقدر العامة في فرنسا أن نسبة المسلمين في بلادهم تبلغ 31%، بيد أن النسبة الحقيقية هي 7.5% أو واحد مسلم من بين 13 فرنسي. وعلى صعيد متصل، كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "The Essential" أن الأستراليين يبالغون في عدد المسلمين في أستراليا حيث يقولون إن عددهم يبلغ 5% من إجمالي عدد الأستراليين. بينما العدد الفعلي للمسلمين يقدر بحوالي 2.2% فقط طبقًا لإحصائية 2011.
إن مسألة التوقعات المستقبلية واستطلاعات الرأي من الأهمية بمكان، بحيث يمكنها أن تؤثر على أوضاع المسلمين في المجتمعات غير المسلمة، وفي تصور غير المسلمين عن الإسلام والمسلمين بشكل عام. فكما أوضحنا سابقًا، يخلق الترويج لهذه الأرقام المبالغ فيها حالة من التحفز والعداء تجاه المسلمين، بيد أنه في حالة التزام الموضوعية ونشر الأرقام الصحيحة، يمكن أن يتغير هذا التصور العام، فحسب استطلاع Essential سالف الذكر، انخفض عدد الذين يشعرون بالخوف تجاه المسلمين بعد الاعلان عن أعدادهم الحقيقية أستراليا؛ لأن بعض الاحصائيات كانت غير دقيقة ومبالغ فيها. حيث قلت النسبة من 53% إلى 47%. وهكذا نجد أن أحد السبل للقضاء على ظاهرة الإسلاموفوبيا يتمثل في عدم المبالغة في هذه الأرقام، وإيراد الأعداد الصحيحة للمسلمين كي لا يتم إيجاد حالة مصطنعة من العداء والكراهية تجاه المسلمين.

وحدة رصد اللغة الإنجليزية

 


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.