في إطار المتابعة الدورية التي تقوم بها وحدة رصد اللغة الفرنسية لظاهرة الإسلاموفوبيا في الدول الفرانكفونية، رصدت وحدة رصد اللغة الفرنسية التابعة لمرصد الأزهر باللغات الأجنبية دعوة منظمة العفو الدولية[1] في تقريرها الأخير لفرنسا إلى وقف "الضغوطات" و "المضايقات" و"التمييز" بحق الأقلية المسلمة التي تجري تحت غطاء تدابير حالة الطوارئ، السارية في عموم البلاد، عقب هجمات باريس التي وقعت في 13 نوفمبر من العام الماضي.
وكان تقرير مشترك لمنظمتي "هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية نشر على موقعيهما الرسمي عبر الإنترنت قد ذكر أن الشرطة الفرنسية تستخدم القوة المفرطة خلال ممارساتها التي تستهدف مسلمين بينهم أطفال وشيوخ، لافتا إلى رميهم القرآن الكريم على الأرض خلال مداهمات المساجد، والمحال التجارية، ومنازل المسلمين، إلى جانب ترهيبهم للأطفال.
وأشار التقرير، إلى أن القيود المفروضة، التي تتسبب في فقدان المسلمين لدخولهم ومحالهم التجارية، وممارسات العنف لعناصر الشرطة، تندرج في إطار انتهاك حقوق الإنسان، مؤكدا أن عددا قليلا من المداهمات البالغ عددها أكثر من 3200 مداهمة، أسفرت عن نتائج فقط.
وقالت منظمة العفو الدولية، إن مقابلات أجرتها مع 60 شخصًا، كشفت ممارسة الشرطة القوة المفرطة، واتخاذ تدابير صارمة بحقهم، دون تقديم أية إيضاحات.
وفي ذات السياق، ذكرت جمعية مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا - وهي جمعية "مستقلة" -أنها سجلت 29 حادثة اعتداء على المسلمين، وقال المتحدث باسم الجمعية ياسر اللواتي إن مكتبه تلقى سيلا من التقارير والشكاوى من مسلمين، وكذلك اتصالات تتساءل عما إذا كان ذهاب الأطفال للمدارس يمكن أن يكون آمنًا، وأضاف اللواتي : "أصبح المسلمون هم العدو في الداخل" مشيرًا إلى أن اهتمام وسائل الإعلام بهذه الحوادث كان متفاوتًا.
وأكد رئيس الجمعية أن حالة الطوارئ التي فرضت في فرنسا مؤخرا أدت إلى تزايد الشكاوى من "وحشية" الشرطة التي داهم أفرادها منازل لتفتيشها ووضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية. ومن جانب آخر، ظهرت رسوم جدارية مناهضة للمسلمين في أنحاء كثيرة من فرنسا، ففي بلدة إيفرو "شمال" كتبت على مبنى البلدية ومبان أخرى عبارات مثل "الموت للمسلمين" كما رسمت صلبانًا معقوفة على جدران المساجد بمنطقة باريس ومنطقة بونتارلييه "شرق".
يذكر أن البرلمان الفرنسي قد صدق على تمديد حالة الطوارئ حتى 26 مايو 2016[2].
وعلى صعيد متصل نشرت صحيفة لوفيجارو الفرنسية خبرًا حول قلق الخبراء في اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب، يوم الثلاثاء، من "تعميم" الخطاب العنصري في فرنسا، لاسيما من قبل السياسيين، ومن تزايد "العنف العنصري، ومعاداة السامية، والإسلاموفوبيا". والجدير بالذكر أن وزارة الداخلية الفرنسية قد أعلنت أن أعمال العنف العنصري في فرنسا تتزايد بنسبة 14% بين عامي 2012م وعام 2014م، بينما تتزايد الأعمال المعادية للسامية بنسبة 36%.
وقال الأمين العام للمجلس الأوروبي، ثوربيورن جاجلاند، أن "الخطاب العنصري تفشي بين جميع طبقات المجتمع، وهذا ما يعد مصدر قلق"، ودعا السياسيين إلى الامتناع عن "الإدلاء بتصريحات تصف مجموعات من المجتمع الفرنسي بالضعف، ...".
كما أوضح التقرير أن مستوي التسامح في فرنسا، في تراجع مستمر منذ أربع سنوات، وأن العنصرية لم تعد تترجم باعتداءات جسدية، لكن الألفاظ العنصرية تنتشر بين كافة طبقات المجتمع...
كما أعرب الخبراء الأوروبيون عن قلقهم المستمر من الخطابات التي تدعو لأعمال عدائية ضد الإسلام والمسلمين، والتي يُغذيها "بعض السياسيين"، لاسيما مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية، التي شبهت سابقًا صلاة المسلمين في الشارع بالاحتلال الألماني.
كما طالب الخبراء الأوروبيون، السلطات الفرنسية بـ "توضيح" اللوائح المتعلقة بمرافقة الأمهات المحجبات للطلاب أثناء الرحلات المدرسية. والذي أصدر مجلس الدولة حكما ببطلان هذا المنع، في ديسمبر 2013م.
وعندما ننظر إلى هذه الظاهرة، نجد أنها كثيرًا ما ترتبط ببعض الأعمال الإرهابية التي ترتكب داخل الأراضي الفرنسية وتنسب إلى بعض المسلمين. وعندها تشرع الصحافة والمواقع الإلكترونية في شن هجوم لا على من قاموا بالجرم، ولكن على الدين الذي ينتسبون إليه، هذا الخلط الذي يمكن أن يعطي من وجهة نظرنا المبرر والحجة والذريعة لجماعات الإرهاب وتنظيماته بادعاء أن المجتمع الفرنسي والدولة الفرنسية تحارب الإسلام والمسلمين.
أضف إلى ذلك أنه من بين أبرز الأسباب التي أسهمت في تنامي هذه الظاهرة خلال الأيام الأخيرة التصريحات المثيرة للجدل من بعض الساسة ورجال الدولة الفرنسيين حول اعتماد بعض ماركات الموضة خطوطًا لإنتاج أزياء إسلامية. فقد رصد مرصد الأزهر تصريحات السيدة لورانس روسينيول، وزيرة حقوق المرأة في فرنسا التي وصفت الحجاب بأنه "حبس لجسد المرأة". وعندما سُئلت عن النساء اللواتي اخترن ارتداء الحجاب بملء إرادتهن، قالت : "بالتأكيد، هناك بعض النساء قد اخترن ذلك، وكان هناك زنجيات أمريكيات يدعمن الاستعباد"، وأردفت قائلة أن كثيرًا مِمَّن يرتدين الحجاب ناشطات يدعمن الإسلام السياسي، ويردن فرضه على المجتمع. وهي بذلك تريد أن تربط الزي الإسلامي لا بمفهوم الاستعباد وحده، بل بمفهوم سياسي، وهذا من شأنه أن يُثير إشكالات داخل المجتمع الفرنسي، إذ كيف تُصنِّف إنسانًا ارتضى بمحض إرادته أن يرتدي زيًا ما، وتحاول أن تلصق به تهمة ما، أو على الأقل وصفًا ما. ألا يُعد ذلك ازداء لطريقة حياة اختارها إنسان حتى ولو كنت لا توافق عليها. ما معنى التعددية وقبول الآخر إذن ؟!
وفي هذا السياق أتت كذلك تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس لتسهم بدورها في زيادة حدة التوترات، حيث صرح قائلاً : "ما يمثله الحجاب بالنسبة للمرأة، ليس موضة، وليس لونًا يتم ارتداءه، ولكنه استعباد للمرأة..."، هكذا ؟!
يرى مرصد الأزهر أن مثل تلك التصريحات المثيرة تسهم بالتأكيد في زيادة أعمال الإسلاموفوبيا والتحريض عليها، لاسيما أنها تصدر عن مسئولين حكوميين، الأمر الذي يفتح أبوابًا للجدل، ويزيد نسبة التوترات بين أطياف المجتمع، مما ينعكس سلبيًا على النسيج الاجتماعي الفرنسية من ناحية، ولا يسهم في تحقيق إدماج المسلمين في مجتمعاتهم باعتبارهم مواطنين يتمتعون بكافة الحريات التي كفلها القانون والدستور من ناحية أخرى. لأنهم إذ ذاك يشعرون – أو هكذا يبدو – أن أطيافًا في المجتمع لا تقبلهم أو تهمشهم أو تصادر حرياتهم وحقوقهم، وهذا ما نحسب أنه يمكن أن يزيد من اتجاه بعض الشباب نحو التطرف الفكري، ويكون لقمة سائغة لجماعات يمكن أن تستغل عاطفته، وتغذي عنده الشعور بالعداء تجاه المجتمع مما يؤدي في النهاية إلى ارتكاب جرائم تُنسب بعد ذلك إلى دينه، رغم أن السياق السياسي والاقتصادي والمجتمعي يمكن أن يكون قد أسهم في ذلك. وهذا ما ذكَّر به الإمام الأكبر شيخ الأزهر في خطابه أمام البوندستاج الألماني، حيث أكد على أنه "يعيش في أوروبا اليوم ما يَقْرُب من عشرين مليون مُسْلِم، معظمهم ولد في أوروبا وأصبح أوروبيًّا، {…} يجب أنْ يتمتع هؤلاء جميعًا بالمُسَاواة بينهم وبين المُواطِنين من أصول أوروبية، وألَّا تتركوهم يشعرون بأنَّهُم مُهَاجِرون يَعيشُون على هامِش المُجتَمَع، ويفتقدون ولاءهم لمجتمعهم الذي ينتمون إليه، فالولاء للأوطان هو «المَناعَة» القَويَّة الَّتي تَقِف ضِدَّ الانزِلاق إلى التَّطَرُّف والعُنف".
تظل ظاهرة الإسلاموفوبيا إذن من الظواهر العالمية التي يتابعها مرصد الأزهر عن كثب، ويحلل أسبابها ومظاهرها، انطلاقًا من اهتمام الأزهر الشريف بأحوال المسلمين في شتى بقاع العالم، وقد أصدر مرصد الأزهر في هذا الصدد العديد من التقارير الدورية، منها تقرير حالة الإسلاموفوبيا في العالم للعام 2015، يمكن الاطلاع عليه على بوابة الأزهر الإلكترونية.
[1] موقع إسلام إنفو الفرنسي نقلا عن قناة BFMTV :
http://www.islametinfo.fr/2016/02/24/amnesty-international-accuse-clairement-la-france-de-stigmatisation-contre-les-musulmans-video/
[2] http://www.itele.fr/france/video/cinq-mois-sous-etat-durgence-160849