الإسلاموفوبيا

 

09 أغسطس, 2018

الإسلاموفوبيا وإرهاب اليمين المتطرف

     الإسلاموفوبيا، أو الخوف المرضي من الإسلام والمسلمين، أصبحت ظاهرة بارزة في المجتمعات الأوروبية تسببت فيها الأحزاب اليمينية والجماعات اليمينية المتطرفة والتي زاد تأثيرها مؤخراً، ولذا تُوجه العديد من التهم المقولبة والمعدة سلفًا ضد المسلمين، وبصورة مستمرة، فعند وقوع أي حادث أو هجوم وقبل بداية التحقيقات تبدأ بعد المنصات الإعلامية بتوجيه التهمة إلى المسلمين أو التلميح بذلك، إلى أن تُسفر التحقيقات عن الفاعل الحقيقي، فإن كان أحد المتطرفين المنتمين للإسلام، فتبدأ تلك الأبواق الإعلامية بتأكيد توقعاتها والتحذير من الإسلام والمسلمين، ويتم مناقشة الأمر في البرامج الحوارية وغيرها، وإن كان الفاعل غير مسلم، يتم يتناول الحادث بصورة توحي أن الأمر استثنائي، وأن المعتاد هو قيام المسلمين بمثل تلك الحوادث.
وإضافة إلى تهمة التطرف هناك تهم أخرى جاهزة وموجهة ضد المسلمين، وذلك مثل احتقار المرأة واضطهادها وإجبارها على ارتداء الحجاب، أو أن المسلمين لا يقبلون مفاهيم التعددية والديمقراطية الموجودة في المجتمعات الغربية، وغير ذلك من التهم التي تؤثر على كثير من العامة وتجعلهم ينظرون إلى المسلمين نظرة الخوف، وهو ما يؤدي بدوره إلى تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا.
أما مصطلح "اليمين" بصفة عامة فهو اتجاه سياسي في أي دولة يدعو إلى المحافظة على العادات والموروثات المجتمعية والثقافة العامة والتمسك بها، والأصل في تسميته يرجع إلى جلوس أعضاء البرلمان الفرنسي المؤيدون للملكية والارستقراطية أثناء فترة الثورة الفرنسية إلى جهة اليمين، كما يؤمن ممثلو هذا الاتجاه بالطبقية الاجتماعية، وإذا بالغ ممثلوا هذا الاتجاه في فرض تقاليدهم أو دعوا إلى إقصاء الآخر أو حمل السلاح في سبيل توجههم، فهنا يطلق عليهم اليمين المتطرف.
 في السنوات الأخيرة الماضية هاجمت الأحزاب اليمينية والجماعات اليمينية المتطرفة في أوروبا الإسلام والمسلمين وطالبت بعدم استقبال المزيد من اللاجئين المسلمين على الأراضي الأوروبية، بذريعة أن هؤلاء سوف يقومون بتغيير العادات والتقاليد الأوروبية الأصيلة، وأن تعاليم الإسلام لا تتوافق مع تقاليد المجتمعات الأوروبية، الأمر الذي أحدث في الحقيقة تأثيرًا كبيرًا على العامة، حتى أن بعض التقارير أشارت إلى أن عددًا كبيرًا من الشعب الألماني يشعر بالتهديد والخوف من الإسلام والمسلمين، وبسبب هذا الشعور بالخوف والتهديد فإنهم يقومون بمهاجمة المسلمين جسديًا أو معنويًا، كما تتعرض مساجد المسلمين لبعض محاولات الحرق، أو تلطيخ جدرانها برسومات عنصرية مسيئة للمسلمين، وقد سجلت السلطات الألمانية أكثر من ألف اعتداء على المسلمين والمساجد العام الماضي 2017.
وقد دفع تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا بعض الكتاب الألمان للقيام بمقارنة بينها وبين ظاهرة معادة السامية التي كانت بلغت أوجها أبان حرق كثير من اليهود في ألمانيا أثناء الحقبة النازية، وهذا يدعو إلى تساؤل خطير، هل يمكن أن يصبح المسلمون في المستقبل هم اليهود الجدد بالنسبة للمجتمعات الأوروبية؟ في هذا الصدد يقول المؤرخ الألماني فولفجانج بينز "التاريخ يبين أن اليهود قد تم تشويه سمعتهم بطريقة شبيهة لما يحدث مع المسلمين اليوم، الفارق أن المفهوم المستخدم مع اليهود كان مفهوم العرق، أما المفهوم المستخدم مع المسلمين فهو مفهوم الثقافة"
ومن المعلوم أن النازية قد انتهت (تقريبًا) في ألمانيا إلا أن وجود ظاهرة الإسلاموفوبيا ودعمها من الجماعات اليمينية المتطرفة ينذر بخطر كبير على المسلمين وعلى المجتمع الألماني، الذي يتباهى - عن حق - أمام العالم بتنوعه وقبوله للآخر. ومما يساعد على تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا تعامل الإعلام وبعض المسؤولين في السلطات الألمانية مع التطرف المنتسب للإسلام بصورة مختلفة من الطريقة التي ييتم التعامل بها مع التطرف اليميني، مع إقرارنا بخطر كليهما على السواء.
ونود الإشارة هنا إلى أبرز صور التطرف اليميني في ألمانيا، ونبدأه بما نشرته التقارير الصحفية مؤخرًا تحت اسم "قوائم الأعداء" وهي قوائم أعدها اليمين المتطرف تضم أسماء ما يقرب من 35 ألف شخص من منافسيهم السياسيين الذين يجب قتلهم عند الضرورة، ومن بين هؤلاء ما يقرب من 25 ألف شخص، وُضعت في القوائم عنواين المنازل وأرقام الهواتف خاصتهم، مما يعني أن الأمر ليس مزحة بل خطير جدًا. وهو أمر مزعج للغاية إذ أن هذا العدد الكبير على القائمة هو أكبر من ضحايا كثير من الحروب.
وقد قامت إحدى الخلايا النازية بالفعل في السنوات الماضية بقتل تسعة رجال أعمال من أصل تركي ورجل يوناني وشرطية ألمانية، كما تمكنوا من تنفيذ هجومين بمواد متفجرة، لكن تعامل السلطات والإعلام مع هذا الأمر مثير للدهشة، لدرجة أن المسؤول عن السياسة الداخلية لتيار اليسار داخل ألمانيا السيد "بيتر ريتر" قد انتقد ما أسماه صمت وزارة الداخلية تجاه قضية قوائم الأعداء، وطالب وزارة الداخلية بالمزيد من التوضيح.
الحقيقة أن إرهاب اليمين المتطرف لا يقل خطرًا عن إرهاب المتطرفين المنتسبين للإسلام بل قد يكون أكثر خطورة، وكما يتم التحذير من هذا، فإنه يجب التصدي وبحزم للنوع الآخر، أما بخصوص ظاهرة الإسلاموفوبيا فيجب – وهذا ما أكدنا عليه كثيرًا - اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة على المستويين التشريعي والسياسي لوضع حلول فعالة تحد من انتشارها، حتى لا يتطور الأمر إلى أحداث أكثر سلبية قد لا تستطيع الدول الوروبية مواجهتها.

وحدة الرصد باللغة الألمانية

 

 


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.