Italiano (Italia)
 

منبرٌ كبيرٌ لنشر وسطية الأزهر الشريف بكل لغات العالم

الإرادة الإنسانية- من كتاب الإنسان والقيم في التصور الإسلامي لدكتور حمدي زقزوق
/ Categories: مقالات

الإرادة الإنسانية- من كتاب الإنسان والقيم في التصور الإسلامي لدكتور حمدي زقزوق

الإرادة الإنسانية

        لقد سبق أن أشرنا إلى أن المشتغلين بالأخلاق قد وصفوا الإنسان بأنه حيوان أخلاقي أي: كائن له قيم يلتزم بها أو يُلزم نفسه بها. وهذا يعني قدرته على اختيار سلوك يتفق مع القيم الأخلاقية أو سلوك يتناقض معها. وعلى الرغم من أن هناك بعض العوامل المؤثرة في تكوين أخلاق الإنسان مثل الوراثة والبيئة فإنه ليس معني ذلك أنها تسلب اختيار الإنسان وحريته.

      إننا نشعر في نفوسنا بما لنا من حرية الاختيار في أقوالنا وأفعالنا. ولولا أن إرادة الإنسان حرة في اختيار الخير أو الشر لكانت التكاليف الأخلاقية والأمر والنهي ضرباً من العبث، ولما كان هناك معني لما جاءت به الأديان من الثواب والعقاب والمدح والذم. فالحرية شرط أساسي لكل الأفعال الخُلُقية، وما يتعلق بها من مقاصد ونوايا ومواقف إرادية خُلُقية. ولا يمكن أن نتحدث عن أخلاقيات إلا إذا كان الإنسان يتمتع بالحرية التي تجعله قادراً علي عمل الخير وترك الشر أو العكس. ولو لم نكن أحراراً في الاختيار بين الخير والشر فلا يمكن أن نُحاسَب على تصرفاتنا، كما لا يمكن أن نُمدح أو نُلام عليها.

     وقد كانت مسألة حرية الإرادة-وماتزال-موضوع نقاش بين الفلاسفة بعضهم مع بعض من جهة وبينهم وبين رجال الدين من جهة أخري، ومن قديم الزمان يوجد في هذا الصدد رأيان أساسيان: فهناك فريق يميل إلى القول بأن الإرادة حرة في الاختيار، وهناك فريق آخر يري أن الإرادة مُجبَرة وليست حرة في الاختيار. وفي تاريخ الفكر الإسلامي نجد أنه قد برز من بين ما ظهر من اتجاهات فكرية في هذا الصدد مذهبان يمثلان الاتجاهين المشار إليهما، وذلك بالإضافة إلى اتجاه ثالث لا يقول بحرية الإرادة حرية مطلقة ولا بعجزها العجز المطلق.

     وعلى كل حال فإن الحرية-والحرية الواعية-هي الأساس الذي ترتكز عليه الأخلاق، ولو لم تكن هناك حرية لما أمكن أبداً تحديد المسئولية، ولما كان هناك فعل يمكن أن نقول عنه إنه فعل خُلُقي، وفعل آخر غير خُلُقي.

    ولا نريد هنا أن ندخل في تفاصيل الخلاف العريض الذي ثار بين أصحاب الجَبر وأصحاب الاختيار، ولكننا نود أن نلفت النظر فحسب إلى أن الله سبحانه وتعالي قد خلق نوعين من المخلوقات-كما سبق أن أشرنا إلي ذلك في فصل سابق-: مسخّر لا إرادة له ولا اختيار وليس أمامه إلا الطاعة والامتثال، ويتمثل هذا النوع في كل مخلوقات الله عدا الإنسان.

   أما النوع الثاني وهو الإنسان فإنه مخلوق مكلّف، والتكليف مسئولية. والمسئولية لا تقوم إلا علي دعامة من الحرية في الفعل أو الترك-كما يقول القرآن الكريم-:

          ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾    [الكهف:29]

   ويترتب على ذلك قضية الثواب والعقاب التي يشير إليها القرآن الكريم في قوله:

         ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا   [فصلت: 46]

    صحيح أن الله يعلم كل ما سيقوم به كل فرد من خير أو شر، ومن إيمان أو كفر، ولكن علم الله هنا ليس علم إكراه على الفعل أو الترك، وإنما هو علمٌ أزليٌ بما سيقع من هذا الشخص أو ذاك. أما وقوع الفعل نفسه أو عدم وقوعه، فهو في أساسه من صميم حرية الشخص نفسه. وليس في هذا ما يطعن في القضاء والقدر من قريب أو بعيد، فكل شيء قد قدّره الله في الأزل، وهذا أمر لا جدال فيه. ولكنّ خلْقَ الإنسان بإرادة حرة، هو أيضا من بين ما قدّره الله في الأزل.

   ثم إننا جميعاً في حياتنا العملية نعترف بأثر التربية والتثقيف والتهذيب في تغيير سلوك الإنسان، كما أننا نضع قوانين ونعاقب المسئ ونكافئ المحسن، فإذا كان الأمر هو أن الإنسان مجبرٌ لا حرية له، ولا إرادة، ولا اختيار، فليس هناك-إذن-أي داع للتربية والتهذيب أو الوعظ والإرشاد، أو وضع القوانين أو الثواب والعقاب، لأن ذلك كله يفترض أن هناك ذاتاً لها إرادة حرة، وأنها قادرة علي الاستجابة أو عدم الاستجابة.

 والقول بالجبْر فيه سدٌ لجميع منافذ الأمل في حياة الإنسان، وبدون الأمل لا يستطيع الإنسان أن يتقدم في حياته أو يتطور في معارفه، بل إنه سيجمد ويتقوقع، وبذلك تقف الحياة وتجمد البشرية.

    وقد أعطانا الدين الأمل وغرس في نفوسنا الثقة في القدرة علي التغيير إلي الأفضل، مبنيّاً لنا أن هذا التغيير لن يسقط علينا من السماء، وإنما يتعلّق أولاً بإرادتنا ذاتها التي تملك هذا التغيير. وهل هناك في هذا الصدد أصدق من هذا القانون الإلهي الثابت:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم ﴾  [الرعد:11]

فقد أسند الله سبحانه وتعالي التغيير للإنسان كما أسند إليه تزكية النفس أو إفسادها في قوله تعالي:

            ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا    [الشمس:10،9]

***

 

Previous Article الإنسان والمسئولية (من كتاب الإنسان والقيم في التصور الإسلامي – ا.د حمدي زقزوق)
Next Article المعجزة ( من كتاب مقومات الإسلام- لفضيلة الإمام الأكبر أ. د أحمد الطيب)
Print
10596 Rate this article:
2.5

Documents to download

  • 38608649(.jpg, 7,24 KB) - 589 download(s)

Please login or register to post comments.

أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصًا لديني ولمصر وللأزهر الشريف, وأن أراقب الله في أداء مهمتى بالمركز, مسخرًا علمي وخبرتى لنشر الدعوة الإسلامية, وأن أكون ملازمًا لوسطية الأزهر الشريف, ومحافظًا على قيمه وتقاليده, وأن أؤدي عملي بالأمانة والإخلاص, وأن ألتزم بما ورد في ميثاق العمل بالمركز, والله على ما أقول شهيد.

 

 

Il Grande Imam, lo sceicco di al-Azhar, rifiuta una richiesta del Vice Presidente degli Stati Uniti per incontrarlo affermando che le decisioni illegali e ingiuste su al-Quds devono essere immediatamente revocate.
Come parte della sua posizione costante verso la decisione del governo americano, che fornisce, a dispetto delle sensibilità del mondo musulmano, il riconoscimento di al-Quds come la capitale dell'entità dell’occupazione sionista e il...
venerdì, 8 dicembre, 2017
In un comunicato urgente, dopo la preghiera del venerdì, il Grande Imam di al-Azhar agli abitanti di Gerusalemme:
In un comunicato urgente, dopo la preghiera del venerdì, il Grande Imam di al-Azhar agli abitanti di Gerusalemme: “Che la vostra Intifada sia forte quanto la vostra fede nella vostra causa e quanto il vostro amore per la vostra...
venerdì, 8 dicembre, 2017
Al-Azhar mette in guardia contro qualsiasi manomissione dell'identità araba e palestinese di Gerusalemme
Con grande preoccupazione, al-Azhar ha seguito le notizie diffuse dai media sull'intenzione dell'amministrazione statunitense di riconoscere Gerusalemme come capitale dell'entità sionista. Al-Azhar mette fortemente in guardia...
martedì, 5 dicembre, 2017
Discorso di Sua Eminenza, il Grande Imam Prof. Ahmed al-Tayyeb, lo Sceicco di al Azhar Riguardo ai Martiri della Moschea al-Rawda, nel Sinai
Redatto il 12 Rabi'ul-Awwal, 1439 AH, il 1° dicembre 2017 d.C.     In nome di Allah, il Clemente e il Misericordioso Sia lode ad Allah e pace e benedizioni di Allah sul nostro Profeta Muhammad, il Messaggero di...
venerdì, 1 dicembre, 2017
Discorso di Sua Eminenza, il Grande Imam, il Professore Aḥmed al-Ṭayyeb, lo sceicco di al-Azhar in occasione della celebrazione della Nascita del Profeta. Sala conferenze al-Azhar Pronunciato il 11 Rabi 'I 1493 / 29 November 2017
In nome di Allah, il Clemente e il Misericordioso. Lode ad Allah. Pace e benedizioni sul nostro Maestro Muhammad, sulla sua famiglia e sui suoi nobili compagni. Signor Presidente, Abulfattah as-Sisi, Presidente della Repubblica Araba...
venerdì, 1 dicembre, 2017
Il testo del discorso del Grande Imam, Prof. Dr. Ahmed Al-Tayyeb, al popolo egiziano, sul perfido attacco terroristico del Sinai, avvenuto il venerdì
- Con la grazia di Allah e la resistenza del popolo egiziano, l'istituzione di al-Azhar continuerà a svelare e a distruggere il pensiero deviante. - L'Egitto, la nostra patria, è in grado di sconfiggere i resti del terrorismo e di...
lunedì, 27 novembre, 2017
La seconda giornata della distribuzione degli aiuti forniti da al-Azhar al-Sharif ai rifugiati Rohingya.. Il Grande Imam raccomanda che i delegati di al-Azhar distribuiscano loro stessi gli aiuti di soccorso
Giovedì, la delegazione di al-Azhar al-Sharif in Bangladesh ha continuato a distribuire gli aiuti di soccorso a favore dei musulmani Rohingya nella città di Cox’s Bazar, in Bangladesh. La delegazione si è suddivisa in tre gruppi, ciascuno...
lunedì, 27 novembre, 2017
Al via la distribuzione degli aiuti forniti da al-Azhar al-Sharif ai rifugiati Rohingya in Bangladesh
Mercoledì, la delegazione di al-Azhar al-Sharif in Bangladesh ha iniziato a distribuire gli aiuti di soccorso e di alloggio forniti da al-Azhar a favore dei musulmani Rohingya nella città di Cox’s Bazar, in Bangladesh. La distribuzione...
domenica, 26 novembre, 2017
La delegazione umanitaria di al-Azhar arriva nei campi dei Rohingya in Bangladesh in vista della distribuzione degli aiuti di soccorso e di alloggio prevista per domani, mercoledì.
È arrivata oggi, martedì, in Bangladesh la delegazione umanitaria di al-Azhar al-Sharif nei campi dei musulmani Rohingya nella città di Cox's Bazar, situata vicino ai confini con il Myanmar, in vista della distribuzione, prevista per domani,...
mercoledì, 22 novembre, 2017
Discorso di Sua Eminenza il Grande Imam di al-Azhar e il capo del Consiglio dei Saggi Musulmani, prof. Ahmed Al-Tayyeb, nella Conferenza del Dialogo dell'Oriente e dell'Occidente tenutasi a Roma
    Nel nome di Dio il Clemente e il Misericordioso   Nel suo discorso alla "Conferenza del dialogo fra Oriente e Occidente" di Roma, il Grande Imam ha sottolineato: - Nel lungo incontro che ho tenuto con...
martedì, 7 novembre, 2017
123456789