القضية الفلسطينية

 

06 مارس, 2023

الأقصى المبارك في مستهل 2023م.. الخطر يتسع والتحديات تزداد

     تحرص مؤسسة الأزهر الشريف في إطار دورها العالمي، على إعادة تشكيل وعي الأمة الإسلامية والعربية ووجدانها، والحرص على إبقاء القضية الفلسطينية حيَّة في النفوس والعقول، حتى يأذن الله بشروق شمس الحرية على كامل التراب الفلسطيني. من هذا المنطلق يُغطى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، كل ما يتعلق بقضية المسجد الأقصى على مدار الساعة، باعتباره العامل الأبرز في تحديد مسار الأحداث والنضال ضد الكيان الصهيوني، ليس في مدينة القدس فقط، وإنما في سائر الأراضي المحتلة. وسوف نسلط الضوء في التقرير التالي على أسباب الزيادة المطردة في أعداد المستوطنين الذين دنسوا باحات المسجد الأقصى منذ بداية السنة العبرية في 26 سبتمبر 2022م، حتى بلغت أكثر من (20,000) مستوطن. وتجديد التحذيرات من المخاطر التي تتهدد الأقصى المبارك؛ خاصة مع تصاعد وتيرة التحريض بالتوازي مع تشكيل الحكومة الصهيونية الجديدة برئاسة "بنيامين نتانياهو" وهي (دون مبالغة) أكثر الحكومات تطرفًا في تاريخ الكيان الصهيوني "القصير".
وقد ازدادت أعداد الصهاينة المقتحمين للمسجد الأقصى بنسبة (16%) مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق؛ حيث أعلنت منظمة (بيادينو) أو (جبل الهيكل في أيدينا) ارتفاع معدل المقتحمين يوميًّا إلى (140) مستوطنًا، مقابل (120) في العام السابق. وهذه الإحصائيات إنما تعكس حجم الكارثة والمخاطر التي تحيط بالأقصى المبارك. ويمكن أن نعزو زيادة الأعداد إلى سببين:
الأول: تفاقم دور منظمات الهيكل في التحريض على تدنيس الأقصى:
لا يخفى على المتابع للشأن الفلسطيني، تورط (منظمات الهيكل) المتطرفة في التحريض على اقتحام الأقصى المبارك، والوجود الصهيوني الدائم داخل باحات المسجد؛ بهدف تغيير الوضع القائم، وسلب وزارة الأوقاف الإسلامية التابعة للمملكة الأردنية الهاشمية، سلطة إدارة الأقصى. لكن للأسف ازداد دور هذه المنظمات بشكل واضح خلال الآونة الأخيرة، خاصة في ظل الأزمة السياسية الصهيونية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وتوظيف مسألة المسجد الأقصى المبارك في المعارك الانتخابية، واستقطاب أصوات اليمين المتطرف عبر التلويح بورقة الأقصى، وهو ما ساعد بشكلٍ كبيرٍ في الزيادة المطردة لأعداد المُقتحمين.
لذلك لم يكن من المستغرب أن ترتفع أعداد المُقتحمين خلال العام 2022م إلى أكثر من (48,000) مستوطن؛ حيث كان أكثر الأعوام انتهاكًا للأقصى المبارك منذ احتلال شرقي القدس، والسيطرة على المسجد المبارك. ولم تعد المسألة تقتصر على مجرد اقتحام باحات الأقصى (كما كان الوضع سابقًا) وإنما إقامة بعض الطقوس العلنية المحظورة بشكل يستفز مشاعر المصلين ورواد المسجد، ولا يتناسب مع قدسية الأقصى المبارك، مثل تكرار طقس (السجود الملحمي) من خلال الانبطاح على الأرض، وإدخال القرابين النباتية، ونفخ البوق، وعقد قمم، ومحاضرات، وندوات علنية لكبار الحاخامات الصهاينة المتطرفين، في استعراض واضح للقوى داخل الأقصى.

كذلك تحرص هذه المنظمات باستمرار على ربط النشء الصهيوني بالمسجد الأقصى، عبر ترويج رواية مزيفة توحي بقدسية المسجد بالنسبة للصهاينة، ولذلك تعقد الكثير من مراسم الزواج داخل الأقصى المبارك؛ بهدف ربطه بالمناسبات الصهيونية.
هذا بخلاف إعلام هذه المنظمات عزمها مطالبة حكومة (نتانياهو) بتنفيذ سلسلة مخططات جديدة تشمل تمديد ساعات الاقتحامات اليومية، والسماح بها على مدار أيام الأسبوع، وعدم حظر دخول الأدوات الخاصة بالطقوس الصهيونية، والسماح بتنفيذ كل الصلوات، والطقوس، وفتح جميع أبواب الأقصى لدخول المستوطنين، وتمكينهم من تدنيس الأقصى في المناسبات الإسلامية، وإعلان الحق المتساوي في الأقصى، وتحديد موقع لكنيس به. بل طالبت منظمة (العودة إلى جبل الهيكل) المتطرفة، في رسالة إلى "إيتمار بن جفير" وزير الأمن الصهيوني بذبح القربان داخل الأقصى، في عيد الفصح في المدة (6-12) أبريل 2023م.
الثاني: تشكيل حكومة (نتانياهو) المتطرفة:
بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين برصاص الاحتلال إلى أكثر من (60) شهيدًا، وزادت حدة الاستيطان، وزاد التضييق على الأسرى الفلسطينيين بشكل غير مسبوق، مع وصول حكومة "بنيامين نتانياهو" المتطرفة إلى السلطة مطلع العام الجاري. كذلك لا يمكن إنكار دور "إيتمار بن جفير" وزير الأمن الداخلي، في التحريض ضد المسجد الأقصى، وتشجيع وتسهيل اقتحامات المستوطنين المتكررة للأقصى المبارك. وكان قد استهل فترته الوزارية، باقتحام الأقصى رفقة زعماء منظمات الهيكل، ومجموعة كبيرة من المستوطنين، بتاريخ 3 يناير 2023م، وطالب بتغيير الوضع الراهن في الأقصى، والمنطقة المُحيطة، على سبيل الوفاء بوعوده الانتخابية بمزيد من التمكين داخل الأقصى. وقد وصف مرصد الأزهر مثل هذه التصرفات في حينها بـ "الاستفزازٍ غير المسبوق، والتهديد الفعلي بالتصعيد"، ولفت إلى خطورة هذه الخطوة التي تشرعن لمزيد من الاقتحامات، واستباحة للمسجد من جانب المستوطنين، وتشجيعهم على ارتكاب أبشع الجرائم، والاعتداءات على الأقصى المبارك.

والتفسير الوحيد لاختيار (بن جفير) وزيرًا للأمن الداخلي (رغم الرفض الدولي) هو محاولة إرضاء المستوطنين المتطرفين، ومكافأتهم على مساندة الأحزاب اليمنية خلال الانتخابات.
وظهر تأثير حكومة اليمين المتطرف على وضع "الأقصى" في تقرير نشرته القناة السابعة العبرية أشارت فيه إلى ارتفاع عدد المستوطنين المشاركين في تدنيس الأقصى منذ وصول حكومة نتنياهو إلى الحكم، حيث شهدت الفترة الأخيرة زيادة بنحو 7% مقارنة بالعام الماضي. كما تطرق تقرير القناة العبرية إلى الدور الذي لعبه اقتحام الوزير الصهيوني في زيادة أعداد المُقتحمين، وأن هناك ارتياحًا كبيرًا بين صفوف المستوطنين منذ تولية الحقيبة الوزارية في الحكومة الجديدة.
في المقابل، منعت شرطة الاحتلال السفير الأردني "غسان المجالي"، من دخول الأقصى؛ حيث اعترض أحد أفراد شرطة الاحتلال طريقه، ومنعه من الدخول بحجة عدم التنسيق. وتعقيبًا على تلك الواقعة، يلفت المرصد إلى أنه رغم تمكن السفير الأردني من دخول الأقصى بعد بعض الوقت، فإن الواقعة تعكس بشكل واضح نهج الاحتلال الصهيوني في التعامل مع الأقصى كمقدس يهودي يخضع لإدارته فقط، وهو الأمر الذي رفضه الأزهر باعتبار ذلك يمس الوضع القائم داخل الأقصى المبارك.
ويؤكد مرصد الأزهر أن هذه الحالة هي مجرد مثال على الدعم -غير المحدود- من قبل الحكومة الصهيونية الحالية، فنجد جميع أذرع الإدارة سياسية داخل الكيان الصهيوني تسخر جهدها لخدمة أغراض هذه المنظمات، وتمكينهم من تنفيذ مخططاتهم الخبيثة، بل وتعينهم عليها. في مقابل التضييق الشديد على المرابطين، والمقدسيين ورواد الأقصى المبارك، خاصة عند تقاطع المناسبات الصهيونية المزعومة مع المناسبات الإسلامية.
هذا المشهد المتأجج هو امتدادٌ للأيديولوجيات الصهيونية ذاتها التي اتبعها الاحتلال في السنوات الأخيرة، من اقتحامات موسعة، ومحاولات التقسيم الزماني، والمكاني للأقصى لفرض وقائع تهويدية داخل باحاته خلال العام الجاري، وانتهاكات، وتقييدات متواصلة ضد الأقصى، وأهله، وحراسه؛ مما يجعل الواقع اليوم أشد وطأة، وأكثر خطرًا، خاصةً في ظل رغبة منظمات الهيكل في تحقيق الأطماع الصهيونية في الأقصى باعتبارها هدفًا إستراتيجيًّا تسعى لإنجازه في عهد الوزير الصهيوني المتطرف "إيتمار بن جفير"؛ الأمر الذي يوجب علينا دعوة أهل فلسطين إلى الرباط المتواصل في الأقصى، إلى جانب الدعم المعنوي، ورفع حالة الوعي العام بين جموع المسلمين بالمخططات الصهيونية، حتى يدرك الاحتلال أن المساس بالأقصى هو خطٌّ أحمر.

وحدة رصد اللغة العبرية


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.